75 عاما على الهولوكوست.. ألمانيا لم تتخلّص حتى الآن من إرث النازية

حزب البديل من أجل ألمانيا يبقى أحد أكبر تحديات اليمين في ألمانيا في ظل عدم إخفائه لنزعاته المعادية للسامية.
الأربعاء 2021/01/27
حقبة لا تزال حية في الذاكرة

عاد النقاش ليحتدم مجددا في ذكرى حادثة "الهولوكوست"، التي كانت نتيجة لأفكار النظام النازي العنصري في ثلاثينات القرن الماضي وأربعيناته. وتركز هذا النقاش بالأساس حول تعاطي ألمانيا مع هذه القضية المثيرة للجدل، خاصة وأن تلك الأفكار لا تزال موجودة في عقائد بعض الأحزاب والمجموعات اليمينية وأنظمتها، والتي باتت تسمّى اليوم بـ"النازية الجديدة".

تونس - عرفت ألمانيا في السنوات الأخيرة عودة قوية لمشكلة معاداة السامية، بعد أن تصاعدت وتيرتها وأصبح الألمان من أتباع الديانة اليهودية يتعرضون للاعتداءات في الشوارع. وبلغت ذروتها في التاسع من أكتوبر الماضي عند مهاجمة يمنيين متطرفين كنيسا يهوديا في يوم عيد الغفران ومحاولة قتل 51 شخصا كانوا يصلون داخله.

وإذا كان ازدهار هذه الحركات في دول مثل إيطاليا والنمسا يبدو مثيرا للقلق، فإن ازدهارها في ألمانيا يلوح أكثر إزعاجا لتاريخ هذا البلد الصعب مع هذا التيار. فذكرى حكم النازيين بزعامة أدولف هتلر وما ألحقه من دمار في العالم حتى سقوطه في الحرب العالمية الثانية وسقوط برلين في أيدي الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة عام 1945، لا تزال عالقة بالأذهان.

وثمة تفاعلات داخلية مستمرة بخصوص الإرث النازي في البلاد، ولعل دعوة نائب رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، مارام شترن، ألمانيا إلى اتخاذ إجراء ضد رواة قصص المؤامرة ومحتقري الديمقراطية والمستخفين بمحرقة اليهود (الهولوكوست) تشكل نقطة مفصلية بالنسبة إلى الألمان اليوم للقطع مع الماضي وبشكل نهائي.

وكتب شترن مقالا بصحيفة “برلينر مورغن بوست” الألمانية بمناسبة ذكرى المحرقة الذي يصادف يوم 27 يناير يشمل رد الدولة على مراقبة حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المعارض، من خلال هيئة حماية الدستور (الاستخبارات) وفحص إمكانية حظر الحزب على المدى المنظور.

ويعتقد شتين أن حزب البديل نفسه تجاوز بالفعل الكثير من الخطوط الحمراء ويجب ألا يتعامل المرء كما لو أنه لا يعلم أي الأشخاص وأي الأنصار يتم التعامل معهم، وسيكون بلا جدوى تقسيم حزب البديل إلى أجنحة أو تيارات، والبحث على من يبدون “معتدلين” بعدسة مكبرة، مشبّها ذلك الوضع بما حصل مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.

ولعل قلق السياسيين الألمان من ازدياد ظاهرة عنف اليمين المتطرف يعود إلى فظائع النظام النازي، فقد لقي أكثر من ستة ملايين يهودي حتفهم في عمليات منظمة، معظمهم قتلوا في معسكرات الاعتقال.

وتشغل حوادث معاداة السامية الكثير من السياسيين الألمان، بل إن نيكولا بير، الأمينة العامة للحزب الديمقراطي الحر، كانت قد دعت مؤخرا إلى ترحيل المهاجرين الذين تُثبت في حقهم، كراهية لليهود بشكل علني. وصرحت بالقول “يجب ألا نسمح بحدوث مثل هذا الشيء. معاداة السامية يمكن أن تكون أيضا سببا للترحيل”.

ويمكن مشاهدة فظائع النظام النازي حاضرة في المتاحف الألمانية، والتي تروي تفاصيل أحلك فصل في التاريخ الألماني الحديث. وفي كل مدينة كبيرة توجد متاحف تؤرخ للحقبة النازية وآثارها على ألمانيا وأوروبا. ويسعى العاملون فيها للرد على جميع استفسارات الزوار، التاريخية منها بالذات.

ويعد إنكار الهولوكوست أمرا غير قانوني في ألمانيا وذلك وفقا للمادة 130 من القانون الجزائي ومن ثبتت إدانته في إنكارها يمكن أن يقضّي عقوبة السجن من ثلاثة أشهر إلى خمس سنوات أو يدفع غرامة.

يوجد 29 نصا قانونيا وتنظيميا في ألمانيا تعود إلى فترة حكم هتلر، لم تلغ منذ ذلك الحين وتتضمن أبعادا معادية للسامية

ورغم مرور 75 عاما على المحرقة لا تزال قوانين سارية المفعول في ألمانيا تعود إلى الحقبة النازية، منها قانون يرى متابعون أنه معادٍ للسامية، فيما يريد مشرعون ألمان اجتثاثا نهائيا لكل قانون يذكّرهم بالحقبة النازية.

