نعيمة صالحي سياسية جزائرية تبحث عن النجومية ولو بتهديد ابنتها بالقتل

جمهور ورواد شبكات التواصل الاجتماعي يعتبرون أن الموقف الصادر عن صالحي النائبة البرلمانية عن محافظة بومرداس، المتعلق برفض التعليم والحديث باللغة الأمازيغية، انقلاب وخيانة للثقة التي وضعها سكان المحافظة في شخصها.
الثلاثاء 2018/02/20
من دهاليز الإخوان إلى بهلوانيات البرلمان

بإثارة الجدل في الساحة السياسية، لا بأفكار ومقاربات لافتة، وإنما باعتماد أسلوب “خالف تُعرف”، والسباحة عكس التيار، استطاعت أن تستقطب الأضواء. فمن أحضان تيار الإخوان، انحدرت، لتنفرد لنفسها بحزب سياسي. ومن قطب المعارضة دخلت بيت الطاعة السياسية، ومن الدعوة إلى تعدد الزوجات ورفض الأمازيغية، تصنع جميلة البرلمان نجوميتها.

 نعيمة صالحي البرلمانية وزعيمة حزب العدل والبيان تعدّ من الجيل النسوي الجديد، الذي يشق طريقه في المشهد السياسي الجزائري، بعد شلبية محجوبي التي خلفت زوجها على رأس حركة الشبيبة والديمقراطية، السائرة إلى الانقراض، ولويزة حنون التي تتزعم حزب العمال اليساري منذ أكثر من 20 سنة.

وإذ تُعرف حنون بماضيها النضالي والنقابي في مطار عنابة خلال حقبة الحزب الواحد، فإن صالحي التي تخرّجت من جامعة الأمير عبدالقادر الإسلامية بقسنطينة في منتصف التسعينات من القرن الماضي، تعتبر إحدى الفاعلات في حركة مجتمع السلم الإخوانية الحالية، قبل أن تنشق وتؤسس لنفسها حزب العدل والبيان في 2012.

خفايا خزائن الإسلاميين

لا تذكر سيرة هذه المرأة، الكثير عن الخلفية السياسية والفكرية للانشقاق عن أكبر الأحزاب الإخوانية في البلاد. إلا ما يروّج في دوائر ضيّقة حول مسائل شخصية وخلافات غير معلنة، كما هو شأن الأحزاب الإسلامية، المعروفة بتكتمها عن الغسيل الداخلي.

إلا أن تمرّس صالحي في خزائن الإخوان، وارتباطها بالبرلماني السابق محمد صالحي، كونا لديها خلفية وتكوينا سياسيا وطموحا لبلوغ مواقع متقدّمة في المجتمع، بعد اعتماد السلطة لحزبها في 2012، في إطار حزمة الإصلاحات السياسية المتصلة بالحريات السياسية والإعلامية والجمعياتية، التي أطلقها حينذاك الرئيس بوتفليقة، لمواجهة مدّ موجة الربيع العربي.

واللافت في مسار حسناء البرلمان، أن نجوميتها المتصاعدة، لم تفرزها مواقف ومقاربات سياسية خارقة لها أو لحزبها، وإنما لأسلوبها في المعارضة. فمن التحالف مع أشرس المنافسين للرئيس بوتفليقة في الاستحقاقات الرئاسية الماضية، رئيس الحكومة السابق وزعيم حزب طلائع الحريات علي بن فليس، إلى انتقاد قطب التغيير الذي كان يتزعمه خلال العام 2014. ومن الدعوة إلى تعدد الزوجات، إلى رفض تعليم بالأمازيغية أو الكلام بها، والتعنّت في وجه الغليان الذي أثارته لدى أنصار المكوّن البربري في الشخصية والهوية الجزائرية.

ورغم أن صالحي تنحدر من محافظة عنابة بأقصى شرق البلاد، إلا أنها حازت على مقعدها البرلماني الوحيد لحزب العدل والبيان في انتخابات مايو 2017، عن محافظة بومرداس، وهي المحافظة المحسوبة على منطقة القبائل، ووعاؤها الانتخابي من العنصر الأمازيغي في الغالب.

ويعتبر جمهور وروّاد شبكات التواصل الاجتماعي، أن الموقف الصادر عن النائبة البرلمانية عن محافظة بومرداس، المتعلّق برفض التعليم والحديث باللغة الأمازيغية، انقلاب وخيانة للثقة التي وضعها سكان المحافظة في شخصها لتكون نائبة عنهم في الغرفة الأولى للبرلمان.

إلا أنّ أنصارا لها، اعتبروا الحملة المضادة للمرأة، “تنطوي على كيل بمكيالين، لأنه لم يحدث أي ردّ فعل مشين، ضد الفنانين البربريين لونيس آيت منقلات وإيدير، لمّا صرحا بأنهما لن يغنيا باللغة العربية، رغم أن البلاد تعتمدها لغة وطنية ورسمية في البلاد، بموجب نص دستوري، وتعتبرها جزءا من الهوية الوطنية”.

