تحويل الكتب المدرسية إلى إلكترونية يصطدم برفض مجتمعي في مصر

تصطدم خطة وزارة التربية والتعليم المصرية بإلغاء الكتاب المدرسي وتعويضه بمناهج يتم وضعها على أجهزة إلكترونية (تابلت) وتوزيعها على الطلاب بجملة من التحديات ترتبط أساسا بغياب البنية التكنولوجية في أكثر المدارس الحكومية، فضلا عن ارتفاع التكلفة التي تحتاجها الخطة ليتم تنفيذها على أرض الواقع.
الثلاثاء 2017/12/26
لا مناص عن الكتاب الأصلي

القاهرة - يبني الكثير من الرافضين لفكرة استبدال الكتاب المدرسي بأجهزة إلكترونية في مصر آراءهم على الفشل الذي لحق بتجربة مشابهة تم تطبيقها منذ أربع سنوات في مدارس المحافظات الحدودية الست (شمال سيناء وجنوب سيناء والبحر الأحمر وأسوان ومرسى مطروح ودمياط)، وتم توزيع تابلت على طلاب الصف الأول الثانوي العام بهذه المحافظات كبديل للكتاب المدرسي في خطوة كانت تجريبية تمهيدا لتعميم الأمر على باقي المحافظات.

وتعطلت آنذاك البعض من الأجهزة بعد أسابيع قليلة من بداية الدراسة، وتعرضت أخرى للتحطيم، فضلا عن شكاوى عديدة من صعوبة تشغيلها والتعلم من خلالها، إضافة إلى انعدام البنية التكنولوجية بمدارس هذه المحافظات، ما أضعف الاعتماد على المناهج الإلكترونية واضطرت معه وزارة التربية والتعليم إلى طباعة كتب مدرسية لذات الطلاب الذين حصلوا على تابلت.

وتصر الحكومة المصرية الحالية على إلغاء الكتب المدرسية خلال عامين على الأكثر بحيث يكون البديل هو أجهزة إلكترونية توضع عليها المناهج الدراسية، لعدة أسباب، أولها إمكانية تحديث المناهج في أي وقت وإلغاء أخرى دون الحاجة إلى إجراء تعديلات على المنهج الدراسي وطباعة كتب تكلف الملايين من الجنيهات، حتى لو كان الأمر يتعلق بتغيير درس واحد في الكتاب.

أما السبب الثاني فيتمثل في كون أن المناهج الإلكترونية سوف تعوّد الطلاب على البحث وليس التلقين والحفظ، فضلا عن توفير 3 مليارات جنيه سنويا تكلفة طباعة الكتب المدرسية، ويمكن توجيه هذا المبلغ لشراء أجهزة إلكترونية للطلاب يتم تسليمها لوزارة التربية والتعليم بنهاية كل صف دراسي وتوزيعها على الملتحقين الجدد بهذا الصف. وتعاني المنظومة التعليمية في مصر من تدني المخصصات المالية لتطوير التعليم بشكل عام، ولا تزيد ميزانية الوزارة على 80 مليار جنيه، منها 68 مليارا مخصصة لأجور الموظفين، أما الجزء الباقي فيفترض أنه مخصص للإنفاق على تطوير التعليم وبناء مدارس جديدة وإصلاح الموجودة فعليا وطباعة الكتب وغيرها.

17 بالمئة فقط من المدارس الحكومية المصرية متصلة بشبكة الإنترنت

وتواجه خطة “ميكنة” المناهج الدراسية انتقادات لاذعة من جانب طلاب وأولياء أمور ومختصين في الشؤون التربوية، ولم تقنعهم مبررات وزارة التعليم بأن الاستغناء عن الكتب المدرسية وتحويلها إلى إلكترونية تواكب تطورات العصر، وتفيد الطالب تربويا وتجعل منه شخصية بحثية من خلال التعلّم الرقمي المبني على البحث والابتكار، بعيدا عن نمطية التعلّم بالحفظ والتلقين.

وتقول زينب سعد، والدة أحد الطلاب، “أرفض هذه الفكرة تماما فأنا والكثير مثلي لا نعرف أي شيء عن الكمبيوتر فكيف يمكننا المذاكرة لأولادنا بهذه الطريقة؟ وما الفائدة من إلغاء كتاب المدرسة سوى رغبة الحكومة في توفير نفقات الكتب المدرسية فقط لا غير؟”.

واضطرت الوزارة إلى اتخاذ خطوة استثنائية قبل تعميم التجربة لطمأنة الناس، وقررت أن تكون 50 بالمئة من مناهج العلوم والرياضيات للمرحلة الثانوية خلال العام الدراسي المقبل (يبدأ في سبتمبر) إلكترونية، ويتم استبدال وحدات دراسية بروابط إلكترونية توضع في الكتب يستطيع الطالب الدخول إليها والاطلاع على المنهج.

