الساعة العاشرة صباح كل ثلاثاء

هذه العبارة كلمة سر جعلت أسهم شركة تدعى “الأوج للطاقة” تصل فعلا إلى عنان السماء في البورصات العالمية وعلى رأسها الوول ستريت في أميركا.
قامت الشركة بطرح إعلان شفاف يكشف عن استعدادها لبيع الكهرباء بأسعار زهيدة جدا، وذلك لأنها تمكنت، علميا، من إنتاج الطاقة من لا شيء. ولأنه من المعروف أن الطاقة لا تولد من العدم ولا يمكن أن تفنى، فقد طالبت الصحافة الشركة بإثبات ما تدعيه.
وخرج المهندس العبقري الذي يدير مختبرات شركة “الأوج” ليعلن أنه اكتشف أن “ثقالة الماء” في الساعة العاشرة من صباح كل ثلاثاء تنخفض بما نسبته 10 بالمئة. ولكنها تعود إلى مقدارها المعتاد في المساء وفي بقية أيام الأسبوع. ولذلك يجب استغلال الزمن وإنتاج طاقة تعادل ذلك الانخفاض في هذا التوقيت بالذات.
وهكذا تم بناء خزان عملاق على ارتفاع شاهق يضخون فيه الماء في تمام الساعة العاشرة صباحا من كل يوم ثلاثاء، وعندما يأتي المساء يعودون إلى فتح أنبوب الماء من فوق إلى الأسفل عبر عنفات تنتج طاقة كهربائية تزيد بمقدار 10 بالمئة عن النسبة الطبيعية.
كان هذا فتحا عظيما في الأسواق، لذا أقبل الناس على شراء أسهم شركة “الأوج”. لكن مدققا خبيثا للحسابات في البورصة شكك في صحة الأمر وأخذ يحقق فيه. وتم تعطيل البيع حتى تنتهي الدراسة والتحقيق. ومع ذلك فقد استمر البيع، سرا، فالناس لا تثق بالحكومات ولا بالمحققين.
بعد ستة أشهر ظهرت النتيجة، واتضح أن الشركة لم تكن تكذب على الناس، وأن المهندس كان صادقا في قراءة مقياس الثقالة. ولكن هناك أمرا بسيطا يجدر الانتباه إليه؛ وهو أن هيئة الدفاع المدني في مدينة قريبة من مختبرات شركة “الأوج” كانت تقوم في تمام العاشرة صباح كل يوم ثلاثاء بإجراء تجربة لجهاز الإنذار من الغارات الجوية، ما يتسبب في تشويش يعطي قراءة خاطئة في مقياس ثقالة الماء بما نسبته 10 بالمئة.
شركة “الأوج” هذه ليست شركة حقيقية والمثال الذي رأيته أعلاه، عزيزي القارئ، خلقه بالكامل كل من ليوم ليديرمان الفيزيائي الأميركي الحائز على جائزة نوبل للفيزياء عام 1988 وكذلك كريستوفر هيل الذي يرأس قسم الفيزياء النظرية في مختبر “الفيرميلاب”.
أما في عالمنا الحقيقي هذا، فعليك في تمام الساعة العاشرة من صباح كل ثلاثاء ومن صباح كل يوم أن تذكّر نفسك بأن الطاقة لا تولد من العدم ولا يمكن أن تفنى، وأن العلم لا يغيّر من قواعده أبدا، سواء في الظواهر أو العمل أو الأخلاق أو الرياضة أو الحياة أو المجتمعات أو المستقبليات.