يوسف عطال لاعب كرة جزائري تعاطف مع غزة فانزلق إلى زوبعة سياسية

ضحية حملة فرنسية شرسة استغلت اندفاعة عاطفية.
الأحد 2023/11/05
ظهير أيمن متميز لم يكف الاعتذار

كان منشور على الحساب الرسمي، ومشاركة تسجيل لأحد مشايخ فلسطين، كافيين للزج بلاعب كرة القدم الجزائري المحترف في فرنسا يوسف عطال، في دوامة انصهرت فيها حرية الموقف والقرار الشخصي، مع الموقف السياسي، خاصة وأن التجييش الذي شنته دوائر سياسية وإعلامية ذهبت إلى أبعد الحدود، الأمر الذي أثار ردود فعل في الجانب المقابل بدأ من داخل قبة البرلمان.

طالب برلماني جزائري من وزير الشباب والرياضة عبدالرحمن حماد، بضرورة التحرك الرسمي من أجل حماية لاعب المنتخب من الحملة الشرسة التي يتعرض لها في فرنسا، بعدما عبر عن رأيه الداعم للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، والمندد بالحرب المدمرة التي تشنها إسرائيل ضد سكان القطاع.

وجاءت الخطوة كرد فعل على الهجوم الذي يتعرض له اللاعب المذكور منذ منتصف أكتوبر الماضي، حيث نشر وشارك منشورا ومقطعا مصورا، “يؤيد المقاومة ويدين الاعتداء الإسرائيلي”، الأمر الذي كلفه موجة غضب أبانت عن مشاعر عنصرية وتمييزية، بين من طالب بتطبيق أقصى العقوبات الرياضية عليه، وبين من طالب بإحالة ملفه إلى القضاء بدعوى معاداة السامية.

بوكس

الظهير الأيمن المتميز لنادي نيس الفرنسي الناشط في الدوري الفرنسي، والمنتخب الجزائري، لم يكفه الاعتذار الذي أردف به مناشيره، فالآلة الفرنسية لم تتوقف عن حملة الشيطنة، التي بدأها عمدة المدينة، وتوسعت لتشمل نخبا سياسية وإعلامية، اعتبرت ما قام به اللاعب منافيا لمبادئ وقيم الجمهورية الفرنسية، وأن أمثاله لا مكان لهم في المجتمع الفرنسي.

واعتبر مهتمون بالشأن الكروي أن العقوبة التي سلطتها لجنة الانضباط في الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، القاضية بإبعاد يوسف عطال عن الملاعب سبع مباريات، جاءت مخففة مقارنة بشدة الحملة التي شنت ضده، ولو أن ظاهر العقوبة هو إمكانية العودة بداية من شهر ديسمبر القادم، إلا أنها ترهن مصير مشاركته مع منتخب بلاده في نهائيات كأس أفريقيا للأمم المقررة بكوت ديفوار، مطلع العام الداخل.

واعتبر مدونون على شبكات التواصل الاجتماعي أن حرية التعبير والرأي هي مجرد شعار يرفعه الفرنسيون والغرب عموما، حين يتعلق الأمر بالشعوب والدول النامية، أما حين يتعلق الأمر بمصالحهم وشراكاتهم فتصبح شيئا من الهامش، فمجرد تدوينة شحنت الشارع الفرنسي ضد لاعب كرة قدم، وحتى المظاهرات الشعبية المؤيدة للفلسطينيين والمنددة بالعدوان الإسرائيلي لا يتم الترخيص لها إلا على مضض.

مبالغة عطال

لكن آخرين لهم رأي آخر أكثر واقعية، كون اللاعب بالغ في المواقف، وأنه لم يراع الظروف والمحيط، خاصة وأن أمامه لاعبا أكثر وزنا ومكانة في الكرة الفرنسية والعالمية، يخوض سجالات مع نواب برلمانيين ومع وزير الداخلية جيرالد ديرمانان، بعدما ارتفعت أصوات تطالب بسحب الجنسية الفرنسية منه، واتهم بالانتماء إلى تيار الإخوان، ويتعلق الأمر بكريم بن زيمة، ذي الأصول الجزائرية.

