الجنس في النص الأدبي

السبت 2017/11/25

تبقى موضوعة الجنس في النص الأدبي الأكثر جدلا من أي موضوعة أخرى. فإذا كان التابوان الآخران الدين والسياسة هناك من يبرر أن يكونا تحت سلطة الخوف من الاقتراب منهما، فإن الاقتراب من الجنس يكاد يكون أقل خوفا من الاثنين، إلا إذا تدخل التابو الديني وجعله خارج قوانين الأخلاق أو متجاوزا لحدود التربية الإسلامية، ليضاف لها العرف الاجتماعي أو العشائري الذي تداخل مع الدين وصار الصراع بينهما هو صراع الوجود والبقاء.

ولكن هل الجنس يستحق أن يكون “تابو” فيما لو تمت إضافته إلى النص الأدبي، بعيدا عن توصيفه الاجتماعي أو الدعوة العلنية في المجتمع كونه أحد أهم عوامل نجاح النص الأدبي وخاصة الروائي منها إذا ما كانت الثيمة تنال جانبا اجتماعيا؟

إن توظيف الجنس في النص الأدبي لا يأتي في مرتبة الزيادة في المتن الروائي أو السردي عموما، وإلا لتحول إلى إقحام غير مفيد في جسد الرواية، وبالتالي يتحول إلى ورم يدمر كل جمال العملية الإبداعية، وإن استئصاله يتحول إلى عملية قتل، ولذا فإن مهمة إضافة الجنس تأتي لتوظيفه دراميا من أجل خلق بؤر صراع وعلاقات اجتماعية، علاوة على إضفاء جمالية إمتاعية مضافة إلى حيثيات الصراع الذي تحتاجه العملية الإبداعية داخل النص، فضلا عن التشويق الذي يحتاجه النص لجذب المتلقي إليه. والحديث هنا عن نص أدبي يمتاز بالإبداع والإشادة وأنه وظف الجنس كجزء من حل أو رسالة أو تثبيت حالة.

إن ما يقال عن الغرب من إنهم لا يكترثون إلى الجنس تدحضه الوقائع ويفنده الواقع، لأننا نرى أنهم يستخدمون الجنس كأحد الجواذب المهمة في الترويج. وإذا ما أخذنا السينما كنوع من السرد الصوري، فإن لا فيلم يخلو من مشاهد جنسية رغم أنهم لا يعانون من الكبت بمعنى أن توظيف الجنس لديهم يدخل حتى من باب التجارة، وليس كما يشاع أنه أصبح غير مرهون بواقعهم، كون الجنس لا يدخل ضمن التابوهات بالنسبة إليهم، بل هو يستغل كل التوصيفات المهمة التي تروج للنص سواء كان من أجل المتعة، أو من أجل بث رسالة أو استغلال لعطش المتلقي أو مادة استهلاكية كأي مادة تجارية ممكن تسويقها.

إن الجنس واحدٌ من طرق التوصيل وطرق التوظيف الإعلامي والإعلاني في النص، على ألا يكون إقحاما، وليس شرطا أن يكون عقدة نفسية، لأننا عربٌ مثلا أو شرقيون، ولكن الوقوع في الابتذال هو الذي دمر هذه الخاصية الجاذبية. وسبب الابتذال الذي يقوم به عدد غير قليل من المنتجين سببه ضعف في مستواهم الإبداعي، أو أنهم يغلفون الفشل بمشاهد جنسية أو متن جنسي، حتى إن البعض يسمي ذلك جرأة، خاصة إذا كان المنتج امرأة لأنها تواجه هذا التابو من أجل ألا يكون عقدة اجتماعية وهو ما خلق الحجة والعذر لأصحاب السلطة من التعكز على كون الجنس في النص الأدبي مخرب اجتماعي، فتحولت الرسالة إلى فشل بدلا من أن تكون هادفة وناجحة، لأن الطغيان في الوصف غير المبرر وعده اشتراطا جاذبا سيكون ساذجا داخل المتن السردي، أو حتى إنه جزءٌ من الفكرة أو الثيمة غلبت عليها الإثارة الخالية من الخيال، وصار الإيغال به تحفيزا على الوصف أكثر منه معالجة درامية، وهو ما أفقد العنصر الدرامي مهمته المعنوية التشويقية وتحوله إلى مهمة تشويقية ابتذالية.

لذا فإننا بحاجة إلى التفريق بين الحالين والحالتين في موضوعة الجنس داخل النص لكي يتمكن المتلقي من استلهام القصديات والفكرة التحليلية والاستنتاج الفلسفي من أهمية حضور الجنس في النص، لأن مجرد حضوره على أنه جزءٌ من الجرأة والمواجهة لكي يكسب التأييد سيؤدي إلى سقوط سريع للنص أكثر سرعة من النص الذي يخلو من الجنس.

كاتب عراقي

14