بغداد تفقد برحيل ناظم السعود إحدى ظواهرها الصحافية

الجمعة 2017/08/25
سيد المقال الأدبي

غاب من المشهد الثقافي والصحافي العراقي، الثلاثاء، الناقد الأدبي والصحافي ناظم السعود، الذي كان ظاهرة بغدادية باستعارته “من كولن ولسن قبعته الإنكليزية الشهيرة، ومن توفيق الحكيم عصاه، ومن السياب حزنه، وعذاباته المريرة، واستطالة البلاء، وعطاء الرزايا، واستبداد الألم”، كما وصفه الكاتب والأكاديمي والصحافي العراقي طه جزاع.

عمل في الصحافة الثقافية والأدبية منذ العام 1978 وفي عدد كبير من الصحف والمجلات في العراق مثل جريدة الثورة ومجلة الرافدين وكتب لعدد من الصحف العربية مثل القدس العربي، الاتحاد، الصدى الإماراتية، جريدة الدستور الأردنية، والآداب البيروتية، وله مساهمات في كتابة السيناريو الإذاعي والتلفزيوني.

احتفت بالسعود مختلف الأوساط الثقافية الرسمية، وأطلقت عليه مجموعة من الألقاب منها: رائد الصحافة الثقافية، والمحرر الثقافي الأول، والكاتب المشاكس، وآخر لقب منح له هو شيخ الصحافة العراقية. ويقول طه جزاع لـ”العرب”، “إن روح السعود في الكتابة كانت روحاً ناقدة ساخرة صريحة، تذكرنا بمنهج سقراط في التهكم والسخرية من خصومه الذين يدعون العلم والمعرفة، وهم في جهلهم غارقون”.

‎وتابع “لولا لوم اللائمين، وعيون وألسنة المتطفلين، ونزعة الكبرياء في نفسه المتواضعة، للبس ناظم الصوف دليلاً على زهده، ومشى حافياً مثل الدراويش، والعشاق المجانين، طوافاً بين مقهى الشابندر ومقهى حسن عجمي، يحاجج المثقفين، ويجادل الأدباء، ويحاور العقلاء، ويلاطف المجانين، ويوزع السخرية والدعابات الثقيلة والأحزان بين المارة بالعدل والقسطاس”.

ويقول جزاع عن الفقر الذي لازم السعود طوال حياته “الفقر عند ناظم السعود موقف، ورأي، وطريقة، ومنهج، وفلسفة. وقلمه قلم مبدع لا يشبه قلما آخر، هو سيد المقال الأدبي في الصحافة العراقية، لغته سليمة راقية، عباراته رشيقة جميلة ممتعة، استدراكاته -وهي سمة من سمات مقالاته- قوية مؤثرة، التقاطاته ذكية عميقة معبرة، وأفكاره -لو طبقت- لانتعشت الحياة الأدبية والثقافية بلا وزارة للثقافة، ولا مؤسسات، ولا كتب واردة وكتب صادرة، ولا محسوبيات ولا منسوبيات ولا إخوانيات، ولا تهميشات ولا تعليمات ولا توجيهات ولا صرفيات ولا نثريات”.

‎ويختم جزاع “لم يكن ناظم السعود يخشى على قلبه المتعب قدر خشيته على وطنه من الاحتراق، لقد بقي حتى آخر لحظة من حياته وآخر خيبة من خيباته متمسكاً بحلمه الجميل.. سقف عظيم يحمينا من غدر الطبيعة ولؤم الإنسان ونائبات الزمان، ووطن واحد ينجينا من الغرق، والتشتت والضياع”.

اعتبر السعود من أنشط النقاد الذين كانت لهم سجالات عديدة في الوسط الثقافي قبل تعرضه لجلطتين، دماغية وقلبية، أواسط التسعينات كادتا أن تقضيا عليه، وذلك ما جعل نشاطه يقل ويجعل “العكاز” رفيقه الدائم في حله وترحاله، لكنه عاود مرة أخرى وشغل الوسط بكتاباته اللاذعة.

كان السعود يرى أننا “في ثورة رقمية، ونعيش الثقافة الرقمية حاليا، الثقافة اللاورقية، ولا يزال النتاج العراقي يعتمد على الورق وأنا أحبط لهذا، فالعالم وصل إلى أن يشيد حكومات رقمية ومؤسسات رقمية ونحن نتمسك بثقافة ستزول حتما”.

18