◙ لاعب نيس الفرنسي لم يكفه الاعتذار، فحملة الشيطنة التي بدأها عمدة المدينة توسعت لتشمل نخبا سياسية وإعلامية
لاعب نيس الفرنسي لم يكفه الاعتذار، فحملة الشيطنة التي بدأها عمدة المدينة توسعت لتشمل نخبا سياسية وإعلامية

ووجد رياضيون من الجزائر والمغرب وتونس أنفسهم في أوضاع حرجة بسبب موقفهم الشخصي من قضية غزة، والسبب أنهم لم يراعوا الظروف المحيطة بهم، فأن تكون مناصرا للقضية الفلسطينية ومدينا لإسرائيل في بلد يتبنى الموقف ليس هو مثله أن تكون في بلد يتبنى عكس ذلك، ولذلك فإن الأمر سينقلب عليهم.

ورغم أن العقوبة الرياضية جاءت قاسية على يوسف عطال، وتمهد الطريق لفسخ عقده مع نادي نيس الفرنسي، خاصة وأن الإدارة الرياضية للنادي وللمدينة أبانت في تصريحاتها طلاقا بين الطرفين، ولو أن اللاعب مميز ويمكنه التوقيع في أي ناد آخر خارج فرنسا خلال الميركاتو الشتوي والصيفي، لكن الوضعية الحالية أدخلته في دوامة امتزج فيها الرياضي والسياسي.

ولم يتأخر رئيس بلدية نيس كريستيان إستروزي، والمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية في فرنسا، في التنديد بمقطع فيديو شاركه يوسف عطال، في حسابه على إنستغرام اعتُبِر معاديا للسامية ويدعو إلى العنف، قبل أن يقوم المعني بحذفه وتقديم اعتذاره.

وقال عمدة مدينة نيس، وهو شخصية سياسية نافذة ووزير للصناعة سابقا، وذو ميول داعمة لإسرائيل في تغريدة له، “نطلب من عطال عدم الانتظار لشرح موقفه وإلا سيطرد من نادي نيس، وإني أنتظر منه، إذا سمح لنفسه أن يتم استغلاله، أن يعتذر ويندد” بحماس. و”إذا لم يكن الأمر كذلك، فلن تكون له مكانة في نادينا”.

وتابع “يجب على الرابطات والاتحادات أن تكون منتبهة وشديدة بشكل خاص في مواجهة التعليقات، والسلوكيات التي تتعارض مع قيم الجمهورية”.

وأدان رئيس الاتحاد الفرنسي لكرة القدم فيليب ديالو ما أسماه بـ”دعوات العنف التي أطلقها اللاعب، لأنها تتعارض مع أخلاقيات رياضتنا والقيم التي تدافع عنها كرة القدم بلا كلل”.

وتابع “يدين الاتحاد الفرنسي لكرة القدم هذه الممارسات بأقصى درجات الحزم. لا يمكن قبول خطاب الكراهية، وأنه سيتم الاحتكام إلى مجلس الأخلاقيات في الاتحاد للنظر في المسألة”.

أما عطال، فقد علق “أعلم أن منشوري صدم العديد من الأشخاص، ولم يكن ذلك في نيتي وأعتذر عن ذلك، وإنني أريد توضيح وجهة نظري من دون أي غموض: أدين بشدة جميع أشكال العنف في أي مكان في العالم، وأنا أدعم جميع الضحايا”.

موجة الإسلاموفوبيا

◙ عطال قد يضطر إلى إنهاء الموسم الرياضي في بطولة الجزائر
عطال قد يضطر إلى إنهاء الموسم الرياضي في بطولة الجزائر

تحول الموقف من حرب غزة إلى مساءلة طالت الرياضيين العرب الناشطين في الخارج، حيث تعرض النجم المصري محمد صلاح إلى حملة قوية من طرف جماهير عربية طالبته بضرورة تبليغ رسائله للعالم الغربي، فهم يمثلون نماذج يحتذى بها في نواديهم وأصحاب كلمة مسموعة.

ورغم أن محيط صلاح حاول تدارك الموقف بالكشف عن تبرع اللاعب بمبلغ مليون دولار لفائدة سكان غزة، إلا أن الأصوات كانت أعلى من ذلك، لما طالبته بموقف وبكلمة، وأن الوقت ليس للمال.

وتعرض المغربي نصير نزرواي إلى حملة مشابهة في ألمانيا لتلك التي تعرض لها يوسف عطال، كما تم تهديد اللاعب الهولندي ذي الأصول المغربية أنور الغازي، بالطرد من ألمانيا بسبب تعاطفه مع غزة، في حين جهر نجوم آخرون بمواقف صريحة وجريئة في القضية، على غرار الجزائري رياض محرز، والفرنسي ذي الأصول الجزائرية كريم بن زيمة، ولو أن نشاطهما في الدوري السعودي يختلف عن وضع الناشطين في الدوريات الأوروبية.

