إعادة رجال الأنظمة السابقة تفرضها الخبرة والكفاءة

الثلاثاء 2017/03/28
محاسبة المخطئ لا تعني الإقصاء الشامل

أصبح اللجوء إلى إعادة البعض من رموز الأنظمة السابقة التي رحلت مع ثورات الربيع العربي، إلى المشهد مرة أخرى، وتبوؤهم مراكز قيادية في العمل الحكومي، واقعًا لا مفر منه، في ظل احتفاظ البعض من هذه الرموز بقدر كاف من الخبرة والكفاءة وفهم دهاليز الأمور، ومعرفة الطريق الأمثل لإدارة المؤسسات التي فشل الكثيرون في تحقيق طفرة ملموسة بها.

ويقول المطالبون بتلك العودة، إنه لا يمكن تعميم وصمة الفساد على جميع من عملوا مع الأنظمة السابقة المخلوعة، حسب ما يحلو للبعض أن يصفهم، لأن السير على هذا النهج الإقصائي بشكل عام، قد يُفرّغ أي دولة من خبراتها ويجعلها تسير في طريق إعادة بناء كوادر جديدة، وهو ما يكلفها الكثير من الوقت والجهد والخسائر، ويعمّق حجم الأزمات التي تواجهها في سبيل محو سلبيات الماضي والحاضر.

يضاف إلى ذلك، أن فكرة اعتماد الحكومات في البلدان التي شهدت ثورات الربيع العربي، وفي مقدمتها مصر وتونس، على البعض من رموز نظام حسني مبارك أو زين العابدين بن علي، تأتي مدعومة بأن من تجري إعادة إحيائهم الآن، لم تطلهم اتهامات بالفساد، إذن فلماذا الإقصاء؟

الإقصاء الجماعي، لمن عملوا مع الأنظمة السابقة، يُعدّ هدمًا لمختلف كيانات الدولة، وسوف يسفر عن تصفية الجهاز الحكومي من كل من شاركوا في العمل سابقًا، أو نفذوا سياسات مباشرة أو غير مباشرة أقرّتها حكومات هذه الأنظمة، وبالتالي ستكون النتيجة إبعاد أكثرية العاملين بالحكومة، ومعهم قادة الجيش والشرطة، الذين كانوا الذراع اليُمنى للنظام.

الإقصاء الجماعي، لمن عملوا مع الأنظمة السابقة، يعد هدما لمختلف كيانات الدولة، وسوف يسفر عن تصفية الجهاز الحكومي من كل من شاركوا في العمل سابقا

المؤيدون يرون أن انتهاج الأنظمة، التي تعاقبت على الحكم في مصر أو تونس بعد الربيع العربي، سياسة "الإقصاء للقدامى لنيل رضاء الشعوب، كلّف هذه الدول جملة من الخسائر الاقتصادية والتنموية والخدمية، وأدى إلى تفريغ المجتمع من الخبرات التي تحتكر تقريبًا المعلومات والأرقام والخطط، التي قد تساعده على الخروج من الأزمات المتلاحقة بسهولة.

ويدافع أنصار هذا الرأي، وهم كثيرون، بأن وجود شخصية عملت مع الأنظمة السابقة في مركز قيادي حاليا، يجعلها تتحرك وتعمل بضعف قدراتها في الماضي لعدة أسباب، أولها أنها سوف تسعى بكل جهد إلى أن ترسخ فكرة أن كل من عملوا مع الأنظمة الساقطة ليسوا فاسدين أو فاشلين.

وثاني الأسباب، أنهم لن يفوّتوا الفرصة التي أتاحها لهم القدر من جديد لتطهير أنفسهم، ما سيعود بالإيجاب على أدائهم وطريقة إدارتهم للملفات الشائكة، وسوف يسعون إلى أن يتحركوا بحساب، كي لا يزيدوا غضب الغاضبين من وجودهم في المشهد وإعادة تكليفهم بمناصب مهمة في الدولة.

والسبب الثالث والأهم، أن رجال الأنظمة السابقة المعاد إحياؤهم من جديد، يدركون تماما، أنهم “تحت المجهر” طوال الوقت، ما قد يجبرهم على إثبات النجاح الشخصي، ومن ثمّ النجاح الحكومي، وأخيرا نجاح النظام نفسه، سعيًا إلى تغيير النظرة السلبية

السابقة.

وفي موازاة ذلك، يتحرك الكثير من رجال الأنظمة الساقطة أو الراحلة في مناصبهم الحالية، وهم لديهم إيمان قويّ بأن هناك أرضية خصبة تتقبل وجودهم في المشهد من جديد، وأن هناك قاعدة شعبية لهم عند الذين يحنّون إلى الماضي، ويشعرون بأن شيئا لم يتغير بعد الثورة. خاصةً وأنهم يرون كيف أن الأمور ازدادت سوءًا، لا سيما في ما يتعلق بتراجع الأمن والأمان وزيادة الأعباء المعيشية بعد ارتفاع الأسعار لأرقام فلكية، وتحميل المواطنين فاتورة الإصلاح.

بالتالي، يدرك “المعاد إحياؤهم”، أن وجود مدافعين عن تكليفهم بالمناصب، سواء من أنصار الأنظمة الماضية أو الذين يحنّون إلى الماضي عموما، سيمثل منصّة للدفاع عنهم، ما يدفعهم للعمل الشاق لترسيخ فرضية أن “الماضي كان الأفضل”.

والمثال على ذلك، علي المصيلحي، الذي كان وزيرًا للتموين في عهد حسني مبارك، وعاد ليشغل حاليًا نفس المنصب في نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي، حيث نجح في حل مشكلات كانت عويصة على من سبقوه في الوزارة منذ ثورة 25 يناير 2011 وحتى تكليفه بإدارتها.

من هذا المثال، وغيره، تتعالى الكثير من الأصوات حاليًا، بين النخبة والإعلام، بل وحتى من البعض من فئات الشعب في بلدان الربيع العربي، بضرورة تنقيح رجال الأنظمة السابقة، والاعتماد على الأفضل منهم، وتجنب الإقصاء الكلي سعيًا إلى تحقيق أهداف الثورة نفسها.

12