ياسمينة خضرا.. جزائري اختار أن يكون أديبا على أن يكون جنرالا

امتلاك مفاتيح العالمية لا يمر حتما على قضايا الحريات.
السبت 2022/07/30
تجربة ثرية

ظل محمد مولسهول يخفي هويته وموهبته في الكتابة والتأليف الأدبي، وكان انتماؤه للمؤسسة العسكرية يلزمه بالتحفظ والانضباط، فالإبداع الأدبي لم يكن ضمن تقاليد المؤسسة، لذلك اختار لشخصيته اسم ياسمينة خضرا، تيمنا بزوجته التي وقفت خلفه في بدايات مسيرته الإبداعية، ولما كان الاختيار حاسما في حياته، فقد اختار أن يكون أديبا على أن يكون جنرالا في الجيش.

لا زالت جولة الأديب العالمي ياسمينة خضرا في بلاده، تثير اللغط والجدل في الأوساط الأدبية والإعلامية، على خلفية تصريحاته التي فتحت المجال أمام حزازات بين الفاعلين في المشهد الأدبي والإبداعي، فكانت جملة بسيطة منه كفيلة بأن تشق الساحة إلى خصوم وأنصار، وإلى اهتمام غير مسبوق بالشأن الأدبي الجزائري.

ويقول أنصاره إن ياسمينة خضرا امتلك مفاتيح المرور إلى العالمية، فهو الأديب الجزائري الوحيد الذي ترجمت أعماله إلى عشرات اللغات، وصاحب الجمهور الأدبي في أفريقيا وأميركا وأوروبا، عكس بلاده ومنطقته المغاربية، ويملك ملايين القراء في عدة قارات وبلدان ودولة تشاد إحداها.

أما منتقدوه فيرون بأن الرجل جزء من نخبة أدبية جزائرية تصنع في المهجر من أجل أداء رسالة معينة، على غرار بوعلام صنصال وكمال داود، الذين يشتغلون حسبهم على تبييض صورة الاستعمار وربط الدين الإسلامي بالتخلف والتطرف والإرهاب، وأن ما أتيح له كمنصب مدير المركز الثقافي الجزائري بباريس، لا يمكن لأديب يكتب بالعربية أن يحلم به.

نجاح غير مفهوم

ياسمينة خضرا يعدّ الأديب الجزائري الأبرز الذي تُرجمت أعماله الى عشرات اللغات، وجمهوره واسع في قارت العالم
ياسمينة خضرا يعدّ الأديب الجزائري الأبرز الذي تُرجمت أعماله الى عشرات اللغات، وجمهوره واسع في قارت العالم

وبين تجربة مفعمة وثرية بالأعمال الروائية، تحالفت مع أسرار نجاح غير مفهومة، يعتقد ياسمينة خضرا، أنه الروائي الذي حقق للأدب الجزائري والعربي فتوحات غير مسبوقة، وإن هو كتب باللغة الفرنسية، فقد اعتنق الروح الإنسانية، فهو له فرنسيته الخاصة التي ليست كفرنسية من أبدعوا بها من فرنسيين وغير فرنسيين، لكنّ آخرين يطالبونه بالنزول من الشجرة، فالغرور لا يبني التجارب الرائدة، ومهما كان فقد سبقه أدباء وكتاب جزائريون وعرب فتحوا أبواب العالم أمام الأدب الجزائري أو العربي.

لم يحدث أن استفز المشهد الأدبي في الجزائر، كما استفزه ياسمينة خضرا، بتصريحات تباينت حولها المواقف وردود الفعل، بين مهلل للفاتح الأدبي الجديد، وناقد لغطرسة رجل يرى الناس من فوق، وفوق ذلك أحيا جدلا مزمنا اختفى منذ سنوات بين ما يعرف بالمعربين وبين الفرانكفونيين، حيث سرعان ما ظهر تخندق آلي لكل طرف في خندقه.

جولة ياسمينة خضرا في بلاده لا تزال تثير اللغط والجدل في الأوساط الأدبية والإعلامية، على خلفية تصريحاته التي فتحت المجال أمام حزازات بين الفاعلين في المشهد الأدبي والإبداعي

وتصاعد السجال حول مصطلح العالمية، حيث تصدرت مساهمات الأدباء والمهتمين وآراؤهم مساحات واسعة في الصحف والمواقع الإلكترونية، لكن السجال أخذ في الغالب طابعا سطحيا ولم يدخل في عمق الأفكار والقضايا التي عالجها الرجل في أعماله الروائية، فإذا لاحق الإرهاب والتطرف الديني من الجزائر إلى أفغانستان ومرورا بالعراق، وعاش لحظات القائد الليبي معمر القذافي قبل سقوط نظامه وسقوط ليبيا معه، وحتى حتمية السلام بين العرب والإسرائيليين، فإن منتقديه لم يشيروا في مواقفهم إلى ما يقيم الحجة بعكس ذلك.