وفي الواقع يوجد 29 نصا قانونيا وتنظيميا تعود إلى مرحلة حكم هتلر (1933-1945)، لم تلغ منذ ذلك الحين وتتضمن بعض تلك النصوص “بعدا معاديا للسامية بشكل واضح” ولا تزال مسألة اعتماد قانون موحد لتعديل تلك القوانين مجتمعةً أو إدخال تغييرات جزئية تحتاج للبتّ.

وأبرز القوانين المطروحة هو قانون تغيير الأسماء والكنيات الصادر في 1938، والذي فتح الطريق أمام مرسوم لوزير الداخلية النازي ويلهلم فريك يرغم اعتبارا من يناير 1939 “الرجال والنساء اليهود على أن يضيفوا اسمي إسرائيل وسارة إلى أسمائهم الأولى” الرسمية.

ورغم إلغاء الحلفاء المرسوم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، لكنه أصبح في 1954 بفعل قرار إداري، قانونا فيدراليا. والقانون، الذي يحدد في نسخته الحالية المعايير الممكنة لتغيير الاسم لا يزال مصاغا حتى اليوم كما لو أن الرايخ لا يزال موجودا. ويشير إلى استخدام تعابير مثل “الرايخ الألماني” و”حكومة الرايخ” و”وزارة داخلية الرايخ”.

ويقول هيلغيه ليند، المسؤول في الكتلة الاشتراكية الديمقراطية في لجنة الداخلية في البوندستاغ (مجلس النواب)، إنه من غير المقبول تماما أن تبقى اللغة النازية حاضرة في قانون فيدرالي في العام 2021.

وبالإضافة إلى قانون تغيير الأسماء، يوجد أيضا 28 نصا آخر تعود إلى الحقبة النازية منها قوانين تنظم مسائل تقنية جدا، مثل مرسوم الإدارة المشار إليه في منطقة هامبورغ المتعلق بالعاملين في المجال الطبي من غير الطبيين والذي ينظم جزءا من عمل القطاع إلى 1939.

وسبق أن ألغت ألمانيا قوانين عدة تعود إلى الحقبة النازية، كما في العام 1994، مع إلغائها لقانون يجرّم العلاقات المثلية، وفي العام 2019، مع إلغائها لقانون يمنع الأطباء من الإعلان عن ممارستهم للإجهاض.

ويواجه القانون الأساسي في البلاد، الذي اعتمد في الثامن من مايو 1945 ويشكل أحد أسس ألمانيا الحديثة، أيضا انتقادات منذ سنوات لاسيما من اليسار. ويطالب المنتقدون بمراجعة المادة الثالثة من الدستور التي تتضمن عبارة “عرق”، والتي أبدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في العالم الماضي انفتاحها على الفكرة.

ويبقى حزب البديل من أجل ألمانيا أحد أكبر تحديات اليمين في ألمانيا، فرغم نشاطه بشكل قانوني، إلا أنه لا يخفي نزعاته المعادية للسامية وهناك من يعتبر أن استمراره يمثل دعما سياسيا لليمين المتطرف رغم أنه يحاول النأي بنفسه عن النازيين الجدد.

ويقول ألكسندر دوبراندت، رئيس كتلة الحزب الاجتماعي المسيحي، إن “البديل يسير على الطريق المباشر ليصبح الحزب القومي اليميني المتطرف الجديد”، معتبرا أن “إساءة استخدام التاريخ وازدراء البرلمان والمؤسسات السياسية وتزوير التاريخ ونسيانه، تظهر أن الحزب اليميني الشعبوي يريد المضي بشعلة إثارة المشاعر والعدوانية”.

وإزاء هذه الطروحات المتعلقة بالحظر وتشبيه الحزب بالنازيين الجدد، اعتبر الباحث السياسي في شؤون اليمين المتطرف، ديرك بورستيل أن النقاشات بشأن الحظر مفيدة، مبرزا أن المحكمة الدستورية الاتحادية حددت في قرارها معيارَين واضحين من شأنهما تمكين حظر أي حزب. فمن ناحية يجب أن يكون لدى الحزب خيار قوة حقيقي لتحقيق أهدافه، وبالإضافة إلى ذلك يجب على الحزب أن ينتهج أيديولوجيا وأهدافا لا تتوافق مع الصورة الإنسانية للقانون الأساسي.

وربطا بهذين المعيارين، اعتبر بورستيل أنه “على المستوى الفيدرالي نحن نتعامل مع طرف لا يزال خياره غير واضح، ومن الممكن فرض حظر جزئي، على سبيل المثال على جمعيات معيّنة في المقاطعات”.

لكن في المقابل يرى محللون أن حظر البديل أكثر خطورة على الثقافة الديمقراطية والمجتمع الليبرالي مما كان عليه الوضع في السابق، إذ أن ذلك الإجراء حاليا “قد يقدم له هدية عظيمة، ويمكن بعدها أن يقدم نفسه في دور الضحية، خاصة أنه في الواقع لم يعد لديه ملف مركزي يحقق له المكاسب”.

7