غياب الإنسانية بأبريل

الثلاثاء 2017/04/04

"حكايات كانتربري"، مجموعة قصصية وشعرية جمع فيها مؤلفها الشاعر الإنكليزي جيفري تشوسر الذي عاش في القرن الرابع عشر الميلادي، بين تاريخ الأول من أبريل والأكاذيب، لذلك يرجح أن تكون أصل انتشار ظاهرة ما يسمى بكذبة أبريل التي توافق الأول من أبريل، وهناك من ينسب انطلاقتها إلى فرنسا.

ثم إن تحديد تاريخ واضح لهذه الظاهرة لن يقدم أي إضافة، فالعالم إلى اليوم حريص على عدم تفويت هذه المناسبة، ولكن أظن أن الأساليب المتبعة هي التي باتت لافتة للانتباه وتستدعي مراجعة سريعة.

بعد أن كان أول أيام شهر أبريل يوما للحماقات واللعب وإطلاق النكات والأكاذيب سواء بين عامة الناس أو ضمن الأخبار والتقارير الإعلامية الملفقة في المجلات والصحف بهدف الإضحاك والمرح، أصبح مجالا مفتوحا على مختلف منصات مواقع التواصل الاجتماعي لحياكة دعابة من النوع الثقيل جدا، حيث انتشار نعي البعض على صفحاتهم بالشبكة الاجتماعية فيسبوك مخلفا صدمة نفسية لذويهم وأصدقائهم.

ولم يقف الأمر عند حد إطار العائلة فقد تداولته بعض المواقع الإخبارية ليأخذ رواجا أكبر من خلال قصص تكررت في تشابه ملفت، إحداها تقول إن أما لطفلين أشاعت خبر وفاتها بمساعدة ابن شقيقتها تاركة اللوعة والأسى في قلوب عائلتها ومعارفها لتصرح بعد ذلك بأنها كذبة أبريل.

ونفس السيناريو تكرر مع فتاتين من محافظتين مختلفتين ولكن هذه المرة لم تشتركا مع من أذاع الخبر في كتابة القصة ولم تحضرا تقسيم الأدوار فقط عاشتا رعبا من هول التفكير في حالة عائلتيهما، لا سيما وأن إحدى الفتاتين تقيم بعيدة عن عائلتها لمواصلة دراستها.

مثل هذه التصرفات الطفولية كان من الممكن أن تقلب الأحداث رأسا على عقب وأن تتحول فعلا إلى مآتم فهي لم تراع المشاعر الإنسانية للأهل.

وقد ذكرتني بقصة واقعية بطلاها أم وابن خيل إليه أنه يداعب والدته فكانت النتيجة صادمة، حيث بدا له أن يختبر مدى تعلق أمه به متخذا من قطعة بطيخ أحمر وشاش وسكين أدوات، وقد أحكم ربط قطعة البطيخ بالشاش على مستوى بطنه غارسا السكين بالقطعة ثم طرق الباب لتسارع الأم في فتحه، لكنها لم تتحمل المشهد ووقعت جثة هامدة. كان من المفروض أن تكون مثل هذه الواقعة عبرة، وصرف النظر عن الموت قد تتسبب في إصابة البعض بأمراض مزمنة مثل مرض السكري من هول الصدمة، كان لابد من التفكير مليا قبل الإقدام على أي تصرف أرعن.

العالم بأسره يتفاعل مع كذبة أبريل ولكن بقدر ما تحمله من جدية بقدر ما تبطن طرفة ترسم البسمة على الوجوه، وفي النهاية تظل بعض المجتمعات العربية في حاجة ماسة إلى وضع بعض العقول المريضة تحت المجهر لتتمكن من إيجاد العلاج المناسب، حتى أن مغردا كتب على موقع التواصل الاجتماعي تويتر “على أساس مقطعكم الصدق طول السنة”.

وعلى الرغم مما تحمله التغريدة من ثلب، إلا أنها تشير إلى آفة للأسف مصاب بها العديد من الناس وهي الكذب الذي يعد محرما في أغلب الأديان، كما أنه من السلوكيات المنبوذة التي تحاول الأسرة جاهدة تعليم أبنائها تجنبها ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.

وهنا يقع البعض في التقليد الأعمى للغرب، فليس عيبا أن نشارك الآخرين احتفالاتهم، إذ أن كذبة أبريل شائعة أكثر في الدول الأوروبية، ولكن العيب في أن نتغاضى عن بعض القيم ونساهم في نشر سلوكيات طالما كانت محل رفض، فمثلا ماذا تنتظر الخالة من ابن شقيقتها بعد أن طلبت مساعدته لتلقنه دورا بدأ وانتهى بالكذب، أن يصنع بمخيلته تحت عنوان مزحة من أكاذيب قد تنطلي عليها هي نفسها مستقبلا.

كاتبة من تونس

21