معرض للهواة يحول تفاصيل حياة المصريين إلى سلع

القاهرة - أقدمت مجموعة من الهواة المصريين على خوض تجربة فنية وتجارية، تمثلت في استئجار أحد أماكن عرض اللوحات والتصميمات الفنية، لإقامة معرض فني ومنفذ تجاري، يستهدف الترويج لمنتجات مجسمة، ارتبطت بتفاصيل الحياة اليومية.
وافُتتح معرض “”كايرو بوليتان” مؤخرا، في حي غاردن سيتي في وسط القاهرة. وجاءت التسمية من وصف القاهرة، كمدينة مترامية، يقنطها نحو 20 مليون مواطن، واشتق اسم المعرض من كلمة “Métropolitain are” وهو مصطلح يطلق على المناطق الكبرى التي تتألف من عدد كبير من السكان من ثقافات مختلفة، يعملون ويرتبطون بالمنطقة.
ويعبّر المعرض عن اختلاف هوية العناصر المشاركة. فهناك مجسمات اعتمدت على نحت المعادن، وأخرى ركزت على فن التشكيل بالشمع، وثالثة على الطباعة والتعليب والخياطة، ما خلق في النهاية جملة من المعروضات تدور حول فكرة واحدة، وهي الشغف بالتفاصيل القديمة لكنها تفتقر للتناسق من حيث العرض الفني.
وانعكس الاختلاف أيضا على تقسيمات أجزاء المكان. فالأول خارجي مخصص لبيع المنتجات، والثاني داخلي يتمثل في أجزاء واسعة لعرض أعمال الفنية بشكل يستهدف التعريف بالمنتج والترويج له، والثالث ويشكل امتدادا للمعرض الداخلي توجد به ورشة عمل لتصنيع المجسمات.
وانعكس اختلاف هوية العناصر المشاركة على المؤثرات البصرية داخل المعرض. وهناك مجسمات للمعادن في شكل أثقال الميزان المعيارية القديمة، وحولها فنانو المعرض إلى طفايات للسجائر باستخدام صك المعادن، تقابلها مجسمات اسُتخدمت فيها فنون الطباعة والغرافيك، مثل عداد التاكسي القديم الذي تحول إلى علبة مناديل ورقية للسيارات. كما أن هناك حضورا قويا لفن التشكيل بالشمع عبر استغلال أحد أنواع الصابون المحلي وكانت رائجة في سبعينات القرن الماضي، وإنتاجها في شكل شمعة، وبجوارها حافظات للأدوات الدراسية في شكل رغيف خبز مدعوم من الحكومة، ومازال موجودا بنفس هيئته.
وأثر غياب التناسق بين المجسمات على إقبال الفنانين المحترفين على المعرض، والتي تمثل معارض الهواة بالنسبة إليهم فرصة لاكتشاف المواهب وتنميتها، وكان حضور الشباب المتولد من رغبة لمعايشة الماضي، هو الأبرز.
وحاول القائمون على المعرض التركيز على استخدام مؤثرات بصرية تعيد إلى أذهان المتابعين والجمهور تفاصيل الحياة قديما، لإقناعهم بأن ما كان موجودا مازال مستمرا ولو بأشكال واستخدامات مختلفة، وهو أمر يشبع رغبات العديد من الشباب في إطار “النوستالجيا”، فهناك غرام لدى البعض بالحنين إلى الماضي.
وظهر اللعب بالمؤثرات البصرية في عرض أيقونة التاكسي الصفراء، على خلفية سيارة قديمة خلت منها شوارع القاهرة حاليا، والاستعانة بأحد أبواب الثلاجات المنتشرة في الأحياء الشعبية لعرض مدونات صغيرة طٌبعت عليها من الخارج أشكال مختلفة من أنواع الجبن المصرية.
