هل فقد مهرجان كان جاذبيته؟

السينما المستقلة في هوليوود قد فرضت نفسها، وأصبحت تنافس، وكثيرا ما تتفوق على أفلام هوليوود، وتنافسها في الأوسكار وغير الأوسكار.
الأربعاء 2018/06/06
مهرجان كان في حاجة إلى الاستعانة بنماذج أكثر جاذبية من أفلام هوليوود

بعد انتهاء الدورة 71 من مهرجان كان السينمائي وتوزيع الجوائز، وبعد كل ما أثير من ضجيج قبل وأثناء الدورة، سواء في ما يتعلق بالنظام الجديد للعروض الصحافية، أو تبني المهرجان حملة “أنا أيضا” النسائية ضد التحرش، ثم الحرب التي اشتعلت قبيل افتتاح المهرجان مع شركة “نيتفليكس” وسحب أفلامها من المهرجان، بدأ الكثيرون يتساءلون “هل مازال مهرجان كان يحتفظ بجاذبيته أم أنه بدأ يفقد هذه الجاذبية؟”.

لم يعد المهرجان قادرا كما كان من قبل، على جذب الكثير من الأفلام الجديدة الجيدة التي تنتجها شركات هوليوود الكبيرة، ولم يعد بالتالي، يستقطب الكثير من النجوم الأميركيين الذين كانوا دائما يمنحون المهرجان مذاقا خاصا بوجودهم وصعودهم فوق درجاته الشهيرة وسيرهم على البساط الأحمر، ذلك التقليد الذي انتقل من كان إلى مهرجانات أخرى كثيرة.

ربما لم يعد التوقيت الذي يقام فيه المهرجان مناسبا لشركات هوليوود التي أصبحت تفضل تدشين أفلامها في فصل الخريف، لكي تجذب إليها الأنظار وتضمن لها أكبر دعاية ممكنة طمعا في إدراجها ضمن ترشيحات الأوسكار، وبالتالي أصبحت هوليوود تفضل إرسال أفلامها الجديدة المتميزة إلى مهرجاني فنيسيا وتورنتو اللذين يقامان في شهر سبتمبر.

وبينما يعتبر مهرجان تورنتو مهرجانا غير تنافسي، أي لا ينظم مسابقة ولا يمنح جوائز، يظل هو بوابة الأفلام الجديدة إلى أميركا الشمالية، بينما يعتبر فنيسيا، أعرق مهرجانات السينما في العالم، البوابة السينمائية الكبرى التي تعبر منها الأفلام الجديدة إلى القارة الأوروبية.

وقد نجح مهرجان فنيسيا خلال السنوات الخمس الأخيرة في اقتناص عدد من الأفلام البارزة التي انتهت إلى ترشيحات الأوسكار وفازت بالجوائز، مثل “جاذبية الأرض” للمخرج المكسيكي ألفونسو كوارون، و”بيردمان” لزميله أليخاندرو غونزاليس إيناريتو، و”لا لا لاند” لداميان شازيل، و”شكل الماء” لغليرمو ديل تورو.

الناقد الأميركي أوين غليبرمان كتب في مجلة “فاريتي” المتخصصة في صناعة السينما بعد اختتام دورة مهرجان كان الأخيرة، يقول “إن الاعتقاد بأن أزمة المهرجان مع نيتفليكس بسبب رفض أصحاب القاعات الفرنسية عرض أفلام الشركة قبل أن تمتثل للتشريعات الفرنسية التي تقضي بأن تعرض أولا في قاعات السينما قبل عرضها لمن يدفع عبر شبكة الإنترنت، ليس من الممكن أن يكون سببا في أزمة المهرجان، فلم يكن كان يعتمد في أي وقت، على شركة واحدة”.

أما السبب الذي يدعونا غليبرمان للتوقف أمامه فهو أن الأفلام غير الناطقة بالإنكليزية، أي تلك التي يطلقون عليها في أميركا الأفلام “الأجنبية”، لم تعد منذ فترة تتمتع بنفس نسبة الإقبال على عروضها من جانب المشاهدين بعد أن ظلت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، تحظى بمكانة خاصة، أما اليوم فمع بعض الاستثناءات، لم يعد الأمر كذلك.

ويصل الكاتب بالتالي إلى أنه أصبح يتعين على مهرجان كان أن يعترف بأن هذا النوع من الأفلام التي تشكل النسبة الأكبر من بين برامجه وأقسامه، لم تعد تلقى نفس الاهتمام، “وهي المعركة التي لا يستطيع المهرجان أن يربحها!”.

غليبرمان يقصد تحديدا أفلام الفن وأفلام المؤلفين السينمائيين التي منحت مهرجان كان عبر العصور، قيمته وأهميته كأكبر حدث من نوعه لاكتشاف السينما الجديدة في العالم، لكنه يرى أن الأفلام الفنية لم تعد تثير الاهتمام، وأن المهرجان في حاجة إلى الاستعانة بنماذج أكثر جاذبية من أفلام هوليوود، أو إلى وجود أعمال الفن السينمائية المدهشة التي ترسخ في الأذهان مثل “ثمانية ونصف” أو “الحياة حلوة” لفيلليني.

لكن غليبرمان ينسى، أو يتناسى، أن السينما المستقلة في هوليوود قد فرضت نفسها، وأصبحت تنافس، وكثيرا ما تتفوق على أفلام هوليوود، وتنافسها في الأوسكار وغير الأوسكار، وقد ظل مهرجان كان، ساحة مؤثرة للاحتفاء بأعمال سينما الفن الأوروبية، لكن هذا لا يمنع من ضرورة التدقيق في اختياراته مستقبلا، والكف تماما عن النظر إلى الاعتبارات السياسية والجغرافية.

16