بيئة المدارس المصرية تنذر بفشل تطبيق التعليم الرقمي

القاهرة - عرّت نتيجة امتحانات مدارس المتفوقين للعلوم والتكنولوجيا في مصر جانبا من عورات نظام التعليم الجديد المقرر تطبيقه في سبتمبر المقبل، بعدما وصلت نسبة الرسوب بين الطلاب إلى 44 بالمئة، في سابقة هي الأولى من نوعها، ما أحدث صدمة داخل الأوساط التعليمية.
وتقوم طريقة التقييم بمدارس المتفوقين على أن يؤدي الطلاب الامتحانات ويتم تصحيحها بشكل إلكتروني عبر أجهزة الحاسب الآلي (التابلت)، دون تدخل بشري، وهي ذات الآلية التي من المقرر أن يتم تطبيقها في عموم المدارس الثانوية خلال العام الدراسي الجديد.
وتجري الاختبارات عبر وصول الأسئلة إلى الطلاب إلكترونيا من بنك الأسئلة القومي، وهي ذات الطريقة التي سوف تعمم على كل المدارس الثانوية المؤهلة لمرحلة التعليم الجامعي.
ويقتصر الالتحاق بمدارس المتفوقين على الطلاب الحاصلين على المجاميع الأعلى بنهاية المرحلة الإعدادية، وهؤلاء من النخبة والمبتكرين والمتميزين علميا ورياضيا، ويشترط قبولهم في هذه المدارس الحصول على أكثر من 96 بالمئة مع اجتياز اختبارات الذكاء التي تصل إلى مئة سؤال.
وتهدف هذه المدارس إلى رعاية الموهوبين والمتفوقين والاهتمام بقدراتهم وتدريس المناهج المتطورة في العلوم والرياضيات والتكنولوجيا، مع تطوير استخدام أساليب التكنولوجيا في العملية التعليمية للانفتاح على العالم وإفساح المجال أمام النخب الطلابية للابتكار والإبداع.
44 بالمئة نسبة الرسوب في أول الامتحانات التطبيقية ببعض المدارس
وأكثر طلاب هذه المدارس هم من الراسبين، ويمتلكون براءات اختراع في مجالات مختلفة، على غرار الطاقة المتجددة وصناعة سيارات يتم تسييرها بالمياه، وطائرات تتحرك بشكل إلكتروني لإطفاء الحرائق، وابتكار أجهزة إنذار تمنع سرقات السيارات.
وكان طارق شوقي وزير التربية والتعليم، قد قال إن نظام التعليم المفعل في مدارس المتفوقين وآلية الاختبارات سوف يعممان على المرحلة الثانوية لتغيير ثقافة وعقلية الخريجين واستبدال الحفظ والتلقين بالبحث والابتكار والتفكير عبر التعليم الإلكتروني.
وأمام تصاعد الغضب من ارتفاع نسبة الرسوب في مدارس المتفوقين، قررت وزارة التعليم، إعادة تصحيح الامتحانات بشكل يدوي، والاستغناء مؤقتا عن التصحيح الإلكتروني بعد اتهامات طلابية واسعة بأنه السبب في انخفاض معدلات النجاح.
وأوضح مراقبون أن اللجوء إلى الطريقة التقليدية في تقدير درجات الطلاب، ربما يعكس الفشل المستقبلي للحكومة وعدم القدرة على إنجاح نظام التعليم الجديد، الذي يعد نسخة مكبرة من تلك الآلية التي يجري العمل بها في مدارس المتفوقين.
ورأى هؤلاء، أن ما جرى يُضعف من حجة وزارة التعليم في الدفاع عن مزايا النظام الجديد الذي يعتمد على التعلم الإلكتروني، لأن الأصوات المعارضة في تزايد مستمر، لعدم قدرة المسؤولين على طمأنة الطلاب وأولياء الأمور بالقدرة على تطبيقه بشكل صحيح.
ومن المقرر أن يتسلم طلاب الصف الأول الثانوي ابتداء من العام الدراسي الجديد، كمبيوترات تحتوي على المناهج الدراسية على أن يجري اختبارهم أربع مرات سنويا بشكل إلكتروني ويتم تصحيح الأسئلة بذات الآلية.
ولن تعتمد الدراسة وفق النظام الجديد، على الكتاب المدرسي الموحد على أن تكون هناك مناهج جديدة قائمة على البحث والابتكار، ويصبح دور المدرس إرشاديا، لا مجرد ملقن للدروس، ويكون لدى الطالب قدرة على التصميم والإبداع والتفكير النقدي.
