11 عاما على ثورة يونيو: هل تخلى السيسي عن وعوده للغلابة

القاهرة - قبل أسابيع قليلة من الذكرى الحادية عشرة لثورة يونيو 2013، تلقف معارضون للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بعض التصريحات التي نشرت على حسابه الرسمي بموقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك) لعقد مقارنة بين تصريحاته السابقة والحالية بشأن الوضع الاقتصادي الذي يعيشه المواطنون حاليا.
وبدت هناك شبهة تعمد لإنهاك السيسي معنويا، وإظهار أنه كان روج لوعود مستقبلية تبخرت، على مستوى انقطاع التيار الكهربائي، والمساس بدعم رغيف الخبز، وهو ما يناقض الواقع الراهن بانقطاع الكهرباء يوميا وتحريك سعر خبز البسطاء.
وكان الرئيس المصري كتب على حسابه الرسمي في يناير 2018 مقتطفات من كلمته التي ألقاها خلال مؤتمر “حكاية وطن"، بينها "لن يتم إلغاء بطاقات التموين ودعم الخبز، واحذروا من الشائعات ومن يجعلكم تُشككون في أنفسكم وفي دولتكم".
وفي تدوينة أخرى، قال السيسي "كنا نعاني بشكل كبير من أزمة كهرباء في 2013 و2014، واستطعنا حلها الآن. بل ونسعى لأن نكون جسرا لنقل الكهرباء لدول المنطقة شرقا وغربا وأوروبا وآسيا وأفريقيا".
ورصدت "العرب" إعادة نشر تدوينات على نطاق واسع أخيرا لتذكيره بما تعهد به قبل سنوات، مع أعداد كبيرة من تعليقات تنوعت بين العتاب على السلطة، وبين ابتزازها وإحراجها أمام الرأي العام لتحقيق مآرب سياسية.
وارتبط استدعاء تصريحات السيسي بأن الحكومة التي قدمت استقالتها قبل أيام تحدثت عن وجود خطة لإلغاء بطاقات التموين واستبدالها بالدعم النقدي، كي تصل المساعدات المالية إلى مستحقيها بدلا من العشوائية التي كان يُدار بها ملف الدعم لعقود.
ويتعلق الشق الآخر باستمرار أزمة انقطاع الكهرباء لساعتين يوميا الآن، ما فسّره الرئيس السيسي أخيرا بأن اللجوء إلى هذا المسار مرتبط بأن الحكومة تتحفظ على رفع أسعار الكهرباء وما تزال تدعمها وبديل عدم تخفيف الأحمال مضاعفة أسعارها.
وتعتقد دوائر سياسية أن إحراج السيسي بتداول تصريحات مرتبطة بفترة سياسية واقتصادية سابقة يحمل أهدافا تتعلق بدلالات التوقيت، فشهر يونيو من كل عام يشهد احتفالات إعلامية وسياسية وحزبية بخلاص البلاد من حكم جماعة الإخوان.
وترى هذه الدوائر أن محاولة إحراج السيسي معنويا هو هدف إخواني بامتياز، وإن توافقت معه فئات ناقمة على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، لكنهم يستثمرون في غضب الشارع من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة على مستوى ملف الدعم.
وقد لا يخلو التصعيد الأخير من بوابة الحساب الرسمي للسيسي محاولة استباق الاصطفاف الإعلامي خلف السلطة في ذكرى ثورة 30 يونيو 2013، وهي مناسبة تقوم فيها المنابر الإعلامية بإبراز نجاحات النظام المصري ومقارنتها بما كانت عليه البلاد خلال فترة حكم الجماعة.
وقال رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة إكرام بدرالدين إن استدعاء تصريحات سابقة للرئيس السيسي ومقارنتها بالوضع الراهن يرتبط باقتراب الذكرى الحادية عشرة للإطاحة بنظام الإخوان، واللعب على وتر تجييش الناس خلف الجماعة، وهو غباء سياسي يتكرر كل عام.
وأضاف لـ”العرب” أن هناك صعوبات اقتصادية ومعيشية، وجزء من بعض الغضب الحالي إعادة تذكير الحكومة الجديدة بمطالب الشارع، لكن الجزء الأكبر منه متعلق بالثأر السياسي من النظام، وإحداث قلق اجتماعي، ويجب التفرقة بين من ينتقد من وازع وطني ومن يبتز لمصلحة سياسية.
