المدارس اليابانية بمصر ترفع شعار التعليم المتميز للقادرين فقط

الحكومة المصرية تفتح الباب لتدشين العشرات من المدارس بدعم من الحكومة اليابانية.
الثلاثاء 2018/07/03
فرص الطبقات الضعيفة في تراجع

يقابل مشروع عولمة التعليم، الذي أعلنت الحكومة المصرية تطبيقه مؤخرا في مسعى للنهوض بهذا القطاع الحيوي، مسارا تصحيحيا كان على القائمين على هذا المشروع أخذه بعين الاعتبار وهو تهيئة الظروف المناسبة أمام الفئات الضعيفة لتكون شريكة فيه، ذلك أن التعليم مهما كان متميزا أو دونه لا يحق فيه التمييز بين طبقة وأخرى، وهو ما تعكسه تجربة المدارس اليابانية بمصر.    

القاهرة - عكس إعلان وزارة التربية والتعليم المصرية، رسميا، أن المدارس اليابانية تستهدف أبناء الطبقة المتوسطة، رغبة الحكومة في رفع يدها عن دعم التعليم والبدء تدريجيا في منح الأولوية للتوسع في المدارس ذات العوائد المادية، وهو ما تزامن مع الكف عن بناء أخرى لأبناء الطبقة البسيطة.

وقالت وزارة التعليم في بيان صحافي، الاثنين، إن مصروفات المدارس اليابانية تبلغ عشرة آلاف جنيه (560 دولارا) في العام الواحد، وتهدف إلى أن يتلقى أبناء الطبقة المتوسطة تعليما متميزا، على أن تكون اللغة العربية الأم، لغة التدريس الرسمية.

وكانت الحكومة المصرية أعلنت عن فتح الباب لتدشين العشرات من المدارس بدعم من الحكومة اليابانية، غير أن ارتباكا حدث بسبب نظام القبول وجملة المصاريف، أدت إلى تأجيل بدء المشروع الذي تتكفل به طوكيو من العام الدراسي الحالي إلى العام المقبل.

وأعلنت الحكومة أن المصروفات لن تزيد عن ألفي جنيه (حوالي 120 دولارا)، قبل أن يتدخل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لوقف العمل بنظام التعليم الياباني لما شاب عملية قبول الطلاب والمدرسين من مجاملات ووساطات وتخبط في إدارة ملف المدارس اليابانية.

وبلغة الأرقام، فإن مصروفات مدارس النظام الياباني (الحكومي) تتخطى نظيرتها في البعض من المدارس الخاصة، وفي سابقة أولى من نوعها تطلب الحكومة من الطلاب مبالغ مالية أكثر من تلك التي يحددها مستثمرون في التعليم الخاص.

أيمن البيلي: الحكومة قررت الاهتمام بتعليم الأغنياء والاستغناء عن التعليم المجاني
أيمن البيلي: الحكومة قررت الاهتمام بتعليم الأغنياء والاستغناء عن التعليم المجاني

وولدت فكرة المدارس اليابانية في مصر، أثناء زيارة الرئيس السيسي إلى طوكيو في فبراير 2016، بعدما اتخذ قرارا بنقل التجربة اليابانية في مجال التعليم، من خلال بناء 100 مدرسة مصرية يابانية. ويُنظر إلى المصروفات الجديدة على أنها مقدمة لتوسع الحكومة في بناء مدارس متميزة، تستهدف أبناء القادرين على دفع تكاليف التعليم، ما يقضي على آمال الطلاب البسطاء في أن تطالهم يد التطوير قريبا.

وأعادت تكاليف الالتحاق بالمدارس اليابانية إلى الأذهان، نقاشات برلمانية دارت قبل عامين عن ضرورة خفض قيمة المجانية بالمدارس الحكومية وتوجيه الفائض لتطويرها، وهي نفس الأفكار التي يروّج لها مسؤولون في الحكومة على فترات.

وينص الدستور المصري على التزام الدولة بمجانية التعليم لكل الطلاب بالمدارس الحكومية، وتوفير بيئة تعليمية مناسبة للجميع دون تمييز أو إقصاء على أساس الوضع الاقتصادي للأسر.

وقال ثلاثة أولياء أمور لـ“العرب”، إنهم قرروا تأخير إلحاق أبنائهم بالمدارس خلال العام الماضي، بعد وقف النظام الياباني مؤقتا، لكن “بعد الإعلان عن قيمة المصروفات، لم يعد هناك بديل عن المدارس الحكومية العادية”.