وذهبت صحيفة “لوباريزيان” إلى أبعد الحدود في حملة استهداف عطال، حين نشرت في أحد أعدادها تقريرا مطولا، أشارت فيه إلى أن اللاعب “اكتشف الحياة العصرية لأول مرة في بلجيكا، وأن من بين الحوادث الطريفة في حياته، أنه لما كان لاعبا في كرتري البلجيكي لم يعرف استعمال البطاقة البنكية لأنه لم يملك أي واحدة منها في حياته”.

بوكس

ونقلت عن مسؤول في النادي الفرنسي قوله إن اللاعب الجزائري “نشأ في بيئة فقيرة ومنغلقة، وأنه معاد للسامية بالفطرة، إنه لم ينل أي تربية.. لقد كبر في جبال القبائل وسط الماعز، وفي أحياء تيزي وزو.. ربما هذا أعطاه القوة البدنية التي نشاهدها بالملعب، لكنها جعلته الشخص المتطرف الذي هو عليه اليوم”.

وكان مدربه الإيطالي فرانشيسكو فاريولي أكثر ليونة في التعاطي مع ما يتعرض له اللاعب في فرنسا، وقال بشأنه “في ما يتعلق بإيقاف عطال، أعتقد أن البيان الصحفي للنادي كان واضحا. وإذا كان بإمكاني أن أضيف شيئا، كإنسان وكأب، فهو أن ما نشهده الآن هو كارثة إنسانية حقيقية، باستثناء الإعلام والأديان. نحن، كرياضيين، من واجبنا إرسال رسالة سلام، رسالة قوية على أمل أن تنتهي هذه الكارثة الإنسانية في أسرع وقت ممكن”.

وأضاف فاريولي “يوسف فتى نحبه جميعا، وهو لاعب مهم. لكنني أكرر، كرياضيين، لدينا حقوق ولكن لدينا واجبات أيضا. البيان الصحفي للنادي كان واضحا جدا. هناك تحقيق جار، كل هذا يتجاوز الجانب الرياضي”.

الاعتذار غير مجد

يذكر متعاطفون مع عطال أن “مشكلة اللاعب مع الإصابات التي لازمته منذ مدة، وإلا كان الآن في أكبر النوادي الأوروبية بعيدا عن حملات التشويه والانتقام، وأن اللاعب يبقى مطلوبا في دوريات أوروبية وعربية كبرى، والأكيد أنه لن يندم على نادي نيس”.

وتفيد أصداء من المدينة بأن الضغط الممارس على النادي نيس يعود إلى الحادثة الإرهابية التي عاشتها العام 2016، حيث دهست شاحنة وقتلت 85 شخصا، وهو ما جعل بلدية نيس من أكثر المتشددين وحتى العنصريين.

ويرى هؤلاء أن “عطال في حاجة إلى وقفة تضامنية خاصة ورفع معنوياته، فلولا الإصابات التي لازمته لكان حاليا مع فريق كبير في دولة غير فرنسا، ولكانت نيس مجرد ماض في حياته، كما هي حاليا رين في حياة رامي بن سبيعيني، وحتى في حال إكماله لموسمه الكروي في الجزائر، فإن عطال عليه ألا يتأثر من هذه الحكاية الفريدة من نوعها في تاريخ الكرة الأوروبية”.

وخلال فترة وجيزة، انهالت على اللاعب الآلاف من التعليقات والإدانات من الأوساط المحلية الفرنسية، وتم توجيه تهم “الإرهاب والوقوف مع مسلحي حماس ومعاداة السامية”، الأمر الذي وضع اللاعب في موقف صعب خاصة مع ضغط ناديه الفرنسي، ويجهل إلى حد الآن إن كان فريقه سيكتفي بالعقوبة الرياضية، أم أن عقوبة جنائية ستلاحق اللاعب.

وقام المدعي العام في نادي نيس الفرنسي بتحويل ملف القضية التي فتحت باسمه إلى الشرطة القضائية في باريس، بتهمة “التحريض على الكراهية والعنف على أساس الدين والتعصب”.

وذكرت النيابة الفرنسية أنها قامت بإبلاغ رئيس بلدية نيس ومحافظ مدينة ألب ماريتيم، بتفاصيل الواقعة وبكافة التفاصيل والوثائق التي تتعلق بملف قضية السيد يوسف عطال، عقب نشره رسالة على وسائل التواصل الاجتماعي.

◙ الانزلاق إلى السياسة قد يذهب بأحلام اللاعب الجزائري
الانزلاق إلى السياسة قد يذهب بأحلام اللاعب الجزائري

 

7