20 اتفاقية تنقل السعودية وروسيا إلى تحالف استراتيجي

انتقلت الشراكة المتنامية بين السعودية وروسيا إلى تحالف استراتيجي لا يقف عند قيادة بوصلة صناعة النفط العالمية بعد توقيع اتفاقات شاملة تشمل مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية والزراعية خلال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
الرياض - تحولت الرياض إلى ورشة كبيرة لبحث آفاق التعاون بين السعودية وروسيا حيث شهدت توقيع 20 اتفاقية في مختلف القطاعات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية.
وجرى توقيع الاتفاقيات في قطر اليمامة بحضور العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لتنتقل الشراكة بين البلدين إلى تحالف استراتيجي.
وقال العاهل السعودي إن “الاتفاقيات بين روسيا والسعودية خصوصا في مجال الطاقة ستكون لها آثار إيجابية”.
وأشاد الرئيس الروسي بالآفاق المتنامية للتعاون مع السعودية وأكد أن الاتفاقيات التي تم توقيعها ستتم ترجمتها على أرض الواقع. وأشار إلى ارتفاع التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 15 بالمئة في العام الماضي.
وأضاف أن التبادل التجاري سجل قفزة كبيرة في العام الحالي وأنه ارتفع في يونيو بنسبة 38 بالمئة مقارنة بالشهر نفسه من العام الماضي.
وقال بوتين إن السعودية تلعب دورا محوريا في مجموعة العشرين التي ستترأسها العام المقبل، وأن التنسيق السعودي الروسي سيكون له دور كبير في تعزيز التنمية المستدامة في منطقة الشرق الأوسط.
وكان في صدارة الاتفاقيات توقيع “ميثاق التعاون بين الدول المنتجة للنفط” في منظمة أوبك وحلفائها بقيادة روسيا والذي يحوّل تحالف “أوبك+” إلى تكتل دائم يضم 24 بلدا وينتج أكثر من نصف الإنتاج العالمي من النفط.
وقال وزير الطاقة السعودي الأمير عبدالعزيز بن سلمان، خلال حفل التوقيع الرسمي في الرياض إن الميثاق أساسي “لترسيخ التعاون بين البلدين ودعم استقرار أسواق النفط”.
وأضاف أنه لولا اتفاق “أوبك +” لإدارة السوق النفطية لكان سعر النفط أقل بكثير. وأكد أن ذلك التحالف على استعداد لاتخاذ كافة الإجراءات لتعزيز الاستقرار والتوازن في أسواق النفط.
وشهدت الزيارة انعقاد منتدى الاستثمار الروسي السعودي الذي استقطب أكثر من 300 مشارك وجمع بين أكبر وفد لرجال الأعمال الروس في تاريخ علاقات البلدين مع أبرز رجال الأعمال السعوديين.
ووقع صندوق الاستثمار المباشر الروسي اتفاقا مع الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني (سالك) للتعاون في البحث عن مشاريع استثمار في قطاع الزراعة الروسي.
وقال كيريل ديمترييف الرئيس التنفيذي للصندوق الروسي “سنبدأ العمل على أول مشاريعنا المشتركة في المستقبل القريب” والتي تتضمن التعاون مع كبار منتجي ومصدري الحبوب الروس من أجل تعزيز الأمن الغذائي للسعودية.
وقال خالد العبودي العضو المنتدب لشركة سالك إن الشركة تدرس الاستثمار في مشاريع زراعية روسية قرب البحر الأسود وأن “صندوق الاستثمار المباشر الروسي هو الشريك الطبيعي في دخول السوق الروسية”.
يأتي التعاون بين الصندوق وسالك بعد أقل من شهرين على موافقة الرياض على تخفيف مواصفات استيراد القمح الأمر الذي يفتح الباب أمام روسيا، أكبر مصدر للقمح في العالم، لدخول السوق السعودية.
كما وقعت روسيا والسعودية مذكرة تفاهم تبادل المنتجات الغذائية. وقال وزير الزراعة ديمتري باتروشيف إن روسيا تريد أن تفتح السعودية سوقها أمام اللحوم الروسية.
وتضمنت الاتفاقيات مذكرة تفاهم بشأن تسهيل وتنظيم منح تأشيرات الزيارة لمواطني البلدين، وأخرى للتعاون في القطاع الصحي وفي مجال الفضاء والعلاقات الثقافية.
ووقع البلدان اتفاقية لإنشاء ملحقية تجارية بينهما، ومذكرة تفاهم لبدء العمل بين البلدين حول مفاوضات اتفاقية تشجيع وحماية الاستثمارات بينهما.
وبحث البلدان سبل تنفيذ مشاريع اقتصادية جديدة، لتفعيل قاعدة استثمارات تم الاتفاق عليها سابقا بقيمة 10 مليارات دولار. وتشير البيانات إلى أنه تم حتى الآن استثمار ملياري دولار منها.
ويرى محللون أن الرئيس الروسي يدرك أهمية النموذج الاقتصادي الصاعد والدور المتنامي للسعودية وأن الزيارة تهدف لاستكشاف فرص التعاون والاستثمار المشترك في إطار التحولات الاقتصادية الكبيرة التي تشهدها السعودية.
ويقول مراقبون إن الزيارة شملت بحث إمكانية التعاون في مجال الطاقة النووية السلمية، في وقت تقترب فيه الرياض من إرساء عقد إنشاء مفاعلين نوويين، تتنافس عليه روسيا والولايات المتحدة وفرنسا وكوريا الجنوبية.
ويجمع المحللون أن روسيا وجميع الدول الكبرى لم يعد بإمكانها إغفال الرؤية الجديدة لمستقبل منطقة الخليج، الذي يرسمه الدور المتنامي لتحالف السعودية والإمارات، والذي ستكون له انعكاسات كبيرة على التوازنات العالمية.
وحاول الرئيس الروسي قبل وصوله إلى الرياض التقليل من تأثير التوتر مع إيران على علاقات بلاده مع السعودية بعد الهجمات على منشآت النفط السعودية وعدد من ناقلات النفط.
وقال إن من يعتقدون أن تلك الأعمال “ستؤثر على تعاون روسيا مع السعودية والإمارات أو على تعاوننا في إطار تحالف “أوبك +” فهم جميعا مخطئون، بل على العكس، فهي ستعمل على توحيدنا”.
وفي إطار تعزيز العلاقات بين البلدين افتتح صندوق روسيا السيادي الأسبوع الماضي أول مكتب له خارج البلاد في العاصمة السعودية. وقال إن نشاطه سيعزز التفاهمات التي تم التوصل إليها سابقا مع الشركاء في السعودية.
وكان الصندوق قد أكد أن الرياض وموسكو تتفاوضان على إنشاء صندوق روسي سعودي لتنفيذ استثمارات مشتركة في مشاريع جذابة، لكنه لم يحدد تلك المشاريع.
وأضاف أن “التعاون النشيط بين صندوقي البلدين يتم تنفيذه أيضا من خلال منصة للاستثمار في مجال الطاقة، تم إنشاؤها بالتعاون مع شركة أرامكو ومنصة روسية ـ سعودية مشتركة للاستثمارات في قطاع التكنولوجيات بقيمة مليار دولار.
وكانت آخر زيارة قام بها الرئيس الروسي إلى السعودية في فبراير 2007. وتأتي زيارة بوتين إلى الرياض ردا على الزيارة التي قام بها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى موسكو في عام 2017.