مياه الأعشاب.. صناعة عمرها يفوق القرن ونصف القرن في البحرين

المنامة- يستهلك مواطنو دول الخليج العربي مياه الأعشاب بكثرة رغم عدم وجود دراسات صحية متخصصة تبين فوائدها، إلا أن المعروف عنها شعبيا أنها مفيدة للقلب ومريحة للمعدة بالإضافة إلى كونها تضفي نكهة مميزة عند إضافتها إلى مياه الشرب أو الشاي أو العصائر والمأكولات.
الأشهر بين هذه المياه مياه الورد واللقاح والنعناع، إلى جانب مياه الزموتة والزيتون والمرقدوش والسكري وغيرها مما يبلغ عددها 25 نوعا. وقد يبدو اسم المرقدوش غريبا على بعض الناس إلا أنه نبات عشبي معمّر ينمو في المناطق الباردة وفي سواحل البحر الأبيض المتوسط وشبه الجزيرة العربية وجاوة والهند والصين، ويزرع في أوروبا وأميركا وهو من عائلة نباتية معروفة بتأثيرها الدوائي الناجح.
ويستعمل النبات بجميع أجزائه، ويحتوي على زيت طيار وأهم مركب فيه هو الثيمول والكافاكرول وأدوريجانين ومواد عفصية وحمض الروزمارينيك ومواد راتنجية وفلافونيدات وبه مادة كافورية.
ورغم أن هذه المياه معروفة في الطب القديم، وأن هناك من يرجع صناعتها في البحرين إلى أكثر من 500 عام، إذ توارثها الآباء عن الأجداد، إلا أن من بدأ بصناعتها في البحرين بطرق مبتكرة هو طبيب الأعشاب علي محمد الكامل سنة 1850، أي قبل 168 سنة، ويبدو أن الكامل كان مطلعا على الكتب الطبية القديمة ومتابعا لما يستجد في مهنته كطبيب أعشاب، إذ طوّر خلطات الأعشاب والتي حققت نجاحا مبهرا لعلاج بعض الأمراض فأقبل الناس عليها وسريعاً ما ذاع صيتها في بعض دول الخليج. ولم يزد عدد منتجاته على السبعة أنواع من الأدوية العشبية هي، ماء اللقاح والمرقدوش والزموتة والحندبان والكوزبون والورد، وعندما توفي علي محمد الكامل ورث أبناؤه عنه هذه الصنعة وتابعهم الأحفاد، وفي العام 1930 طور علوي الكامل المصنع وأخذ يصدّر منتجاته إلى جميع دول الخليج وبعض دول العالم، ويعمل المصنع اليوم ضمن معايير الصناعة الحديثة.
يذكر فيصل الكامل لـ”العرب”، أن هدف أسرته منذ أكثر من قرن ونصف القرن كان تقديم أفضل منتجات الأدوية العشبية ذات الجودة والمواصفات الصحية العالمية معتمدين على ما لديهم من خبرات علمية وعملية موروثة وفريق عمل محترف، مؤكدا أنهم يحرصون على تحقيق أفضل النتائج على أعلى مستوى من الدقة بجهود أعضاء الفريق المختص.
علي وأولاده كانوا يقومون بعمل تقطير المياه من الأعشاب كخدمة اجتماعية من أجل توفير الأدوية للأهالي وعمل مُحلّيات للماء الطبيعي لأهالي المنطقة وليس للتجارة، ولما كثر الطلب وسّعوا مصنعهم لينتقل إلى العمل الخدماتي والتجاري على يد علوي الكامل، وهو حفيد علي، حيث طوّر هذه الصناعة، بإضافة بعض المنتجات لعلاج بعض الأمراض مثل ماء السكري واليانسون والحلوة والشاترلة والنعناع والزهر والبدمشق، ثم جاء أبناؤه مرتضى وباقر وحميد ليضيفوا منتجات جديدة مثل ماء الحيج والزيتون والكرفس وخلطة الأعشاب.
