الروبوت الفنان يغيّر الأفكار والمفاهيم بشأن الإبداع

يسعى العلماء بشكل متواصل إلى إقحام الروبوت في كل تفاصيل حياة البشر وتقليد البعض من وظائفهم وإلى تزويده بمهاراتهم ومواهبهم، ومن المتوقع أن يظهر في المستقبل القريب الروبوت الفنان في ظل تزايد ابتكار عدد من الروبوتات الموهوبة ونجاحها في محاكاة أهم اللوحات ومقاربتها أساليب أشهر الفنانين.
ارتبط الفن بالإنسان لما يملكه من قدرة على التفكير في المفاهيم المجردة، وهو ما يميّزه عن بقية الكائنات الأخرى، إلا أن الذكاء الاصطناعي بدأ يشق طريقه بخطى حثيثة نحو مجالات عديدة، ليكسر بذلك الكثير من الحواجز بين الإنسان والروبوتات، إلى درجة أن البعض من العلماء يحدوهم طموح، إلى تطوير روبوتات تمتلك قلبا ومشاعر وتتفاعل مثل البشر، ويمكن أن تمسك بالفرشاة لتعبّر عن أحاسيسها بالألوان، تماما مثلما يفعل أشهر رسامي العالم، وأخرى تشدو بالألحان وتؤلف أرقى المعزوفات، وقد تبرع أيضا في النحت كما الراحل أوغست رودان.
بطبيعة الحال إذا ما قارنّا الروبوتات الحالية بالإنسان، فسيبدو من الواضح أنها لا تزال محدودة القدرات والإمكانيات، فهي ليست واعية مثل الإنسان، ولا تمتلك إحساسا وحواس أو ذائقة فنية، لتعزف مقطوعة موسيقية شبيهة بـ”السمفونية التاسعة” للودفيغ فان بيتهوفن، أو ترسم لوحات فنية تنافس في جماليتها لوحتي “الموناليزا” و”العشاء الأخير” للرسام الإيطالي البارع ليوناردو دافنشي. لكن إذا نظرنا إلى التغيرات السريعة للغاية في عالم التكنولوجيا والابتكار، فإن فكرة “الروبوت الفنان” ستصبح جزءا واقعيا جدا ذات يوم.
وبالفعل بدأت العديد من التطبيقات العملية الأولية، إذ استعان مؤخرا الرسام الأميركي بارنبي فيرنس، بروبوت آلي لمساعدته في رسم لوحات قدّر ثمنها بأكثر من 100 ألف دولار في معارض نيويورك الفنية.
ويعتمد فيرنس وغيره من الفنانين على أجهزة الروبوت المخصصة للطباعة الرقمية التي تستخدم تقنيات للرسم كانت في الماضي القريب مستحيلة أو تحتاج الكثير من العمل. وتعمل الأجهزة بناء على توجيهات الفنانين، بالاستعانة بمجسات ضوئية لرسم تفاصيل دقيقة على خطوط يقلّ سمكها عن سمك أحد رموش العين.
وقال فيرنس في تصريح صحافي “أعتبر الروبوت صديقًا، إنه أكثر من مجرد حيوان أليف وأقلّ من مساعد فني، إنه شيء من هذا القبيل”. وفي تجربة فريدة من نوعها، قام رجل آلي عالي الدقة من استشعار تحركات الأشخاص وهم غارقون في نومهم، وحولها إلى لوحات فنية. وحظي المشروع الفرنسي بدعم سلسلة من الفنادق الدولية، من خلال اختيار مرشحين لخوض هذه التجربة، وتقديم غرف فندقية للنوم فيها.
وتمكّن أيضا علماء من جامعة أمستردام الهولندية من برمجة روبوتات بخوارزميات ذكية، لفحص أعمال بعض الرسامين العباقرة وتحليل أسلوبهم في الرسم، فنجحت في إعادة رسم أشهر لوحاتهم، من ذلك على سبيل المثال، لوحة للرسام الهولندي الشهير رامبرانت تعود إلى حوالي 350 عاما وبمقارنتها مع عدد من لوحاته تم التعرّف على أسلوبه، ومن ثم طباعة اللوحة بتقنية ثلاثية الأبعاد، بدأ العمل مذهلا كما لو أن رامبرانت نفسه رسمها، ولكن هذه المرة ليس بفرشاته الكلاسيكية وإنما بفرشاة الذكاء الاصطناعي الافتراضية، أليس هذا إحياء لمواهب فذّة خلّدها التاريخ!
ونجح بدوره الرسام النمساوي أليكس في الاستعانة بجهازي روبوت لرسم لوحة في ثلاث مدن (فيينا ولندن وبرلين) في وقت واحد في حدث قال إنه الأول من نوعه في العالم. واستخدم كيسلنج جهاز استشعار يعمل بالأشعة فوق الحمراء، لنقل حركات قلمه وإرسالها عبر قمر صناعي إلى جهازي الروبوت في ميدان ترافلجار (الطرف الآخر) في لندن وميدان بريتشيدبلاتز في برلين ليعيدا إنتاج الخطوط التي يرسهما على لوحتين أخريين.
واستغرق كيسلنج (33 عاما) أكثر من ستة أشهر كي يتقن استخدام تلك التقنية وبرمجياتها. لكن السؤال الذي يظل مطروحا بقوة، هل سيبقى الروبوت مجرد آلة في أيدي البشر ألن يعي بذاته يوما، فيمتلك أنماطا بصرية وشعورية تتيح له إنتاج تحف فنية بالكامل؟
في الوقت الحاضر لا يمتلك علماء الذكاء الاصطناعي جوابا قطعيا حول هذه المسألة، إلا أنهم متفائلون حول قدرة الروبوت على إزاحة الإنسان من على عرش الفن، ولا يستبعدون أن يحدث “الفنان الآلي” نقلة نوعية في مفهوم الفن، ما سيضطر العديد من الدول إلى إعادة النظر في مسألة الملكية الفكرية، التي لطالما ارتبطت بالبشر.
لكن في مقابل ذلك، ثمة الكثير من الهواجس تشوب مسألة الترحيب بهذا الفنان الآلي، إلى درجة أن الكثيرين شبهوه بذلك الكائن المرعب في رواية المؤلفة البريطانية ماري شيلي فرانكشتاين، الذي سلب خالقه كل ما يملك، فهل سيصبح قدر البشرية مرهونا بين أيدي روبوتات أبدعتها يد الإنسان فانقلبت عليه؟
مثل هذه الاحتمالات غير مستبعدة، ففي أحد البحوث، أشار ماثياس شويتز، الأستاذ في علوم الكمبيوتر بجامعة توفتس، إلى أن كفاءة وفعالية أجهزة الروبوت الاجتماعية قد تنقلب في يوم من الأيام علينا كبشر.
المسألة برمّتها متروكة للمستقبل، فعلم الروبوتات الذي استفاد كثيرا من علوم الدماغ والأعصاب بصدد اكتساب مؤهلات دماغية اصطناعية تحاكي دماغ البشر، ما سيجعلها قادرة على التعرّف على المحيط الخارجي والتفاعل معه والتعلم منه، لتكون أكثر وعيا بذاتها وبالآخر، عندها قد تفلت من قبضة البشر. لا نعرف تحديدا إلى أين سيقودنا الذكاء الاصطناعي؟ ربما إلى إنسان جديد.