وقال طارق شوقي وزير التربية والتعليم لـ“العرب” إن الاستغناء عن الكتب المدرسية وتحويل المقررات إلى مناهج تفاعلية لا مفر منهما، لأنهما يستهدفان تعليم الطلاب عبر الإنترنت كإحدى وسائل العصر ليكونوا قادرين على التعامل مع التطور التكنولوجي، كما أنه ليس منطقيا تخصيص 3 مليارات جنيه سنويا للطباعة، وبالتالي فهناك هدف لتخفيف الضغط على موازنة الدولة.

وأشار إلى أن “الطالب لن يتحمل فاتورة البنية التكنولوجية أو شراء أجهزة تابلت، كل ما عليه هو أن يعيدها إلى الوزارة بعد انتهاء الدراسة، ويوقع ولي الأمر على ذلك وإلا تعرض للمساءلة”.

ويقول مسؤولون عن تطوير التعليم في مصر، إن النظام الجديد للتعليم المقرر تطبيقه خلال العام الدراسي المقبل، سوف يكون قائما على البحث والابتكار ويلغي الحفظ والتلقين، ولا يمكن أن يتم تطبيق ذلك مع استمرار الكتاب المدرسي الذي يرسخ لاستمرار الحفظ والتلقين والمناهج القديمة، وإن الرؤية الجديدة للتطوير في حاجة إلى أن يكون النظام التعليمي قائما على التعامل بشكل إلكتروني بحت.

وأنشأت الحكومة المصرية أكبر موسوعة معرفية معلوماتية رقمية في الشرق الأوسط (بنك المعرفة المصري) قبل عامين وتأمل في أن يتم الاعتماد عليها كأداة رئيسية للتعلم، وتكون المرجعية الأساسية لجميع الطلاب، بشأن البحث عن المعلومات أو الاطلاع على كل ما هو جديد في المناهج والمراجع البحثية.

وزارة التربية والتعليم تسعى إلى استثمار الرفض الأسري لكثرة أعداد الكتب المدرسية التي يحملها الطلاب ذهابا وإيابا للمدرسة يوميا، ويزيد عدد بعضها عن 500 صفحة

وتوجد في مصر حوالي 52 ألف مدرسة حكومية، منها 17 بالمئة فقط متصلة بالإنترنت والـ83 بالمئة الأخرى ليست لها بنية تكنولوجية، ما يعزز مخاوف الخبراء وأولياء الأمور من صعوبة تطبيق خطة التحوّل إلى تفعيل المناهج الإلكترونية.

وأظهرت التدريبات التي أجرتها وزارة التربية والتعليم للمعلمين مؤخرا، أن نحو 50 بالمئة من المعلمين (600 ألف) لا يجيدون استخدام الأجهزة الإلكترونية من الأساس، وهي نسبة ليست بالقليلة، وأصبح هؤلاء مطالبون خلال عامين على الأكثر بأن يجيدوا التعامل مع أجهزة تابلت وشرح الدروس من خلالها، بل وضع الامتحانات وتصحيحها أيضا، لأن من بين مراحل الخطة أن تكون الاختبارات وعمليات التصحيح إلكترونية منعا لشبهات التلاعب.

وتقول وزارة التربية والتعليم إنها بصدد إطلاق دورات تدريبية مكثفة لجميع المعلمين في طريقة التعلم الإلكتروني، لكن معضلة كبيرة تقف في وجهها، تتمثل في أن نسبة ليست قليلة منهم (المعلمين) أعلنت رفضها إلغاء الكتاب المدرسي، ولفتت نقابة المعلمين إلى أن عدم إشراكها في الخطة سوف ينتهي بها إلى الفشل. وتسعى الوزارة إلى استثمار الرفض الأسري لكثرة أعداد الكتب المدرسية التي يحملها الطلاب ذهابا وإيابا للمدرسة يوميا، ويزيد عدد بعضها عن 500 صفحة، للترويج لفكرة استبدال الكتب الورقية بأجهزة إلكترونية، لمواجهة الرفض المجتمعي الواسع لهذا التوجه.

وقال طارق نورالدين الخبير التربوي لـ“العرب” إن التخوف المجتمعي له مبرراته، لأن هناك نحو 40 بالمئة من المصريين يعيشون تحت خط الفقر، وبعض القرى تنعدم فيها الخدمات وفي مقدمتها الكهرباء والإنترنت، بالتالي فالنظام الجديد سوف يصب في صالح طبقة اجتماعية بعينها ولا يخدم الفقراء، كما أن تدريب المعلمين على التعلم الإلكتروني ليس سهلا إذ يتجاوز عددهم مليونا و200 ألف معلم، منهم من يصعب تدريبه.

17