يفرن ثاني أكبر مدن أمازيغ ليبيا تتنفس الصعداء بتدخل المجلس الرئاسي بعد "خريف الغضب"

حملت زيارة عضو المجلس الرئاسي الليبي عبدالله اللافي إلى مدينة يفرن الأمازيغية غرب البلاد رسائل تهدئة بالتأكيد على إنهاء المظاهر المسلحة، بعد توترات شهدتها المنطقة في الفترة الماضية وكانت تنذر باضطراب الوضع الأمني والتصعيد ضدّ سلطات طرابلس.
عاد الهدوء إلى مدينة يفرن الأمازيغية، ثاني أكبر مدن جبل نفوسة، غرب ليبيا، بعد “خريف الغضب”، وفترة الاحتقان التي رأى فيها المراقبون إنذارا باندلاع أزمة أمنية حقيقية بين المكون الأمازيغي والسلطات الحكومية في طرابلس.
واعتبر عضو المجلس الرئاسي عبدالله اللافي أن زيارته التي أداها الأربعاء، إلى مدينة يفرن، كانت مثمرة، وقال “أدينا زيارة مثمرة إلى مدينة يفرن، بحثنا خلالها الأوضاع العامة في المدينة، ولاسيما الوضع الأمني، في ظل التوترات التي شهدتها خلال الأيام الماضية، حيث التقينا عميد البلدية وعدد من عمداء بلديات المنطقة، وعدد من أعيان وحكماء المدينة بمختلف مكوناتها، بحضور معاون رئيس الأركان العامة، وعدد من المسؤولين العسكريين والأمنيين بالمدينة”.
وأضاف اللافي “أكدنا على إنهاء المظاهر المسلحة، والإفراج عن الموقوفين، والتنسيق بين الجهات الأمنية والعسكرية، لإنهاء حالة التوتر بما يعزز الحفاظ على النسيج الاجتماعي”، مشيرا إلى أن “الدور الذي قامت به كافة المكونات بالمدينة في الحفاظ على السلم الأهلي يستحق الثناء والتقدير”، مردفا أن “الزعماء المحليين أثبتوا أنهم أهل للكفاءة والمسؤولية، وأنهم قادرون على تجاوز أيّ تحدٍ يواجههم، وهم بالفعل مثال يحتذى به في الوحدة والتآخي”. وأوضح المجلس البلدي بيفرن أن “أهالي المدينة عبروا للاّفي، ومعاون رئيس أركان قوات المنطقة الغربية، صلاح النمروش، عن رفضهم لتواجد أيّ تشكيلات مسلحة”.
وقال عضو المجلس البلدي، سعيد بوقصيعة إن “الأهالي في يفرن عبّروا عن رفضهم لتواجد أيّ تشكيلات مسلحة داخل المدينة، وتم الاتفاق على تشكيل فريق من الأعيان بالجبل والساحل برعاية اللافي للتواصل مع الأطراف المعنية”، مردفا “أكدنا منع القبض على المتظاهرين بناء على الهوية أو المشاركة في الأحداث الرافضة للتشكيلات”، فيما أكد اللافي أن “المجلس البلدي هو الجهة الشرعية التي يجب التنسيق معها داخل المدينة”.
وقد اقترح المجلس البلدي عقد اجتماع يضم وزارتي الحكم المحلي والداخلية بحكومة الوحدة مع ممثلي الجبل لإنهاء الأزمة، وفق تصريحات بوقصيعة الذي عبر عن استغرابه من عدم تواصل حكومة الوحدة الوطنية مع السلطات المحلية للاستفسار عن المشكلات والأحداث القائمة .
وبحسب بوقصيعة فقد تم الاتفاق مع اللافي على الإفراج عن المقبوض عليهم والمخطوفين، بشأن الأزمة الواقعة في البلدية، وعلى تشكيل لجنة ستتعامل مع أزمة القبض على الهوية وحل مشكلة مديريات الأمن وسيتم عقد اجتماع مع عمداء بلديات المنطقة ووزير الحكم المحلي ووزير الداخلية للاتفاق على رأي ينهي الأزمة بصورة نهائية.
◙ المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان أعلنت أنه تم رصد وتوثيق 16 حالة اختطاف تعرّض لها عدد من سكان مدينة يفرن
وأكدت أوساط مطلعة من طرابلس أن رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي هو الذي كان سينتقل إلى مدينة يفرن، وقد تم إعلام السلطات المحلية بذلك، لكنه تراجع عن قراره في اللحظة الأخيرة نزولا عند توجيهات من وزير الداخلية المكلف عماد الطرابلسي والمستشار السياسي للحكومة إبراهيم الدبيبة، وكلف اللافي بالاتجاه بدلا منه إلى جبل نفوسة.
وقال الدبلوماسي السابق والمحلل الاقتصادي إبراهيم قرادة، إن “كل التطورات الخطيرة جاءت بعد نجاح المظاهرة الشعبية الحاشدة العفوية السلمية لسكان يفرن يوم الخميس 24 أكتوبر الماضي، والتي حظيت بتغطية وتقدير عام في كل ليبيا، باستثناء بعض الأصوات التي سوقتها بأنها مظاهرة تحريضية غير مرخص بها، متناسية أنها مظاهرة عفوية وسلميّة ومدنية، حافظت على سلميتها رغم إطلاق الرصاص وحدوث إصابات – والتي لولا الحكمة الشجاعة لانحرفت (لا قدر الله) – فالحكمة شجاعة أكثر من التهور”.