صحيح أن ياسمينة خضرا امتلك مفاتيح العالمية وسر المرور إلى الآخر، ويبقى أحد رموز النخبة الأدبية الجزائرية والعربية التي أبدعت بغير لغتها الأصلية، لكن كان الأجدر بخصومه طرح الإشكالات التي طوقت الأدب والأدباء العرب المعربين في الجزائر وغيرها، وجعلتهم حبيسي أدراج حدودهم، وفي أحسن الأحوال ترجمة هنا ومعرض هناك وجمهور يعد على الأصابع خارج أوطانهم.

ويقول الكاتب والإعلامي خالد حسن ”حاولت البحث عن سر الاحتفاء الفرنسي بالروائي المدعو ياسمينة خضرا، فما وجدت إلا موضوع الإرهاب الذي رهن فيه تجربته الروائية، فأكثر رواياته عن الإرهاب أو موضوع قريب منه، وهذه عناوين بعضها ‘بما تحلم الذئاب’ و’سنونوات كابول’ و’أرواح الجحيم’، ورواياته، في مجملها، تعيد إنتاج الأنماط الذهنية والنفسية الدعائية المكرورة دون أن تقدم جديدا أو تتسلح بجرأة الخيال وتتوغل في مناطق أخرى غير فكرة الثنائية المائعة المبتسرة”.

ويضيف حسن “ظل يلاحق الظاهرة من الجزائر إلى أفغانستان إلى العراق إلى فرنسا وبلجيكا وحتى فلسطين المحتلة، من دون سبر ولا تمييز ولا غوص في الأعماق ولا عن جذورها وبيئتها الحاضنة ودوافعها وأسبابها، ولم ير احتلالا ولا استبدادا، ولم ير من التطرف إلا ما كان شرقيا، أما إرهاب الغرب فهذا محجوب عنه، يعالج الظاهرة بمنطق العسكرة وعقل بوش ولسان رامسفيلد، ومفتون بفرنسا، فكافؤوه بنفخ واحتفاء”.

سجال لم يرق إلى العمق

الأفكار والقضايا التي يعالجها ياسمينة خضرا في أعماله الروائية تلاحق الإرهاب والتطرف الديني من الجزائر إلى أفغانستان ومرورا بالعراق، ولحظات القذافي قبل سقوط نظامه، وحتى حتمية السلام بين العرب والإسرائيليين

لكن ما ذنب الروائي في كل ذلك إذا حاول الخوض في مسائل من زوايا معينة، خاصة وأن البيئة واللغة هي فواعل أساسية في تنشئة الإنسان بشكل عام، فقد كان يتمنى في صغره، حسب تصريحاته أن يكون شاعرا كبيرا كالمتنبي، لكن أستاذ اللغة العربية لم يرافقه ولم يدعم تجربته، بينما كان أستاذ اللغة الفرنسية سنده في رسم معالم تجربته، ولذلك كانت النتيجة موافقة للأسباب.

ومع ذلك لم تتسن ملامسة الصورة التي يحملها جمهور ياسمينة خضرا، الذين يقرأون المجتمعات العربية عبر رواياته المفككة لظواهر الإرهاب والتطرف وتبييض صورة الاستعمار وإحلال السلام في جوهر صراعات الشرق الأوسط، وهل بإمكان ذلك الجمهور في أوروبا وأفريقيا وأميركا، أن يقف على حجم الاستبداد والقمع وتغييب الحريات من طرف الأنظمة الحاكمة في المنطقة.

يتبنى ياسمينة خضرا رواية المستبد والمحتل حسب منتقديه، ويفسر التاريخ القريب على ضوء كتابة الغربيين له، وكأنه لا يحق لنا أن نفسّره ولا أن نفهمه ولا أن ندخل تعبيراتنا وتوصيفاتنا إليه ولو كنا نتحدث عن أنفسنا، فهم الأحق بإطلاق الألقاب والأوصاف دائما، فهذا الروائي لا يرى فينا إلا مستضعفين ومغلوبين ويجب أن نبقى كذلك، وليس لنا حق الفهم، لأن المحتفين به قرروا أننا مغلوبون تابعون، والمغلوب ليس له أن يخرج من دائرة المغلوبية أبد الدهر.