واستحدث الجيل الجديد من الأبناء الذين يعملون الآن في المصنع خلطات عشبية جديدة ورفعوا كميات الإنتاج أكثر فأكثر، بالاعتماد على الآلات الحديثة بدل الفخارية القديمة، حيث بدأ التطور الحقيقي للمصنع في المنتج وفي عملية الإنتاج واستحداث الخلطات الجديدة، مثل التركيبة الإيرانية والطبيخة والزعتر والميرمية، وآخرها منظم الهرمونات وعمل تركيزات مختلفة متدرجة لبعض المنتجات وبأحجام مختلفة، وقاموا أيضاً بتطوير وسائل التقطير والتعبئة والتعقيم لتتماشى ومتطلبات الصحة وإشهار المنتج أكثر وأكثر على المستوى المحلي والخارجي.
ويعرب فيصل عن تنبئه بأن هذه الصناعة ستلاقي في المستقبل إقبالاً أكبر، مستشفاً ذلك من أن الناس بدأت تثق بالأدوية العشبية أكثر لما تلمسه من فائدة عند استعمالها. يقول، “إن وفودا أجنبية كثيرة زارت المصنع وقالوا إن استمرار هذا المصنع بهذه الصناعة لهذه المدة الطويلة جداً دليل على أنه يسير في الخط الصحيح وإلا لما استمر وواصل الناس اقتناء ما ينتج”.
واحتكر أبناء الكامل وأحفاده هذه الصنعة الشعبية لأكثر من قرن ونصف القرن، إلا أن في البحرين، اليوم، أكثر من مصنع منها المرخص رسمياً ومنها ما لا يملك ترخيصاً.
يقول أحمد شهاب، وهو نجل صاحب مصنع حديث للأعشاب، “إن عدد مصانع الأعشاب المرخصة، الآن، في البحرين يبلغ ستة مصانع، مبيناً أن هناك مصانع غير مرخصة وآخرين يصنعون مياه الأعشاب في بيوتهم”. وينتج المصنع، الذي يملكه والد أحمد، مياه الأعشاب المختلفة وأنواع البهارات وهو المصنع الوحيد في البحرين المرخص بتصنيع الأدوية البديلة من الأعشاب.
ولما كانت البحرين بلد المليون نخلة فإن ماء اللقاح كان في مقدمة ما اهتمت بصنعه مصانع مياه الأعشاب، وهذا الماء يصنع، كما يشرح محمد فتحي رمضان المدير العام لأحد المصانع، بوضع طلع النخيل (القروف)، الذي يحتوي بداخله حبوب اللقاح، سواء كان ذكرا أم أنثى، في قدور وتغلى بالماء ويتم بطريقة خاصة استخلاص بخار الماء الناتج من هذه العملية، ويعطي هذا البخار بعد تكثيفه وتقطيره منتج ماء اللقاح بعد تشبعه باللقاح، مشيراً إلى أن جودة هذا الماء وتركز اللقاح فيه يكون، بنحو أكبر، في بداية العملية وتقل نسبة التركيز في المراحل الأخيرة من الغلي وبهذا تتفاوت جودة المنتج.
ويكون تركيز اللقاح في الأنواع الممتازة من الماء المنتج في المرحلة الأولى من عملية الغلي، كبيراً فيكون سعره عاليا. ويؤخذ طلع النخيل، في العادة، خلال شهري فبراير ومارس من كل عام إذ يشتريها أصحاب المصانع من الباعة في السوق أو من بساتين النخيل مباشرة لكي يتم إنتاج ماء اللقاح منها، وتمتد صلاحية هذا الماء إلى سنتين من تاريخ تعبئة القنينة، حسب الفحوص المخبرية، التي تجريها السلطات الصحية.
لكن ماء اللقاح لم يعد هو المنتج المفضل الوحيد، فقد عمد أصحاب مصانع الأعشاب إلى إنتاج أنواع أخرى من المياه، التي حظيت بطلب متزايد لفوائدها كمياه الزيتون والزموتة والمرقدوش والدارسين والزهر والهيل والورد والنعناع وغيرها.
والطريف أن مياه الأعشاب بدأت تصدّر إلى دول أميركا وأوروبا بعد أن شاع صيتها عن طريق السياح الذين يزورون البحرين ويأخذون معهم قناني من هذه المياه كمنتج من صناعة تراثية خليجية.