واعتبر قرادة أن “المنتظر عاجلا هو أن يتفهم وزير الداخلية المكلف الواقع المعقد ويسحب أو يجمّد قراره، وأن يتدخل رئيس الحكومة بحزم لمعالجة مسألة المديريات في الجبل، لأن مسألة مديريات الأمن لا تخص الداخلية وحدها بل معها وزارة الحكم المحلي والجيش والتجارة الخارجية والأجهزة الأمنية، أي أنها موضوع يخص مجلس الوزراء مجتمعاً، وبعد التشاور مع السلطات المحلية والأعيان، وبعد دراسة مجتمعية قبل الدراسة الشرطية”.
وأعلنت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان، في بيان لها، أنه تم رصد وتوثيق 16 حالة اختطاف، تعرّض لها عدد من سكان مدينة يفرن من قبل عناصر المنطقة العسكرية الغربية. وتابعت أن من بين المختطفين: عضو المجلس البلدي لمدينة يفرن ميلود سليمان أبودية، وعضوا مجلس الأعيان الظاهر أحمد الحاج، وسالم عمر تواوة، وسيارة إسعاف يوجد بها شخصان.
وقد توجهت المؤسسة إلى النائب العام للدولة والمدعي العام العسكري بدعوى لفتح تحقيق في ملابسات الأحداث المؤسفة التي شهدتها المدينة، واستجلاء ظروفها وأسبابها وما ترتب عليها، ووقف أعمال العنف والتوترات الأمنية التي تشهدها المدينة جراء أعمال العنف، والتصعيد التي يقوم بها آمر المنطقة العسكرية الغربية، ومدير مديرية أمن وسط الجبل التابعة لوزارة الداخلية، وضمان الحفاظ على الأمن والسلم الاجتماعي والأمن والاستقرار الوطني بمناطق الجبل الغربي، وضمان الكشف عن مصير المختطفين، وإطلاق سراحهم، وملاحقة المتهمين المتورطين في ارتكاب هذه الجريمة.
والأسبوع الماضي، أصدر مجلس أعيان وحكماء مدينة يفرن، بمشاركة عدد من الأهالي ومؤسسات المجتمع المدني، بيانا عبّروا فيه عن رفضهم التام لوجود مظاهر مسلحة في المدينة، والتي دخلت وتمركزت دون تنسيق أو علم من المجلس البلدي ومجلس الأعيان والحكماء، وخرج السكان المحليون في مظاهرة سلمية للتعبير عن رفضهم لوجود هذه التشكيلات العسكرية، وتحريك الوحدات العسكرية، وهو ما قابلته التشكيلات التابعة للمنطقة العسكرية الغربية بإطلاق أعيرة نارية باتجاه المتظاهرين، مما أسفر عن إصابة عدد من المحتجين، وأثار حالة من الذعر بين المدنيين والأهالي.
◙ المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا أدان دخول التشكيلات المسلحة إلى مدينة يفرن مؤكدا دعمه الكامل لمطالب أهالي المدينة
كما تفاجأ أهالي يفرن بحملة اعتقالات طالت أفرادا على أساس الهوية، من بينهم أعضاء في المجلس البلدي ومجلس الأعيان والحكماء، بالإضافة إلى عدد من الأهالي، فيما حمّل المجلس حكومة عبدالحميد الدبيبة والمجلس الرئاسي المسؤولية الكاملة عمّا يتعرض له أهالي المدينة على يد عناصر المنطقة العسكرية الغربية، إلى جانب ما يعرف بمديرية وسط الجبل، مؤكدين متابعتهم للأحداث وتحذيرهم من تداعيات هذه الإجراءات.
من جانبه أدان المجلس الأعلى لأمازيغ ليبيا دخول التشكيلات المسلحة إلى مدينة يفرن مؤكدا دعمه الكامل لمطالب أهالي المدينة والحكماء بإخراج التشكيلات المسلحة، ووصف هذه الخطوة بأنها محاولة لتوسيع دائرة نفوذ أطراف الصراع في ليبيا محذرًا في ذات الوقت من أيّ تحركات “للميليشيات القبلية” داخل المدن والبلديات، معربا عن رفضه أي “تقسيمات عسكرية أو أمنية ذات طابع قبلي”، داعيا المجلس الرئاسي بصفته القائد الأعلى إلى سحب التشكيلات المسلحة من يفرن ووقف أيّ تحركات عسكرية للحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة.
ويرى مراقبون أن الخلاف لا يزال قائما، وأن المسكنات لم تعد مجدية في ظل استمرار تناقض المواقف والرؤى بين السلطات الحكومية في طرابلس والقيادات الأمازيغية في جبل نفوسة وكذلك في زوارة، لاسيما مع استمرار المواجهات المفتوحة بين وزارة الداخلية والقيادات المحلية للأمازيغ، وما تحمله من أبعاد سياسية وقبلية ومناطقية، ومحاولات السلطات المركزية احتواء تطلعات الأمازيغ والحؤول دون الدفاع عن حقوقهم المشروعة.
ويشير المراقبون إلى أن الاحتجاجات التي شهدتها يفرن أكدت رفض الأمازيغ إخضاع مدنهم ومناطقهم لسيطرة أيّ ميليشيا ت مسلحة دخيلة، أو إجبارهم على قبول قرارات مسقطة من قبل وزارة الداخلية ومنها دمج عدد من مديريات الأمن في جبل نفوسة وتقسيمها إلى ثلاث مديريات تابعة لغريان ونالوت والرياينة وهو ما أثار غضب الأمازيغ الذين اعتبروا أن القرار يستهدف النسيج الاجتماعي لمنطقة الجبل الغربي.