 للقاتل الغازي حق تفسير الأحداث وتعريف المصطلحات باستقلالية تامة، وعلى المغلوب ترديد صدى الموقف والفكرة، فهم الأصل، ولهم القول صناعته وتوجيهه، والآخرون الصدى. ويوم يقوم أيّ مجرم قادم من عالم الغرب، سواء أكان مسيحيا أم يهوديا أم ملحداً، فلا يصح ولا يجوز نقده ولا محاكمته، ومهما قام به من إرهاب خالص فيجب اعتباره عند المغلوبين متحضِرا ومحررا ويعمل على خير العالم وقبح الشر الإسلامي، ”حتى يوم يبيد الأطفال في سوريا ويدمر البلاد، أو يقتل نصف مليون طفل عراقي فجرائمه مبررة، كما أشارت مادلين أولبرايت وزيرة خارجية أميركا عن موت نصف مليون طفل عراقي“ حسب خالد حسن.

نخبة الإقرار بالهزيمة

منتقدو ياسمينة خضرا يرونه جزءاً من نخبة جزائرية مهمّتها تبييض صورة الاستعمار وربط االإسلام بالتخلف
منتقدو ياسمينة خضرا يرونه جزءاً من نخبة جزائرية مهمّتها تبييض صورة الاستعمار وربط االإسلام بالتخلف

البعض يراه نموذجا للثقافة الانهزامية، لكن تغيب عن هؤلاء قرينة الحرية وحق الاختلاف ورؤية الأشياء من زواياها المختلفة، فقد أضاع العرب عقودا في خطاب العنتريات بمختلف تجلياتها وهاهم الآن يتجرعون مرارة الواقعية، وهي الواقعية التي أسست لها نخب مختلفة ظلت محل شيطنة حتى في القرن الحادي والعشرين من طرف فلول الفكر التقليدي.

وللناشر والروائي بشير مفتي، رأي آخر في المسألة، حيث قال في مقال له إنه لا يعتقد أن”أيّ كاتب جزائري لا يفخر بالكاتب ياسمينة حضرا وما حققه من نجاح وتفوق باللغة الفرنسية، وملابسات نجاحه في فرنسا مرتبط بكونه كان يكتب باسم مستعار، لأنه كان ضابطا عسكرياً ويكتب عن فترة الإرهاب روايات بوليسية شيقة قبل أن ينتقل للعيش في فرنسا ويكشف عن نفسه، وكان ذلك بمثابة اكتشاف جديد يثير الفضول والرغبة في التعرف عليه، وكلنا يعرف أن تلك الفترة التي لمع فيه نجمه كانت الجزائر حدثا دوليا مهما وكانت دور النشر تتهافت على الاعمال الجزائرية التي تكتب في هذا السياق والموضوع”.

لقد عرف ياسمينة خضرا كيف يتكيف مع تحول الحدث من الجزائر إلى العراق فكتب رواية عن صفارات بغداد، وأخرى عن أفغانستان، وأخرى عن القذافي، حتى أنه أصبح كاتب الحدث بامتياز.

يمتلك قدرة رائعة على السرد والتشويق وبناء الحكايات والقصص وهذا ما جعله كاتبا للجمهور الكبير، ومن عادة كتاب الجمهور الكبير ألاّ تكون نظرة النقاد إليهم نظرة مطمئنة، فهم يرونهم أقل درجة من الذين يبنون عالمهم خارج المناسبات والسياقات والأحداث.

ويبدو أن الجمهور الجزائري والعربي عموما، لا يزال بعيدا عن معرفة تفاصيل شخصية ياسمينة خضرا وأفكاره، فإبداعاته الروائية لم تكشف كل شيء إلى حد الآن، وإلا ماذا أراد أن يقول الرجل حين أعرب خلال السنوات الماضية عن نيته في الترشح لرئاسة الجزائر، إلا أنه أخفق في تحقيق شروطها منذ البداية في جمع العدد الكافي من أوراق الاكتتاب.

وعندما سئل عن المسألة رد باقتضاب ”كنت أريد أن يعيش الجزائري حياته بشكل عادي”، وهي جملة حملت الكثير من الدلالات والرسائل، لكنه لم يخض أكثر في قضية الصدمة أو المرارة لدى احتكاكه الأول بذلك الجزائري الذي لم يمنحه حتى العدد الكافي من أوراق الاكتتاب.

وفوق ذلك انتقد تنحيته من إدارة المركز الثقافي بباريس، ولم يقل أكثر من ذلك بشأن الوضع العام في البلاد، فهل كان ضرره الشخصي أكثر ايلاما له مما تعانيه البلاد والشعب من تخلف وفشل واستبداد، وماذا كان سيقدم الروائي للجزائريين لو كان رئيسا لهم؟

12