وطغى الهدف التجاري على الجانب الفني، وظهر ذلك من خلال عرض الوسائد المصنوعة من القماش ومطبوع عليها غلاف أقراص “الريفو” المسكنة، والتي كتب أسفلها “إذا كنت تريد الراحة فإن هذه الوسادة قد تمنحك راحة أكبر”، ومكتوب عليها ثمنها.
جملة من المعروضات تدور حول فكرة واحدة، هي الشغف بالتفاصيل القديمة، لكنها تفتقر للتناسق الفني
وفي لحظة قد يشعر البعض بأن المعرض هو مكتبة لبيع الأدوات الدراسية والمفكرات الشخصية، لما يحتويه من مطبوعات ورقية مصممة بأشكال مختلفة، منها مفكرة تحمل صورة تذكرة الأتوبيس المصري، أو في شكل رزمة فئة المئة جنيه، ونهاية بطباعة مفكرة على غلافها صورة جواز السفر المصري القديم.
ما يؤكد زيادة النزعة التجارية هو استمرار عمل منفذ بيع المنتجات بعد انتهاء فترة المعرض في 29 يوليو الجاري.
وقال أحمد حفناوي، الشاب الثلاثيني صاحب فكرة المعرض والمشرف على العشرات من الشباب المشاركين فيه، إن فترة الإعداد للمعرض امتدت لأكثر من 12 عاما بسبب مشكلات التمويل.
وأوضح لـ”العرب”، أن عوائد الجزء التجاري لا يمكن أن تعوض الجهد المبذول في تصنيع المجسمات، وهو يهدف إلى توفير مكافآت رمزية للمشاركين، لأن الطبيعة الحضارية لمدينة القاهرة كانت دافعا للتفكير في استغلال تراثها الشعبي، لانتشاله من وضعه القائم باعتباره أحد مكونات حياة المصريين في فترات ماضية، ليصبح جزءا من الحاضر.
واعترف حفناوي بأن الهواة المشاركين في المعرض تجمعهم أهداف موحدة، تتمثل في عرض أعمالهم الإبداعية وتحقيق استفادة معنوية ومادية منها، والانتقال لصفوف المحترفين في أعمال الفنون التشكيلية المختلفة، وهي أهداف لا تنفصل عن وجود خطوات صعبة وطويلة تعترض طريق اعتراف نقابة التشكيليين المصريين بهم كفانين محترفين.
وتدفع الخطوات الإجرائية طويلة المدى للاعتراف بالفنانين التشكيلين كمحترفين في كشوف نقابتهم إلى انتشار معارض الهواة في مصر، وتشترط النقابة ممارسة الهاوي لأحد الفنون التي يجيدها لمدة سبع سنوات، ويقيم خلالها معرضين، وتقيّم الأعمال لجنة القيد لتحديد قبولهم من عدمه.
ويشير العديد من الفنانين إلى أن تلك الخطوات قد تكون دافعا لانتشار معارض الهواة، لكن نقابة التشكيليين تؤكد أن معارض الهواة تشوّه الفن، ولا تقوم على أساليب احترافية وتستهدف تحقيق الربح، من دون تطوير في المستوى الفني.
وأشار حمدي أبوالمعاطي، نقيب الفنانين التشكيليين، إلى أن هناك جمعيات خاصة تقوم بتمويل معارض الهواة، وتستغل مواهبهم لتحقيق أرباح طائلة، على حساب جودة المنتج الفني المقدم للجمهور، وهو ما يحولها إلى عمل تجاري بحت.
وأصدر رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، قرارا مطلع الأسبوع الجاري، يحظر إقامة أي فعاليات ثقافية أو فنية، إلا بعد الحصول على ترخيص من وزارة الثقافة، وقرر تشكيل لجنة عليا دائمة لتنظيم إقامة المهرجانات والفعاليات، تضم عددا من الخبراء في المجالات الثقافية والفنية المختلفة، من غير العاملين على إدارة المهرجانات، ورؤساء النقابات الفنية والأدبية، بمشاركة عدد من الوزارات الأخرى.