70 طالبا يحصدون المركز الأول في الثانوية العامة بمصر

الثلاثاء 2016/07/26
الغش يتفوق على التعليم

القاهرة – أسدلت وزارة التربية والتعليم المصرية الستار على مارثون الثانوية العامة التي شهدت حربا بين المؤسسات الرسمية وجماعات سربت أغلب الامتحانات، وأطلقت موجة احتجاجات كبيرة.

لكن النتيجة التي ينتظرها المصريون بفارغ الصبر كل عام أخرجت هذا العام نتائج حقائق عادة ما يتعمد المسؤولون إخفاءها.

وأصبحت منظومة الدروس الخصوصية المعيار الأول للتفوق عند الطلاب الراغبين في تحصيل نتائج مرتفعة تؤهلهم إلى كليات القمة، في حين أضحى الاعتماد على الغش وتسريب الأسئلة والإجابات وسيلة الطلاب الذين يعانون من ضعف في التحصيل للوصول إلى مرحلة التعليم الجامعي، والنجاة من دوامة الرسوب.

وأقر جميع أوائل الثانوية العامة البالغ عددهم 95 طالبا، بأنهم اعتمدوا في الأساس على الدروس الخصوصية بعد فشل منظومة التعليم في المدارس، سواء الحكومية التي أصبحت عبارة عن مبانٍ للأشباح يهجرها المعلمون إلى مراكز الدروس الخصوصية، أو الخاصة التي تعتمد على معلمين غير أكفاء برواتب هزيلة لا تتجاوز 150 دولارا شهريا. ويعتمد معلمو المدارس الخاصة في توفير تكاليف المعيشة بالأساس على دخول جانبية توفرها الدروس الخصوصية.

ومع تقارب الطلاب الأوائل في المجموع إلى حد بعيد، ووجود قرابة 70 طالبا حصلوا على 409.5 درجة من مجموع 410 درجات، اضطرت وزارة التربية والتعليم لأول مرة في تاريخها إلى اعتماد 95 طالبا في تصنيف الأوائل، بينهم 90 من المدارس الحكومية، و5 من خريجي المدارس الخاصة واللغات.

وقال خبراء تربويون إن ذلك لا يعزز فرضية تفوق المدارس الحكومية بمنظومتها الهشة، على المدارس الخاصة، حتى وإن كانت نسب النجاح مرتفعة للغاية.

وذهب الخبراء إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار ما جرى من حالات غش جماعي في لجان المدارس الحكومية خلال امتحانات الثانوية العامة، وحالة الانفلات في الكثير منها في المحافظات النائية التي كثيرا ما اشتكى فيها المراقبون من سيطرة الأهالي على اللجان وفرض الغش بالقوة، ومنها لجان في محافظة أسيوط، بصعيد مصر، حيث اعتذر رئيس اللجنة لفشله في منع الغش الجماعي، وبدلا من زيادة التشديد الأمني على اللجنة أحالت رئيسها إلى التحقيق. وكانت هذه الفرضية، وغيرها من الأسباب الأخرى، سببا في تفوق طلاب المدارس الحكومية في الثانوية العامة.

وقالت بثينة عبدالرؤوف، وهي خبيرة تربوية في مركز البحوث التربوية بالقاهرة، لـ”العرب” إن “ارتفاع معدلات الغش في الامتحانات بالمدارس الحكومية كان السبب الأبرز في ارتفاع نسب النجاح بين الطلاب الحكوميين، بعكس لجان المدارس الخاصة والتجريبية واللغات التي تعمدت وزارة التعليم أن تشدد فيها الرقابة بشكل غير مسبوق”.

وأكدت أنه جرى اختيار مراقبي لجان المدارس الخاصة بعناية شديدة، “إذ منعوا أي طالب من التفوه بكلمة واحدة أثناء الامتحان وكان ذلك مقصودا للخروج بنتائج عكسية لنتائج المدارس الحكومية التي شهدت لجانها تسيبا وغشا، وبالتالي لا يمكن الجزم بأن المدارس الحكومية بما تحويه من كوارث تربوية وإهمال شديد وغياب كامل للمعلمين وهجرة من الطلاب أنفسهم، أن يكون ارتفاع نسب النجاح فيها إلى هذه الدرجة أمر منطقي”.

بثينة عبدالرؤوف: ارتفاع معدلات الغش في الامتحانات بالمدارس الحكومية كان السبب الأبرز في ارتفاع نسب النجاح بين الطلاب الحكوميين

وأضافت أن “معيار تفوق المدارس الحكومية يكون في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، ولا يمكن القياس في المرحلة الثانوية، مؤكدة أن تسريبات أسئلة الثانوية ساعدت على أن يكون طلاب المدارس الحكومية على علم مسبق بكل الامتحانات، بعكس طلاب المدارس الخاصة الذين لم يعتادوا المشاركة في هذه المنظومة الفاشلة التي يجمع فيها المعلم ألفي طالب أوأكثر في درس خصوصي ويكافئهم بالامتحان قبل موعده”.

وشهدت امتحانات الثانوية العامة في مصر تسريب 5 امتحانات، ما دفع الوزارة إلى إلغائها قبل دخول الطلاب إلى الامتحان.

كما تعرضت امتحانات أخرى لتسريب الأسئلة والإجابات أثناء إجراء الطلاب للامتحان داخل اللجان. وجرى تداول الإجابات في الغالب عبر أجهزة التليفونات المتنقلة.

ويقول رضا مصطفى، الخبير التربوي، إن نتيجة الثانوية العامة أظهرت أن محاولات وزارة التعليم إلغاء الدروس الخصوصية التي أصبحت بديلة عن المدارس الحكومية “درب من دروب الخيال، وأمر مستحيل حدوثه، لأنها لم تبحث عن بديل حقيقي ومقنع، وبدلا من تعديل المنظومة والمناهج وإلغاء نظام الحفظ والتلقين والاعتماد على الابتكار، ذهبت إلى تجريم الدروس الخصوصية التي كانت سببا رئيسيا في نجاح الطلاب، فماذا بعد إلغائها؟”.

وأضاف لـ”العرب” أن “مشكلة بعض الطلاب في المدارس الخاصة أنهم يعتمدون فقط على توافر الأموال لأجل نيل التفوق، وينظرون إلى أنه بإمكانهم فعل كل شيء طالما توفر المال، في حين ينظر الطالب الحكومي إلى طموحات أسرته

ويرتبط تفوقه بالضغوط الواقعة عليه. لو طبقت الحكومة نصف معايير الجودة في المدارس الخاصة، لانصلح حال التعليم في مصر”، معتبرا أن النتيجة وحدها ليست معيارا على تفوق المدارس الحكومية. وتبلغ الرسوم المدرسية في المدارس الخاصة الثانوية في مصر 60 ألف جنيه (6 آلاف دولار)، ويشترط بعضها تسديد الرسوم بالعملة الأجنبية، في حين لا تتعدى المصروفات بالمدارس الحكومية 60 جنيها فقط (6 دولارات).

وتصل كثافة حجرة الدراسة في المدارس الحكومية المصرية في أحيان كثيرة إلى 120 طالبا، إذ يتواجد كل 4 طلاب في متر مربع واحد، بينما تحظر السلطات هذه المعايير على المدارس الخاصة.

وقررت وزارة التربية والتعليم تجريم الدروس الخصوصية، وتحويل أي معلم يقوم بها إلى التحقيق وأحيانا الابعاد عن التدريس في حال مخالفة ذلك. لكن المفارقة هي أن جميع أوائل الثانوية العامة هذا العام أقروا بأنهم حصلوا على دروس خصوصية.

17