مهرجان قوس قزح وجه آخر يوحد السوريين

الخميس 2017/08/31
معا يوحدنا الفن

تعيش في منطقة الهلال الخصيب ومحيطها، وهي أجزاء واسعة من العراق وسوريا، مجموعات بشرية متنوعة الأعراق، بعضها وجوده موغل بالمنطقة، متجذر فيها تاريخيا لآلاف السنين، مثل الآشوريين، والكلدانيين، والسريان، والصابئة، والأيزيدية والكرد. والبعض الآخر جاء حديثا نتيجة الصراعات السياسية العالمية في العصر الحديث، وصار جزءا من النسيج الاجتماعي في المنطقة كالأرمن، والشركس، والتركمان، وغيرهم.

ضمن هذا التنوع الشديد في الديموغرافيا البشرية، والاختلاف العرقي والديني، عاشت المنطقة منذ الآلاف من السنين في تكامل إنساني متناغم، وصل بالسكان جميعا إلى بناء مجتمع حديث أفاد من طاقات الجميع دون تمييز.

وفي العصر الحالي، حيث كثرت الصراعات الفكرية والسياسية، واحتدمت صراعات الهوية القومية أو الدينية عند البعض، كانت هذه الديموغرافيا المتنوعة والغنية مادة خصبة لدى بعض المبدعين، لكي ينهلوا منها العديد من الأفكار، التي تؤكد وحدة الوطن السوري، الذي تعايشت فيه مختلف الأعراق معا لفترات طويلة ضمن هذه المنظومة المعقدة مجتمعيا.

من هنا تولدت الفكرة عند الصحافي والباحث الموسيقي والفني الكردي السوري إدريس مراد، مع مجموعة من المعنيين لكي يؤسسوا لمهرجان قوس قزح، الذي ولد عام 2015 وأقيم في أوبرا دمشق في ظهوره الأول. حيث عني المهرجان بتقديم الفنون الشعبية من رقص وموسيقى وغناء، لكل التنويعات في الطيف السوري، واستمر المهرجان في دوراته المتتالية حتى وصل في العام الحالي إلى الدورة الثالثة، التي انتهت فعالياتها في 13 أغسطس الجاري، وقد قدمت فيها مجموعة من العروض للعديد من الفرق. وهي فرقة التراث السوري للموسيقى، وفرقة أجيال للمسرح الراقص، وفرقة ميغري للتراث الأرمني، وفرقة آشتي للتراث الكردي، وفرقة بيباريس للتراث الشركسي.

وقد لاقى المهرجان متابعة كبيرة من الجمهور، حيث غص المسرح بأعداد غفيرة من المهتمين، وكذلك بالباحثين في الشأن الثقافي والفني، كونه يقدم فرصة هامة للتعرف على فنون الآخرين الشعبية.

إدريس مراد المنسق العام للمهرجان، بين في كتيب المهرجان أن “مهرجان قوس قزح سوريا، يلقي الضوء على التراث الموسيقي والغنائي والشعبي السوري، وما أنتجه أحفاد الحضارات السابقة، ويظهرها بشكل يليق بها، ومن جانب آخر هو يلبي الحاجة إلى لقاء بين أبناء سوريا العزيزة بكل ألوانهم ونحن نعيش هذه الظروف الصعبة”.

ويهتم المهرجان خاصة بالثقافة الكردية، التي نالت النصيب الأكبر من عروض المهرجان لما تمثله من ثقل حضاري وثقافي هام في المنطقة، يقول مراد “في البعد التاريخي العميق، تشكل الثقافة الكردية جزءا من ثقافة المنطقة، وهي تتجلى في العديد من الأنماط، منها الغناء والموسيقى والرقص، ومن هنا فإن فرقة آشتي للتراث الكردي تقدم العديد من أنواع الرقص، منه الملحمي وأنواع من الدبكة، وأغاني النوروز التي تتجسد فيها لوحات مختلفة منها أغاني الفلاحين والحصاد”.

وعن ضرورة وجود مثل هذا المهرجان في ظل الظروف الحالية التي يحياها الوطن السوري والرسائل التي يمكن أن يتضمنها يقول إدريس مراد “أعتقد أن التراث المتنوع الموجود في بلادنا، وهو تراث غني وجميل، يمكن أن نعتمد عليه كمبدعين وفاعلين في الشأن الثقافي، ونعزز من خلاله اللحمة الوطنية السورية، وهذه تماما هي رسالة المهرجان الأهم، حيث يعزز المهرجان الروح الواحدة بين أبناء المجتمع السوري، فيشارك أبناء هذا الطيف في حفل واحد مع غيرهم على منصة مسرحية واحدة، وهذا ما سوف يعزز لديهم قيم الوطنية في أهم حالاتها.

كما أن المهرجان فرصة هامة لكي تظهر فرق غابت قسريا عن المشاركة وتكون موجودة في هذه المساحة الفنية الوطنية، لكي نعيد الاعتبار والشهرة لكل هذه الفنون الجميلة”.

ويضيف مراد “الفن السوري متعدد بهذه التنويعات التي فيه، والغاية العليا للمهرجان، هي جمع كل السوريين في حالة فنية واحدة، تمثل الوجه الحقيقي المتآخي للسوريين”.

15