الكرة في ملعب بغداد لإيجاد دروب للتعهدات الاستثمارية

لندن - هناك إجماع بين الخبراء والمحللين على أن التعهدات التي حصلت عليها الحكومة العراقية، لن تعني شيئا خاصة أنها لم تحصل على أي مساعدات تذكر، حين اقتصرت على ضمانات قروض وتمويل ونوايا استثمار إذا توفرت الظروف الملائمة.
وأصبحت الكرة الآن في ملعب بغداد التي عليها أن تبدد مخاوف المستثمرين وإقناعهم بإمكانية العمل معها بعد تحسين كفاءة المؤسسات العراقية ومكافحة الفساد وإصدار تشريعات ملائمة وتحسين الوضع الأمني.
ويمكن إهمال الأرقام، التي بلغت نحو 30 مليار دولار ولم تصل إلى ثلث طموحات بغداد باستقطاب 100 مليار دولار، لأن التعهدات قد لا تجد مشاريع ومستثمرين لتقديم الضمانات لها وبذلك لا تجد طريقا إلى أرض الواقع.
في المقابل فإن الحكومة العراقية إذا تمكّنت من كسب ثقة المستثمرين فإنها يمكن أن تفتح الأبواب لتدفّق استثمارات تفوق التعهدات بأضعاف كثيرة، خاصة في ظل فرص تحقيق عوائد كبيرة جدا وامتلاك العراق للكثير من الموارد.
ويتمحور الرهان الأكبر على شركات الدول الخليجية وخاصة السعودية والإمارات والكويت، إذا تمكّنت الحكومة العراقية من تسهيل تنفيذ تعهدات تلك الدول التي بلغت نحو 4 مليارات دولار.
إذا حصل ذلك فسوف تتدفّق استثمارات بعشرات المليارات من تلك الدول لتحقيق أرباح كبير في بلد يحتاج إلى كل شيء بعد عقود من الحروب والحصار.
لكنّ الخبراء والمحللين يجمعون على أن ترجمة التعهدات تتطلب مناخ أعمال وتشريعات وقوانين ملائمة، إضافة إلى مكافحة البيروقراطية وتعزيز الشفافية والاستقرار الأمني.
ويبدو الفساد وسوء إدارة المؤسسات الحكومية من أكبر العقبات أمام استقطاب أموال المانحين، بسبب انعدام كفاءتها نتيجة المحاصصة الحزبية والطائفية في تقاسم الوظائف العليا، ما يؤدي إلى إقصاء الكفاءات وانتشار التسيب والفساد.
ويقول الخبراء إن مفتاح ترجمة وعودة المانحين في المساهمة في إعادة الإعمار تكمن في اختيار كفاءات إدارية مستقلة بمعايير عالمية للإشراف على العملية من أجل فرض الانضباط في آليات الاستثمار وصرف الأموال ومنع تسرّبها إلى شبكات الفساد التي تخترق جميع المؤسسات العراقية.

جيم يونغ كيم: التنمية والبناء لا يمكن أن تتم بالموارد الحكومية وإنما بمشاركة القطاع الخاص
ويشكك معظم العراقيين بالنوايا التي يعلنها رئيس الوزراء حيدر العبادي عن إعادة الإعمار ومكافحة الفساد، لأنه ورث مؤسسات فاسدة وعديمة الكفاءة ولم يتخذ سوى خطوات خجولة حتى الآن لإصلاح الخراب المستشري في مفاصل الدولة.
وقد اصطدمت جميع محاولات مكافحة الفساد حتى الآن بعراقيل كبيرة بسبب ارتباط المسؤولين الفاسدين بكبار الأحزاب المهيمنة على الحكومة وصولا إلى مؤسسات القضاء التي برأت الكثير من المتهمين بعد إحالتهم إليها من قبل مؤسسات النزاهة.
وتشير التعهدات التي أعلنت في المؤتمر إلى نسبة ضئيلة منها يمكن أن تتجه إلى إعادة الإعمار في المناطق المدمرة بعد الحرب الطويلة مع تنظيم داعش.
وتقتصر المساعدات على برامج البنك الدولي والاتحاد الأوروبي ودول مثل ألمانيا وإيطاليا، إضافة إلى المنظمات العالمية غير الحكومية التي تعهدت في اليوم الأول للمؤتمر بتقديم 337 مليون دولار.
ولا يزيد مجموع تلك التعهدات التي يمكن أن تتجه لتخفيف معاناة النازحين وإعادة بناء منازلهم والبنية التحتية في المدن المدمرة على نحو 3 مليارات دولار.
وكان امتناع الولايات المتحدة منذ بداية المؤتمر عن تقديم أي أموال لإعادة الإعمار مقدمة لامتناع معظم الدول الأخرى. واكتفت واشنطن بتقديم ضمانات قروض ومشاريع للشركات الأميركية التي ترغب بالتعامل مع العراق بقيمة 3 مليارات دولار.
ويلوح بصيص أمل في موقف البنك الدولي أعلن عن تمويل مشروعين بقيمة 510 ملايين دولار لتحسين ظروف معيشة العراقيين وزيادة توزيع المياه واستحداث الوظائف. وارتفعت بذلك تمويلات البنك الدولي في العراق إلى 4.7 مليارات دولار.
وقال رئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم إن البنك سيوفر إلى جانب تلك التمويلات “دعما فوريا لإعادة تأهيل قطاع التربية والخدمات الصحية وإعادة أعمار الطرقات والجسور الكبرى وإعادة شبكات الكهرباء وأنظمة الماء”.
وشدّد على ضرورة ازدهار العراق لمنطقة الشرق الأوسط والعالم ككل. موضحا أن عملية التنمية والبناء لا يمكن أن تتم بالموارد الحكومية وإنما بمشاركة من القطاع الخاص.
وحاولت الحكومة العراقية طمأنه المستثمرين بالتأكيد على أنها تعرض على القطاع الخاص الاستثمار في أغلب القطاعات، من الزراعة إلى النفط. وعرضت 212 مشروعا للمستثمرين المحليين والدوليين وقالت إنها تشمل “حماية قانونية”.
وأكد مدير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي اكيم ستاينر أن البرنامج سينسق مع البنك الدولي ودولة الكويت لمتابعة جمع التعهدات وإنفاقها على المشروعات في العراق.
وقال إن تعهدات المساعدات ستصرف في المشروعات المحددة وفق آليات الأمم المتحدة والبنك الدولي. وأشار إلى أنه نفذ بالفعل 180 مشروعا في دليل على أن المساعدات تصرف وفق ما تم الترتيب لها.
وستتابع الجهات المانحة جهود بغداد لتنفيذ الوعود التي قدمتها في إطار الشفافية والمهنية. وقد يكون عليها الانتظار لحين تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات العامة المصيرية التي ستجري في 12 مايو المقبل.