وتكمن الخطورة في أن عدد مدارس المتفوقين في مصر لا يتخطى 11 مدرسة، مقابل 2500 مدرسة ثانوية. ويقول أولياء أمور “إذا كانت وزارة التعليم أخفقت في تطبيق تجربة التعلم الإلكتروني على عدد محدود للغاية من المدارس، فكم ستكون خسائر التعميم؟”.
ويبني المعارضون لنظام التعليم الجديد، وجهة نظرهم على غياب البنية التكنولوجية في المدارس وصعوبة الانتهاء من إنشاء شبكة إنترنت تخدم طلاب التعليم الثانوي الذين يتجاوز عددهم 600 ألف طالب سنويا، وأن الإخفاق في تجربة مدارس المتفوقين هو دليل دامغ على ذلك.
وقالت إيمان علي، وهي طالبة رسبت في إحدى مدارس المتفوقين، إنها وزميلاتها وزملاءها عانوا طوال العام الدراسي من انقطاع شبكة الإنترنت، ما تسبب في تأخر الانتهاء من أبحاثهم العلمية التي تمثل العمود الفقري لدرجات النجاح.
وأضافت لـ”العرب”، أن مدارس المتفوقين تحظى باهتمام رئاسي وحكومي بالغ بحكم نوعية الطلاب وتفوقهم العلمي والفكري واعتبارهم الأمل في إحداث نهضة تعليمية وصناعية وتكنولوجية عبر براءات اختراع في كل المجالات، لكن مع ذلك فإن ما يحدث “يحتم على الحكومة أن تراجع نفسها في تطبيق التعلّم الرقمي كبديل عن الورقي، لأن الواقع على الأرض يكاد لا يصل إلى المسؤولين بشكل حقيقي”.
واعتاد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي متابعة ملف هذه المدارس بشكل دوري، ومطالبة الحكومة بالتوسع في إنشائها بكل المحافظات، قبل أن تلجأ وزارة التعليم إلى الاستغناء بشكل كلي عن الكتب وأداء الامتحانات بصورة تقليدية لتجعل التعليم إلكترونيا بحتا.
وشهدت مدارس المتفوقين، خلال العام الدراسي الماضي، احتجاجات واسعة من الطلاب وأولياء الأمور، لعدم توافر متطلبات العملية التعليمية من معامل وبنية تكنولوجية وتعطل الكمبيوترات، وغياب المدرسين المؤهلين لمساعدة الطلاب على إتمام الأبحاث.
ويخشى خبراء تربويون من أن تنتقل نفس الإشكالية إلى باقي المدارس الحكومية مع بدء تطبيق المنظومة الجديدة، وتصطدم وزارة التربية والتعليم بحسابات معقدة، وتجد نفسها مضطرة إلى التراجع مرة أخرى، ما يضعها في مواجهة غير محسوبة مع الطلاب وأسرهم.
ويحظى النظام الجديد، بدعم رسمي، ويتمسك المسؤولون بانتقال التعليم إلى مرحلة متقدمة عبر تطبيق التكنولوجيا في الدراسة والامتحانات. وشدد الرئيس السيسي على وزارة الاتصالات بسرعة الانتهاء من توصيل المدارس بالإنترنت قبل حلول سبتمبر المقبل.
وأشار طارق نورالدين، الخبير التربوي، إلى أن “مصر غير مستعدة لتطبيق نظام تعليمي قائم على التكنولوجيا، لعدة اعتبارات، أهمها تهالك البنية التحتية والإنشاءات وارتفاع الكثافات الطلابية، وفشل تطبيق التجربة الإلكترونية في التعليم قبل 4 سنوات”.
وكانت مصر عممت الدراسة والامتحانات بأجهزة التابلت عام 2014 على 6 محافظات فقط، لكن الطلاب لم يقبلوا الفكرة وسرعان ما تعطلت هذه الأجهزة، وتكرر انقطاع الإنترنت، ما دفع وزارة التعليم إلى التراجع عن خطوتها في العام الدراسي نفسه، وإعادة العمل بالنظام التقليدي.
وأضاف نورالدين لـ”العرب”، وهو معاون سابق لوزير التربية والتعليم، أن البيئة في المدارس المصرية غير مؤهلة للانتقال إلى التعليم الرقمي، ومشكلة القائمين على المنظومة أنهم لم ينزلوا إلى الواقع لدراسة التحديات على الطبيعة ووضع حلول جذرية لها، قبل إقرار النظام الجديد، لافتا إلى أن أزمة مدارس المتفوقين تمثل جرس إنذار للتراجع أو التعديل وفق التحديات الكبيرة التي تلاحق تعميم التعليم الإلكتروني.