صالحي زعيمة حزب العدل والبيان تعد من الجيل النسوي الجديد الذي يشق طريقه في المشهد السياسي الجزائري

مصدر جرأة رئيسة حزب العدل والبيان، في عدد من القضايا والمواقف يبقى مجهولاً، سواء كان من قبيل الممارسة الهاوية للفعل السياسي، أم من باب استقطاب الأضواء وصناعة النجومية، والاستفادة من الحصانة والمزايا التي يكفلها المنصب البرلماني لأصحابه.

أطلقت صالحي تصريحا صحافيا مثيرا في الآونة الأخيرة، عبّرت فيه عن رفضها للتعليم والحديث بالأمازيغية لها ولابنتها، ووصفتها بـ“اللغة الميتة وغير القابلة للتطوّر والانتشار، وبالصناعة المشبوهة في المخابر السياسية والاستخباراتية الفرنسية”، في إشارة إلى دور ما يعرف بـ“الأكاديمية البربرية بباريس”، وإلى الناشطين البربر المناوئين للبعد العربي والإسلامي للجزائر.

واعتبرت المتحدثة، بأن “اللغة الأمازيغية لا تملك مقوّمات الاستقطاب والانتشار، بسبب الافتقاد للرصيد التاريخي في النشر والتأليف وحتى للحرف الذي تكتب به، إلا ما تمّ بلورته في مخابر معادية، وإنها لا يمكن أن تكون ندّا للغة العربية، للأسباب والفوارق المعروفة من حيث الوعاء والرصيد والثراء”.

من المعارضة إلى بيت الطاعة

تصريحات صالحي تثير موجة من الانتقادات والتعاليق السياسية، حتى من أكبر الأحزاب السياسية في البلاد، كالتجمع الوطني الديمقراطي، وتذهب اليوم بعض الأوساط إلى الدعوة إلى تجريدها من الحصانة البرلمانية، بعد أن أعلن ناشطون أمازيغ عن رفع دعوى ضدها لدى القضاء، لإرغامها على الاعتذار.

زملاء لها في البرلمان وعدد من الأحزاب السياسية، طالبوا بتدخل السلطات العليا للبلاد، لحماية ما أسموه بـ”الهوية الوطنية من التجاوزات والتجريح”، واعتبروا تصريحاتها خرقا لدستور البلاد، على اعتبار أن بنوده تضمّنت نصا صريحا يقر بأن”الأمازيغية واحدة من العناصر المكونة للهوية الوطنية”، فضلا عن عدم احترام قرار رئيس الجمهورية الأخير، القاضي بإدراج احتفالية يناير في أجندة الأعياد الوطنية، وتفعيل الأكاديمية الأمازيغية لتعميم وترقية اللغة الأمازيغية.

وإذ حاولت النائبة البرلمانية، توضيح أبعاد وخلفيات تصريحها، بالقول “قصدي برفض تعليم والكلام بالأمازيغية، كان يعني اللغة الأمازيغية المفرنسة، والمبتكرة في مخابر الأكاديمية البربرية بباريس، وليس اللغة الأمازيغية الأصيلة”، إلا أن موجة الغضب والاستياء وحتى الازدراء، استعرت لدى الأنصار والمتعاطفين مع الأمازيغية، في المجتمع المدني ووسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي.

ورفضت رفضا قاطعا، دعوات الاعتذار التي طلبت منها، مقابل ما وُصف بـ”العفو عن زلتها السياسية”، وردّت على اتهامها بالعنف والترهيب، بأن “القصد من ذكري: سأقتل ابنتي إن تكلمت بالأمازيغية، هو التأديب والنهر، وليس كما يروّج له على أنني امرأة دموية”.

 جاء موقف صالحي ليشعل فتيلا خامدا ويوقظ أصواتا مكتومة، حول معالم صراع الهوية في البلاد، بعد المكاسب المثيرة التي حققها المكوّن الأمازيغي، فرغم اصطفاف الأغلبية خلف احترام الدستور، واستكمال الاعتراف بعناصر الهوية، إلا أنه في المقابل يعبّر عن مخاوف البعض على مستقبل العناصر الأخرى، وهو ما تجلّى في المتعاطفين مع المرأة.

تمرسها في العمل الإخواني، وارتباطها بالبرلماني السابق محمد صالحي، يغريانها ببلوغ مواقع متقدمة
تمرسها في العمل الإخواني، وارتباطها بالبرلماني السابق محمد صالحي، يغريانها ببلوغ مواقع متقدمة

عن الخيانة وتعدد الزوجات

ولا يعدّ هذا هو الظهور المثير الأول لصالحي، فقد سبق لها أن أثارت جدلا مماثلا، لما دعت بصراحة، إلى تسهيل وتشجيع تعدّد الزوجات، للقضاء على العنوسة والانحلال الأخلاقي، وذلك على هامش طرح ملف بنود من قانون الأسرة للمناقشة في مؤسسات رسمية للدولة.