وأضاف هؤلاء، وهم من سكان حي العبور في شرق القاهرة، “يقولون لنا إن التعليم المميز في مصر أصبح للقادرين على الدفع، مثل كل شيء آخر، وسائل المواصلات، المطاعم، المستشفيات.. انتهى زمن مجانية التعليم.. المجانية أصبحت عقابا وليست ميزة”.

وتشتكي المدارس الحكومية من ارتفاع معدلات الكثافة إلى مستويات غير مسبوقة، وتصل في البعض من المدارس إلى مئة طالب في الفصل الواحد، مع شبه انهيار للبنية التحتية وانعدام الأجواء المناسبة التي لا تغري الطلاب بالحضور والتركيز في الحصص الدراسية.

وفي المقابل، يصل عدد الطلاب بالفصل الياباني إلى 35 طالبا، ويتم تخصيص مقعد لكل طالب، حتى أن كل عوامل الرفاهية موجودة، من حيث الملاعب الرياضية وغرف الموسيقى والرسم، كما أن مساحة المدرسة الواحدة تصل إلى ثلاثة أضعاف المدارس الحكومية الأخرى. وتهدف الحكومة من إدخال نظام التعليم الياباني إلى تحسين مستوى المدارس، عن طريق التوسع في تطبيق أنشطة التوكاتسو اليابانية، التي تركز على سلوكيات الطلاب والمدرسين وزيادة الاعتماد على الأنشطة بما يسهم في تخريج أجيال على درجة عالية من الكفاءة.

وقال الخبير التربوي أيمن البيلي “من الواضح أن الحكومة قررت أن توجه اهتمامها إلى تعليم أبناء الأغنياء فقط، وانتهى زمن الخدمات التعليمية المجانية في مصر، بحيث يكون لكل ميزة مقابل مادي.. حتى التوسع في المدارس لن يكون مجانيا، ادفع كي تتعلم”.

وأوضح لـ“العرب”، أن الحكومة أصبحت تفكر مع تعليم أبناء البسطاء بمنطق “لم يعد بالإمكان أكثر مما كان”، ولم تعد قادرة على توفير بيئة تعليمية متميزة للجميع، لأن ذلك يكلّفها المليارات سنويا، لافتا إلى أن كل المؤشرات تعكس خفض الدعم عن التعليم الحكومي.

100 مدرسة مصرية يابانية تقرر بناؤها بعد زيارة الرئيس المصري إلى اليابان عام 2016

وأكدت الحكومة منذ عامين أنها بحاجة إلى مئة مليار جنيه (نحو 5 مليارات دولار) لبناء مدارس جديدة للقضاء على كثافة الفصول وتوفير بيئة مناسبة للطلاب، وبعد موجات الغلاء التي صاحبت مختلف أسعار السلع، تضاعف هذا المبلغ، ولا تستطيع موازنة الدولة تحمله.

وتوقع مراقبون أن يكون تجاهل تطوير المدارس الحكومية تكتيكا متعمدا من الحكومة، بحيث تصل إلى أسوأ حالاتها، ويقبل أولياء الأمور بأي حلول مستقبلية يتم طرحها، وعلى رأسها رفع المصروفات وخفض الدعم الحكومي مقابل تطويرها وتحسين مستواها.

ولا يمانع أولياء أمور، تحدثت معهم “العرب”، في رفع أسعار الخدمات والمصروفات بشكل معقول للإنفاق على تطوير وتحديث المدارس الحكومية العادية ونظام التعليم القائم ما دامت الحكومة عاجزة، شريطة أن يظهر مردود ذلك سريعا، ولا يذهب إلى خزانة الدولة.

وقالت آمال فريد، وهي أم لثلاثة أبناء بمدرسة حكومية “أدفع للدروس الخصوصية كل عام ما قيمته 1800 جنيه (نحو مئة دولار) لكل واحد، لكنهم يذهبون إلى السجن يوميا”، في إشارة إلى اكتظاظ المدرسة بالطلاب، لأن الفصول المكدسة وغير الآدمية، ومستعدة لقبول رفع المصروفات مقابل تحسين الخدمة وإقرار نظام تعليمي لا يعتمد على الدروس الخصوصية.

وأضافت “ما يحدث هو عقاب للناس بالمدارس الحكومية، مقابل رفاهية أبناء القادرين على دفع تكاليف التعليم في بيئة متميزة مثل النظام الياباني، وهو ما يجبرنا على المطالبة برفع المصروفات مقابل الحصول جزء من هذا التميز، هم يدركون أن الاقتراب من المجانية خط أحمر ويتعارض مع الدستور، لذلك يضغطون حتى يطلبه الناس من تلقاء أنفسهم.. وهذا مخطط أصبح مفهوما للجميع”.

17