أميمة السيسي.. تشكيلية معنية بالنساء تحكي قصصهن بالرسم

تسعى الفنانة التشكيلية المصرية أميمة السيسي إلي رسم مظاهر الحياة التقليدية عبر الحكاية، في كل لوحة تروي قصة؛ فلاحة مصرية منحنية على الأرض، أمّ تفضح عيونها مشاعر الخوف الغريزي على أبنائها، حتى الأبواب جعلت لكل منها روايات تحكي ملامح من يختفون وراءها.
الجمعة 2018/02/16
المرأة أولا وأخيرا

القاهرة - تتقمّص الفنانة التشكيلية المصرية أميمة السيسي التي ولدت بالقاهرة عام 1959، في لوحاتها روح القصّاص، لتنقل بالألوان حكايات تبدو في تتابعها كسير حياة أو ملاحقة لتأثير خيوط الزمن على وجه الإنسان والمكان في الوقت ذاته.
وفي معرضها الجديد “حكايات الغندورة” تبدو اللوحات المنفردة فصولا من رواية عن المرأة المصرية وكيفية تعايشها مع الواقع رغم صعوبته، بداية من الطفلة الساذجة التي تستمتع باللعب، والشابة الحالمة الباحثة عن الأمل في أشعة الشمس وألوان الزهور، فالمرأة العاملة في الحقول، ثم الأم الحنون التي تذوب حبا في أبنائها.
المرأة حاضرة فقط في 45 لوحة يضمها المعرض الذي اختتم مؤخرا في متحف المثّال المصري محمود مختار بوسط القاهرة، حيث يغلب عليها الجمع بين الجمال البشري المتجسد بوجوه الفتيات، وجمال البيئة بمياهها وحقولها الخضراء.
ويبدو تأثر الفنانة بالشاعر بيرم التونسي حاضرا، إذ لا تختار عنوانا تقليديا لمعارضها، بل أهازيج خفيفة بالعامية، فـ”حكايات الغندورة” جعلت شعارها “لا ليها (ليست لها) بداية ولا نهاية، في كل يوم لها حكاية، ومهما طالت حكاياتها أو قصرت، هاتفضل (ستظل) هي ست (سيدة) البنات.. الغندورة”.
الأمر ذاته تكرّر في معرضها السابق “أبواب بهية” عام 2016، وجعلت شعاره “وراء كل باب حكاية ورواية، وأبواب بهية ملهاش (ليس لها) عدد وكل ما تفتح باب تشوف (ترى) السحر والجمال والعجب”. والالتصاق الفكري بين المعرضين يظهر جليا، ففي كل منهما تظهر المرأة بصورة جماعية كسيدات يمسكن بأيدي بعضهنّ البعض، في مسعى للتأكيد على تكاتف العنصر النسوي في انتزاع حقوقهنّ ومواجهة المجتمع ذي الطبيعة الذكورية أو بطبيعة منفردة لفتيات ينتظرن المستقبل.

 

أميمة السيسي ترسم الروح، إنسانا كانت أو مكانا، المهم أنها تعكس التراث، كما تنقّب عن أصل الشخصية المصرية التي كانت تسودها ثقافة التعاون والجماعية بأهالي الريف والصعيد

وفي الكثير من أعمال أميمة المرأة هي البطل، حتى أن بعض اللوحات جعلت منها أيضا الواجهة والخلفية لتضم عددا كبيرا من الفتيات يظهرن كمظاهرة نسائية، وفي لوحات تنتظر الفتيات الصغيرات المستقبل، لتقف فتاة وراء الباب شبه المغلق تنتظر شيئا، ربما شريك حياة أو فرصة عمل أو المزيد من الحرية.
وتقول أميمة السيسي إنها تتناول من خلال لوحاتها الفنية مظاهر الحياة في المناطق الشعبية والريفية وصعيد مصر، مع تغليفها بنظرة من التفاؤل، وتريد أن توضّح أيضا كيف تستمدّ المرأة قوّتها وثباتها الداخلي، رغم ما تواجهه من صعاب حياتية يومية.
وأكدت لـ”العرب” أن وراء كل عمل من أعمالها حكاية، بعضها عايشته في الواقع وكانت طرفا فيه، والآخر استمدّته من تجارب الحياة والتأثّر بمشاعر الآخرين، ولوحاتها يمكن تصنيفها بأنها مزاوجة بين المدرستين الواقعية والانطباعية.
والمرأة المصرية عامل جذب في لوحات أميمة وتكاد تكون المحرك الرئيسي لها، ففي بعض لوحاتها لا تبرز تفاصيل الوجوه، فهي لا تريد أن تشغل المتلقي بعيون المرسومين وملامحهم كفن البورتريه، بل هدفها التركيز على المعنى المراد من وراء ما ترسمه.
وتميل الفنانة إلى التلخيص أو الإيجاز، حيث تحاول توصيل رسالتها بأسرع وأسهل درجة ممكنة بعيدا عن تعقيدات السريالية، ولا ترهق نفسها كثيرا بالتفاصيل والخلفيات في اللوحة التي تسقط الكثير منها عمدا.
وتلعب الفنانة على النوستالجيا (الحنين إلى الماضي) وتقدّم الأبواب القديمة بالحارة المصرية الشعبية والشرفات الخشبية التاريخية، وحتى الصورة الذهنية عن المرأة المصرية تضم في أحشائها نوعا من الحنين الشعبي للماضي بملابس الفلاحات المزركشة وجمال بيوت الريف الملاصقة لمجاري قنوات المياه.
وتقول أميمة لـ”العرب” إن دور التشكيلي عندها أقرب للباحث التراثي، إذ تتّبع تطوّرات الحارة المصرية القديمة من أبوابها، فحتى الأقفال الحديدية رصدت تغيّر ملامحها المستمر والتعديلات الشكلية التي طرأت عليها على مدار التاريخ.
ووفقا لأميمة السيسي فإنها ترسم الروح، إنسانا كانت أو مكانا، المهم أنها تعكس التراث، كما تنقّب عن أصل الشخصية المصرية التي كانت تسودها ثقافة التعاون والجماعية بأهالي الريف والصعيد، فالخبز يعدّونه معا ويعملون في الحقل معا وحتى أنهم لا يتحركون فرادى ولكن في جماعات.
وتعتمد الفنانة في بعض لوحاتها على المدرسة التأثيرية من فلسفة الضوء والظل، حيث تأثيراته تكسب اللوحة شيئا من الحياة وتساعد على تحديد المسافة بين الأشياء وإظهار هيئة وشكل الجسم، كما أنه يساعد على عدم الدخول في التفاصيل والتركيز على المعنى الكلي.

17