قالت آنذاك، لما سؤلت إن كانت ترضى لنفسها بأن تعيش مع نساء أخريات في بيت زوجية واحد، بأن ما يهمها أن “تكون على علم بنزوات زوجها، وبدل خيانتها خارج البيت وبعيدا عن أعينها، يتم ذلك في إطار شرعي وديني، ومستعدة لخطبة التي يريدها إن كنت لا أرضيه”. معتبرة أن تعدد الزوجات هو “الحل الوحيد لعلاج مشكل العنوسة، الذي تتخبط فيه الملايين من الجزائريات، والمحصن الوحيد من انتشار الانحلال الأخلاقي، والممارسات غير المشروعة، التي فجّرت مظاهر اجتماعية خطيرة، كتفشي الزنا والطفولة مجهولة النسب، وجرائم الشرف، وغيرها”.

أثارت صالحي استياء كبيراً لدى العديد من الجمعيات النسوية والأحزاب العلمانية التي اتهمتها بـ“الظلامية”، و“خذلان حقوق المرأة الجزائرية”، في ذروة المكاسب التي حققتها منذ مجيء الرئيس بوتفليقة إلى السلطة العام 1999، إلا أن المرأة حققت بموقفها المعادي للسياق العام، نجومية مفاجئة تعززت بتعاطف تيار معتبر من الإسلاميين والمحافظين.

الهزل السياسي

ظهرت كسياسية، بداية من العام 2012، مع إطلاقها لحزب العدل والبيان، وكانت من ضمن القوى السياسية التي شكلت قطب التغيير المعارض لدعم ترشح رئيس الحكومة المعارض علي بن فليس، في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2014. ونشطت حينها حملة انتخابية بخطاب معارض للسلطة، وداعم لعلي بن فليس، إلا أنها لم تلبث طويلا، فبعد مرور الرئيس بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة، أعلنت الطلاق بينها وبين قطب التغيير المعارض، وبررت موقفها بـ“رغبة بن فليس في الهيمنة على قيم الوطنية وأفكار التغيير السياسي”، وأعلنت دخولها لبيت الموالاة السياسية، ومشاركتها في الاستحقاقات الانتخابية التشريعية والمحلية، إلا أنها لم تتوّج إلا بمقعدها الوحيد في البرلمان، عن محافظة بومرداس الساحلية.

يذكر عنها قولها إن “من لم ينقذ البلاد في ثلاث عهدات رئاسية لا يمكنه إنقاذها بعهدة رابعة”، في تلميح للوضع الصحي للرئيس بوتفليقة، لكن في المقابل صرّحت بعد ذلك، بأن “رسالة بوتفليقة للجزائريين بعد تعديل الدستور أبكتني، وأنني التقيته لساعتين ونصف الساعة واشتكى لي معاناته، من هموم ومشاغل الرئاسة”.

وكان جموح الشهرة والنجومية، قد جرّها في الأشهر الأخيرة، إلى “اتهام جهاز الموساد الإسرائيلي بترصّد تحركها”، فقامت بإحاطة الرأي العام بأن أيّ مكروه قد يلحقها يكون بتدبير الجهاز المذكور أو من خلال عملائه، بسبب مواقفها القومية المعادية لمصالح إسرائيل، ودفاعها المستميت عن المصالح الوطنية الاستراتيجية”.

تحوّلت صالحي، إلى ظاهرة سياسية، تجمع بين البهلوانية والجرأة الحادة، فحتى نقاشها مع الباحث والمؤرخ محمد أرزقي فراد، على إحدى شاشات التلفزيون الخاصة مؤخرا، أبان عن نرجسية لم يعتدها الرأي العام المحلي لدى النساء السياسيات في البلاد. وصنفتها ردود أفعال إعلامية وعلى شبكات التواصل الاجتماعي حينها، في خانة الهزل السياسي، الذي حوّل جلسات البرلمان، خلال العهدة المنقضية، إلى فضاءات للترويح والتهكم، بسبب مداخلات البعض من النواب، في انتقاد السياسات الحكومية والبعض من الوزراء بأسلوبهم المميّز.

أما المعارض السياسي سفيان جيلالي فيقول إن صالحي تفتقد لـ“التوازن النفسي والعقلي”، وإنها “لا تستحق كل هذا التهويل”، ولم يستبعد أن تكون تصريحاتها المثيرة، مدفوعة من طرف جهات فاعلة في السلطة، تريد جسّ نبض الجزائريين حول مسألة الهوية، وأن سعيها الجهنمي إلى إذكاء الفتنة بين الشعب الجزائري سيكون مآله الفشل. بينما دعا زعيم منتدى رؤساء المؤسسات “الأفسيو” علي حداد عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” إلى التفطن واليقظة، للتصدي لكل ما يُغَذّي الانقسام عن طريق إثارة الجدل العقيم. مؤكداً أنه لا يمكن لأيّ كان أن يزرع الشكّ في عروبة وأمازيغية وإسلام الشعب الجزائري. وقال إن صالحي لم تستوعب قرارات الرئيس بوتفليقة التي أقرّت دسترة الأمازيغية كلغة وطنية ورسمية، وترسيم يناير عيدا وطنيا.

13