يوم تنبأ ابن خلدون بانهيار إنتل

في عالم تتحكم فيه التكنولوجيا، التوقف، ولو لالتقاط الأنفاس، يعرضك للهزيمة أمام منافسيك.
الجمعة 2024/11/29
سباق محموم

من كان يصدق أن الشركة التي أطلقت حملة تسويقية ناجحة عام 1991 تحت شعار “إنتل إنسايد” (Intel Inside) لتصبح منتجاتها مرادفًا للجودة والابتكار والأداء العالي في عالم التكنولوجيا، ستتعرض للهزيمة أمام TSMC التايوانية وسامسونغ الكورية الجنوبية؟

كان الهدف من الحملة رفع وعي المستهلكين بعلامة إنتل التجارية. نجحت الحملة وأصبح شعار “إنتل إنسايد”، الذي يضمن وجود معالجات إنتل داخل الأجهزة التي يستخدمها المستهلك، رمزًا للتكنولوجيا الرقمية المتقدمة والأداء العالي.

بدأت إنتل في إنتاج الرقائق عام 1971 عندما أطلقت أول معالج دقيق تجاري، وهو إنتل 4004. هذا المعالج كان نقطة تحول كبيرة في صناعة الحوسبة، ومهد الطريق لتطوير معالجات أكثر تعقيدًا وقوة في السنوات اللاحقة.

سبقت إنتل سامسونغ بـ12 عامًا من الخبرة، وسبقت TSMC بـ16 عامًا، وهي فترة كبيرة لا يستهان بها مع فورة صناعة الحوسبة التي شهدها العالم.

ظن القائمون على حملة “إنتل إنسايد” بعد نجاحها أنهم كسبوا المعركة، وأن سيطرتهم على سوق الرقائق مضمونة لا يمكن أن يتحداها أحد. هذه القناعة بالتحديد أدت إلى تراجع إنتل وفقدان مركزها.

في تفسير صعود وهبوط إنتل، سيكون مفيدًا استحضار مؤسس علم الاجتماع ابن خلدون، وما قاله عن دورة حياة الدول والمجتمعات. فما ينطبق على المجتمعات والدول ينطبق على الشركات أيضًا.

يعتقد ابن خلدون أن الدول تمر بمراحل تبدأ بالقوة والعصبية، ثم تنتقل إلى الاستقرار والترف، وأخيرًا تصل إلى الانهيار. في المرحلة الأولى، تكون الدولة قوية بفضل العصبية والتكاتف بين أفرادها. في المرحلة الثانية، تبدأ الدولة في الاستقرار والتحضر، ويبدأ الحكام في الاستمتاع بالترف والرفاهية. في المرحلة الثالثة، يصل الترف إلى ذروته، ويصبح الناس معتمدين على الدولة، مما يؤدي إلى ضعف العصبية وفقدان القدرة على الدفاع.

اليوم، إنتل مهزومة فاقدة لقدرة الدفاع عن النفس، لذلك لجأت إلى الدولة لتقدم لها العون والحماية لإنقاذها من الانهيار والتلاشي.

إنتل التي انتشت بالنصر على منافسيها عام 1991، تأخرت في تبني تقنيات تصنيع متقدمة مثل تقنية 7 نانومتر، بينما كانت TSMC وسامسونغ تتقدمان بسرعة في هذا المجال، مما أدى إلى تفوقهما في إنتاج رقاقات أكثر كفاءة وأقل استهلاكًا للطاقة.

وارتكبت إنتل سلسلة من الأخطاء الإستراتيجية لاحقًا، مثل عدم الدخول بقوة في سوق معالجات الهواتف الذكية، مما أفقدها فرصة كبيرة للنمو في هذا القطاع الحيوي.

منذ بداية هذا العام، فقدت إنتل 50 في المئة من قيمتها السوقية، بسبب تأخرها عن منافسيها في سوق أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي، وأعلنت خططًا لتسريح 15 في المئة من قوتها العاملة كجزء من إعادة الهيكلة.

واليوم، تنتظر الشركة منحة نجاة من الحكومة بقيمة 8 مليارات دولار بموجب قانون CHIPS لدعم صناعة أشباه الموصلات في الولايات المتحدة.

في عالم تتحكم فيه التكنولوجيا، التوقف، ولو لالتقاط الأنفاس، يعرضك للهزيمة أمام منافسيك.

تأخرت إنتل عن اللحاق بتقنية 7 نانومتر ثلاث سنوات (التقنية ظهرت عام 2018 وإنتل دخلت على الخط عام 2021) وعجزت عن سد فجوة ثلاث سنوات. فهل تستطيع حكومة الولايات المتحدة إنعاشها على عكس ما تحدث ابن خلدون؟

18