"فوضى" مسلسل سوري يفتح النار على العبث

خطوط عديدة ومتداخلة، هادئة حينا وعنيفة أحيانا أخرى، قدّمها مسلسل "فوضى" من خلال الشخوص التي استعرضها على امتداد مساحته الروائية والمكانية.
الثلاثاء 2018/06/05
إهمال أنتج العشوائيات

دمشق- في مفهوم مباغت، ينطلق سمير حسين مخرج المسلسل السوري “فوضى” في التعريف بالعمل، فيقول “المدن لا تشيخ بتعاقب العصور، المدن تشيخ  بفعل الإهمال”، والعمل يقدّمه مجددا الكاتبان حسن سامي يوسف ونجيب نصير، في شراكة أدبية أفرزت العديد من الأعمال الناجحة التي صارت علامات فارقة في تاريخ الدراما السورية.

وفي رصيد المشاركة الأدبية التي جمعت حسن سامي يوسف ونجيب نصير العديد من الأعمال السابقة الناجحة منها “زمن العار”، “السراب”، “الانتظار”، “رجال ونساء”، “حكاية خريف”، “أيامنا الحلوة”، “قبل الغروب”، “أسرار المدينة” و”نساء صغيرات”.

يؤكد المخرج السوري سمير حسين أن جريدة “ديرشبيغل” الألمانية أفادت أن مسلسل “فوضى” هو الأكثر مشاهدة عبر قنوات اليوتيوب في ألمانيا، وقد قامت بتحقيق عن العمل نشرته على صفحاتها، وقرّرت إثره ترجمة المسلسل إلى الألمانية وعرضه على موقعها

كما قدّم مخرج العمل سمير حسين وهو الذي درس التمثيل أولا ثم السينما في بريطانيا العديد من الأعمال الهامة في الدراما التلفزيونية السورية منها “قاع المدينة”، “وراء الشمس” الذي تعرّض للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، و”بانتظار الياسمين” الذي حقّق مراتب متقدّمة في أرفع جوائز الدراما العالمية، الـ”إيمي أوورد”.

وينطلق “فوضى” من قلب النزف في الحدث الآني، حيث تبدأ أحداث المسلسل، بقدوم مجموعة كبيرة من الأشخاص من مناطق ساخنة، هربا من الحرب الدائرة في مناطقهم تاركين وراءهم بيوتا وأحلاما وذكريات وبالطبع أشخاصا، ليتكدّسوا في العديد من المنازل متشاركين أهل الحي الأصلي يومياتهم وتفاصيل حياتهم، في حالة غير طبيعية، لتغدو المنطقة كلها في حالة فوضى.

وينقلب هذا الحي الحديث بحالته العمرانية لما يشبه مناطق العشوائيات بما تعيشه من فوضى وعبث في الكثير من نواحي الحياة فيها، فتتداخل مصائر الشخصيات، تتلاقى حينا وتتصارع حينا آخر، في جدلية هذا الوضع الناشئ الذي جمع أضدادا في حي واحد، وهي الحالة التي أوجدها النص بذكاء ليتحدث عن النمط العشوائي في حياة المدن، الذي بالإهمال سيكون عشوائيا حتى ولو كان ضمن أحياء حديثة نسبيا.

وفي المسلسل شخوص كثيرة تظهر في مسارات حياتها تقاطعات حادة وأحيانا صادمة، كما في شخصيتي “فارس” و”زيدان” الشقيقان اللذان يتنازعان حب فتاة واحدة، ثم زواجها من أحدهما، وبعد اعتقاله لفترة والاعتقاد بأنه ميت، تتزوج من الثاني، خاصة بعد أن فقدت أهلها في الحرب، لتكون المفاجأة بعودة الشقيق الأول، ليصير الصراع في أوجه بين شقيقين وفتاة ومصير.

وكذلك يدخل المسلسل عوالم شديدة الخطورة اجتماعيا من خلال موضوع تزويج القصر عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وما يحمله ذلك من خطورة بالغة على الأسر، والحياة الاجتماعية عامة، من خلال شخصية نسائية تدمن هذه الحالة وتسير معها لتصل إلى نتائج مأزومة.

ولعل الخط الأكثر خطورة في المسلسل، هو دخوله عوالم مهنة المحاماة وبالتالي القضاء، والظروف القاسية والخطرة التي تحيط بها، مستعرضا مكامن الخطر والتشوه التي أصابت المجتمع بعموميته،  فمن خلال شخصية المحامي “راتب” (سلوم حداد) الذي يهدده أحد المتنفّذين بضرورة التنحي عن الدعوة التي يرافع فيها مع خصمه، تبدأ فصول الحكاية لتصل إلى كشف المسكوت عنه في هذه المهنة وتأثير ذلك السلبي على المجتمع كله.

وشارك في تقديم العمل كل من: سلوم حداد، أيمن رضا، عبدالمنعم عمايري، حسام تحسين بك، زهير رمضان، محمد خير الجراح، فادي صبيح، ديمة قندلفت، نادين تحسين بك، مرح جبر، إمارات رزق، سوسن ميخائيل، رشا بلال، ميري كوجك، هيا مرعشلي، محمد قنوع، سامر إسماعيل، ريمي سرميني وآخرون.

وفي إشارة سريعة إلى الناس الهامشيين الذين لا يمتلكون أي موقف تجاه كل ما يحدث، ويعيشون حياتهم بكل سطحية، تظهر شخصية الحسناء السكرتيرة التي لا يهمها من كل ما يجري إلاّ مطاردة نزواتها في السهر والتدخل في حياة الناس وتعاطي المخدرات التي تجدها في متناول يديها في هذه الفوضى.

وشخصية (أبوالخير) الذي أداها بقوة الفنان فادي صبيح، تبدو مفصلية في العمل، فهو شاب بسيط يمتلك محلا لإصلاح دواليب السيارات، وسرا ركب موجة الفوضى، فصار مروجا لمادة الحشيش في الحي، كما أنه يمتلك نزوعا نحو نزوات شخصية، لكن كل ذلك لم ينزع منه قدرا كبيرا من الشهامة التي يقدّمها لكل شخص يستطيع مساعدته ويحتاجها، فيكون سندا للعديد من الناس في محيطه.

كذلك تظهر في المسلسل، شخصية الانتهازي الذي يسرق معونات الغذاء من الإعانات الدولية، ليبيعها بشكل إجباري إلى عدد من التجار وبأسعار تفاضلية، ملوحا لهم بحجم الخطر الذي يتهدّدهم في حال لم ينفذوا ما أراد.

وفي البعد العاطفي تظهر شخصية السيدة المطلقة التي ترتبط بعلاقة حب بالمحامي الكبير المتزوج، والتي تتقاذفها رياح تصلب ابنها برفضه مشروع الزواج هذا، ورغبتها مع شريكها في بناء مشروع حياتي طبيعي.

خطوط عديدة، كثيرة، متداخلة، متساوقة، هادئة حينا وعنيفة أحيانا أخرى، قدّمها المسلسل من خلال الشخوص التي استعرضها على امتداد مساحته الروائية والمكانية، وهو الذي استطاع من خلال مرور النصف الأول من شهر رمضان أن يحظى بمتابعة جماهيرية كبيرة في الشارع السوري والعربي عموما.

16