الحياة خارج الأرض: صعوبة التوفيق بين المتاح وما يقوله العلماء

حلم العيش خارج كوكب الأرض يبقى مشروعا إذا وجد العلماء إلى ذلك سبيلا ماديا ومتطوعين لديهم شغف بالمغامرة.
الاثنين 2018/07/16
السكن في الكوكب الأحمر أصبح مسألة وقت ليس إلا

أصبح مستقبل البشرية في الفضاء من الموضوعات المثيرة والممتعة، كما يقول تشارلز كوكل، عالم بيولوجيا الفضاء في جامعة إدنبرة، ومع تزايد عدد الدول التي تحاول غزو الفضاء، وما يصاحب ذلك من جهود متجددة، لم تعد فكرة أن يمتلك البشر في المستقبل الآجل بيوتا مبنية على كوكب المريخ أمرا مستبعدا.

وربما يبدأ الناس في القريب العاجل بالتسابق لشراء أراض وتشييد منازلهم بالمدن والقرى الفضائية المرتقبة، ليصبحوا ذات يوم من شعوب المريخ، الحلم يبقى مشروعا إذا وجد العلماء إلى ذلك سبيلا ماديا ومتطوعين من الرواد لديهم شغف بالمغامرة، إلى درجة تجربة العيش في كوكب ليس فيه هواء للتنفس.

البعض ينظر إلى هذا الحلم على أنه مجرد خيال علمي، ويراه البعض الآخر على أنه ضرب من الكفر أو التنبؤ بالغيبيات التي لا يعلمها إلا الله، وهذا يذكرني بالمقولة الشهيرة للإمام علي بن أبي طالب “ما جادلت جاهلا إلا وغلبني”، تماما مثل ذلك المدعي الذي حاول أن يثبت أن الأرض مسطحة ولا تدور، وأن الإنسان لم يمش على سطح القمر، وأن وكالة “ناسا” ليست سوى دعاية أميركية.

لكن الأمر بالنسبة إلى علماء الطبيعة والأنثروبولوجيين والفيزيائيين قد انتقل من مجرد التفكير والتخمين إلى بداية التطبيق، وبناء على ما توفر لديهم من حقائق، فالمسألة برمتها قد تجاوزت مرحلة الطموح، وحتى الآن أثبتت التجارب عدم وجود فواصل كثيرة بين ما يتطلعون إليه والتطبيقات الممكنة في الواقع، فبعد أن عثر مسبار الفضاء “كيوريوسيتي” التابع لوكالة الفضاء الأميركية “ناسا” على آثار غاز الميثان في الغلاف الجوي، يمكن التأييد وبحماسة كبيرة إمكانية وجود حياة ثانية على الكوكب الأحمر.

ويرجح العلماء أن الميثان ربما نتج عن كائنات حية دقيقة انتهى وجودها قبل ملايين السنين وتركت غازا مجمدا أسفل سطح الكوكب، أو أن بعض الكائنات المنتجة للميثان لا تزال على قيد الحياة.

العلماء قطعوا أميالا كثيرة في اكتشاف الفضاء ويملكون عدة أدلة تؤيد إمكانية استيطانه

وحسبما قال رولف دي غروت، رئيس مكتب تنسيق استكشاف الفضاء التابع لوكالة الفضاء الأوروبية “إثبات وجود حياة أو أنه كانت هناك حياة على المريخ سيظهر أن الأرض ليست منفردة بوجود حياة عليها، وهذا سيزيد كثيرا من احتمال أن هناك أماكن أخرى في الكون توجد عليها حياة أيضا”.

الألف ميل تبدأ عادة بخطوة، والعلماء إلى حد الآن قطعوا أميالا كثيرة في اكتشاف الفضاء ويملكون عدة أدلة تؤيد إمكانية استيطان المريخ، فأمام خطط مؤسسة “مارس وان” (أو المريخ واحد) لإقامة مستعمرة على سطح المريخ حوالي عشر سنوات من الآن، وتخطيط وكالة ناسا الأميركية للوصول إلى الكوكب الأحمر يتوقع تحقيقه بحلول عام 2033، ونية مؤسس شركة “سبيس إكس” للسياحة الفضائية، الملياردير إيلون ماسك، لإقامة مستعمرة بشرية دائمة على سطح المريخ باتت في نطاق التنفيذ، والسكن في الكوكب الأحمر أصبح مسألة وقت ليس إلا.

لكن قد تمضي العشرات من السنين وربما قرون من الزمن، قبل أن يصبح هذا الحلم حقيقة وقد لا يتحقق أبدا، فمن الواضح أن التوفيق بين ما هو متاح وبين ما يقوله العلماء أمر صعب، وحتى الآن لم يحدث أن اختبر أحد العلماء إن كان ذلك ممكنا من الناحية الفيزيائية.

ومن أكبر التحديات أيضا التي تواجه العلماء هي إقامة مستعمرة على سطح المريخ، من دون الاضطرار إلى إنفاق الكثير من الأموال على شحن المواد اللازمة إلى هناك، فمهمة أبولو لحمل رجال فضاء إلى القمر أواخر الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي قد كلفت حوالي 200 مليار دولار بالقيمة الحالية للعملة، وكان ذلك لإنزال 12 رجلا على سطح القمر. فكم ستكون تكلفة إرسال نماذج جاهزة من تلك المستعمرات للإقامة فيها، أو المواد اللازمة لبنائها في المريخ.

وحتى وإن تمكنت دولة ما ذات يوم، من إقامة مستعمرات لها في المريخ أو على كواكب مماثلة في مقوماتها للأرض، فإن بناء حضارة ما من الصفر لن يكون بالأمر الهين، فالتاريخ مليء بالحضارات المخضبة بدماء البشرية، ويكفي أن نعيد النظر في المحرقة النازية، وأنهار الدماء في كمبوديا، ومعسكرات العمل بالسخرة في عهد ستالين، لندرك أن الثمن الذي يدفع مع بداية كل تاريخ بشري باهظ جدا.

12