شمس جلال الدين الرومي تشرق من القاهرة

المترجم محمد السيد جمال الدين يقدم كتاب "مختارات من ديوان شمش تبريزي" الذي يظم قصائد مختارة من أشعار جلال الدين الرومي.
الاثنين 2018/05/28
دعوة للعشق

يقدم كتاب “مختارات من ديوان شمش تبريزي” ترجمة لقصائد مختارة من أشعار جلال الدين الرومي، ضمّها ديوانه الكبير المعروف بـ”ديوان شمس تبريزي”، الذي نظمه الرومي تخليدا لذكرى صاحبه شمس الدين تربيزي.

ولا تشتمل أغلب هذه القصائد على اسم شمس الدين فحسب، وإنما تشتمل أيضا على إعلاء من قدر هذا الرجل الذي بدا في رأي الرومي “قطبا من الأقطاب تدور عليه رحى القلوب التي تهيم بمحبة الله تعالى، وتنجذب إليه أرواح السالكين، فيقدح فيها زناد الشوق ويدفع بها قدما في الطريق إلى الحق”.

وتضم المختارات ترجمة منثورة لمئة غزلية وغزلية واحدة (101) من ديوان شمس تبريزي، نقلها المترجم محمد السيد جمال الدين إلى العربية اعتمادا على المجموعة التي اختارها من الديوان الدكتور محمد رضا شفيعي كدكني، الأستاذ الجامعي والشاعر الإيراني المرموق، ونشرها في طهران لأول مرة سنة 1342 هـ/ 1963م، وقد طبعت هذه المجموعة بضع طبعات اعتمد منها المترجم الطبعة الخامسة التي صدرت سنة 2002.

وتشتمل مجموعة كدكني على 466 مقطوعة غزلية، اختارها من 3229 مقطوعة غزلية ضمها الديوان الكبير، واستبعد من بعضها أبياتا وجدها لا تنطبق انطباقا كاملا، فى رأيه، “مع معايير علم الجمال أو النقد الأدبي أو ذوق عامة القراء”، فجاءت الغزاليات الطويلة، والتي يبلغ عدد أبياتها ثلاثين بيتا، ما يناهز العشرة أبيات في مختاراته.

قدم المترجم محمد السيد جمال الدين للمختارات التي صدرت أخيرا عن دار آفاق بمقدمة تعريفية تفصيلية عن كل من جلال الدين الرومي وشمس الدين تربيزي، ثم عرض للقاء الذي تم بينهما والذي أدى إلى التحول الكبير الذي ألم بحياة جلال الدين وفكره وطرائق تعبيره، وانتقل في النهاية إلى الحديث عن ديوان “شمس تبريز” وعن هذه القصائد المختارة، والتي نقل أغلبها إلى العربية لأول مرة.

وأكد جمال الدين أن العلاقة بين الإنسان والحق سبحانه وتعالى قائمة على حب وود، كما ورد في القرآن الكريم “يحبهم ويحبونه”، ومن ثم كانت المحبة هي المقدمة على ما عداها، وهي العلاج لكل العلل والوسيلة المثلى للوصول إلى المقصود. ويتردد هذا المعنى كثيرا في ديوان المثنوي لجلال الدين الرومي، ولكن الديوان يكاد يكون وقفًا على بيان خصائص المحبة وآثارها، فموضوعه الأساسي هو “الحب الإلهي”، وما يعتري نفس المحب من مشاعرالشوق واللهفة والألم والأمل، وهي تسعى حثيثا إلى أن تحظى ببارقة تنبئ بلحظات الأنس والقرب الخاطفة التي قد تأتي وقد لا تأتي.

الديوان يكاد يكون وقفًا على بيان خصائص المحبة وآثارها، فموضوعه الأساسي هو "الحب الإلهي"

ورأى المترجم أن الديوان دعوة إلى العشق، وإلى الاندماج في موكب الحب الذي يقود الإنسان فيه الكون كله إلى التوجّه إلى خالقه وإلى الإخلاص له وابتغاء وجهه وتحقيق الوصال به، ومن ثم يبدو العشق عند جلال الدين الرومي وكأنه القوة المحركة للكون كله، تسري في أجزاء الوجود بأسره. ومن أهم المحاور وأكثرها دورانا في غزليات الديوان موضوع الوطن الأصلي للإنسان، فالإنسان ليس ابن هذه الأرض، إنما هو ينتمي إلى أصل علوي لا بد أن يشعر بالشوق إلى العودة إليه. وإدراك الإنسان لنبل عنصره واستعداده الروحاني الهائل أمر مهم ولازم، لأنه يمثل الشرارة الأولى لانطلاق السالك يدفعه الشوق وإخلاص القصد إلى السير في طريق الحق. والطريق محفوف بالمخاطر مليء بالعقبات، لكن هذا الإدراك كفيل بتذليل العقبات وتيسير الصعاب، فضلا عن أنه يجعل الإنسان جديرا بنيل العون من الحق- تعالى- على المضي قدما في الطريق.

يقول الرومي  في”المثنوي” متحدثا باسم “الإنسان”:

“عشت تحت الثرى في عوالم من تبر وحجر، ثم ابتسمت في ثغور زهرات عديدة الألوان.

ثم جُبت مع الوحش والحيوان المتنقل فوق ظهر البسيطة، وعلى متن الهواء وفي مناطق المحيط.

وفي ميلاد جديد غطست في الماء وحلقت في الهواء، وحبوت على بطني وعدوت على قدمي وتشكل سر وجودي كله في صورة أظهرت كل ذلك للعيان، فإذا أنا إنسان.

ثم أصبح هدفي أن أكون في صورة ملاك في ملكوت وراء السحاب، وراء السماء، حيث لا يمكن لأحد أن يتبدل أو يموت، ثم أعدو بعيدا، وراء حدود الليل والنهار والحياة والموت”.

كل هذه المعاني وغيرها تجد نماذج منها في هذه المختارات، وهي تبين مدى ما يضطرم به قلب العاشق من شوق وإقدام، مما يعطي الشعر حركة وانفعالا وقدرة لا نظير لها على التأثير والأخذ بمجامع القلوب، وعلى إشاعة روح التفاؤل والاستبشار في النفوس.

وأشار جمال الدين إلى أن أشعار الديوان تتميز بموسيقاها الجميلة، التي تعبر عن مدى حب جلال الدين الرومي للموسيقى، بل وبراعته التي كان يشتهر بها، كما يقولون، في الضرب على بعض آلاتها كالربابة. ويرجع حب الرومي للموسيقى إلى ما ذكره هو في”المثنوي”، من أن آدم- عليه السلام- قد سمع الموسيقى والألحان في الجنة وتأثر بها فعلق حبها بقلب ذريته، فأصبحت هذه الأنغام العذبة والألحان الجميلة تذكر الإنسان بالجنة وتثير عنده الحنين إلى العودة إلى أصله السماوي.

وقد انعكس حب جلال الدين للموسيقى في الديوان بخاصة، حيث استخدم خمسة وخمسين بحرا مختلفة من بحور الشعر، وهو تنوع في الموسيقى لم يتح لشاعر آخر سواه، “بل إن الأوزان المهملة التي كانت موجودة في شعر القدماء ثم أهملت.. استطاع الشاعر أن ينظم فيها جميعا حتى أصبحت تنافس الأوزان المألوفة في رقتها وعذوبتها. وقد جاء هذا التوسع في الأوزان عند الشاعر كنتيجة طبيعية لحبه للموسيقى وشغفه بها”.

14