ودافع مناصرون للنظام المصري بأن السيسي كان محقا عندما تعهد قبل ست سنوات بعدم تحريك سعر رغيف الخبز، بالمخالفة لما أقرته الحكومة برفع سعره مؤخرا، لأن الظروف الاقتصادية آنذاك كانت تسمح للسلطة بالاستمرار في مسار الدعم رغم كلفته الباهظة على الموازنة العامة.
وارتفع دعم رغيف الخبز منذ عام 2018 إلى اليوم، من 42 مليار جنيه إلى 130 مليارا، فيما زاد دعم الدولة للكهرباء إلى الضعف خلال الفترة ذاتها، لكن معضلة الحكومة أنها لم تنجح في إقناع المواطنين بذلك، أو تنزل إلى مستوى فهم واستيعاب الكتلة الحرجة في المجتمع.
وقد يكون البناء على مواقف النظام قبل ست سنوات للإيحاء بأنه سوّق الوهم ظالما، لأن هناك مستجدات طرأت، بينها أن التعداد السكاني لمصر ارتفع من عام 2018 إلى اليوم بمعدل عشرة ملايين شخص.
◙ جهود السيسي تركزت على إعادة بناء الدولة اقتصاديا وتنمويا لكنه اصطدم بقدرات ضئيلة على الأرض تفوق قدرة تحمل بعض القطاعات
ويرتبط خطأ الحكومة المصرية طوال السنوات الماضية بالإخفاق في إدارة الملف الاقتصادي بما نسف بعض المكتسبات الشعبية التي تحققت في ملفات كان قطع فيها شوطا بعد أن ترك الإخوان الحكم في حالة ترهل أمني وسياسي واقتصادي.
وتركزت جهود السيسي على إعادة بناء الدولة اقتصاديا وتنمويا، لكنه اصطدم بقدرات ضئيلة على الأرض تفوق قدرة تحمل بعض القطاعات، فهناك نهضة كهربائية مقابل مصانع عدة تم إنشاؤها ومدن عمرانية جرى بناؤها، ووصل الملايين من اللاجئين إلى مصر، ما أثّر سلبا على قطاع مثل الكهرباء.
وحظيت مصر خلال عام 2018 بإشادة من مؤسسات تمويلية دولية وتم ترشيحها لتكون من أكثر دول العام الثالث نموا خلال فترة وجيزة، بحكم التركيز على الإصلاحات الاقتصادية والتوسع في المشروعات التنموية، وهو ما يبدو أن السيسي بنى عليه توقعاته المستقبلية.
وتتحمل الحكومة المصرية جزءا من غياب الوعي المجتمعي بشأن أبعاد الأزمة الراهنة ويتم تحميلها للسيسي مباشرة، فهناك جائحة كورونا، وما تلاها من تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية، لتثقل كاهل مصر بالمزيد من الصعوبات الاقتصادية.
وتبرهن الهجمة الإلكترونية التي تستهدف الرئيس السيسي على أن خطر الإخوان لا زال قائما، مهما نجحت الدولة في القضاء على قدرات الجماعة أمنيا وسياسيا، لكن المعضلة في محاولة الثأر من النظام وإحراجه بكل الصور.
وتخشى بعض الأصوات المعتدلة من تجاهل الغضب الظاهر على شبكات التواصل الاجتماعي ضد الصعوبات المعيشية، وعدم الخوف من الانتقادات الكثيرة للسياسات الاقتصادية عبر الحساب الرسمي للرئيس السيسي شخصيا.
وأكد إكرام بدرالدين لـ”العرب” أن الحكومة الجديدة عليها تعزيز تماسك الجبهة الداخلية، وأن تعمل قدر المستطاع على تلبية مطالب الناس كي يستمر اصطفافهم خلفها في مواجهة التحديات، لأن هناك تيارات مناوئة تجاهد لتوسيع الفجوة بين الطرفين واللعب على وتر الظروف المعيشية.
ومن الحنكة السياسية أن تتعامل دوائر صناعة القرار داخل السلطة مع الغضب الراهن بالمزيد من التعقل ومراجعة علاقة الحكومة بالشارع في ظل عدم اكتراث شريحة معتبرة بتهمة التخوين والعمل لحساب تيارات معادية دأبت على توظيف الغضب لتحقيق مآرب سياسية مشبوهة.