ياسر مدخلي: المسرحيات المترجمة لا تعكس قضايا المجتمع ولا هويته الثقافية

يبقى المسرح من أكثر الفنون ارتباطا بالمجتمع، فهو ليس فنا فرديا بداية، ثم هو مرتبط أساسا بالجمهور، والجمهور مجتمع في النهاية، وللمجتمع متطلباته، لذا يتصدى المسرح للكثير من القضايا الاجتماعية والسياسية والفكرية وغيرها، في تفاعل خلاق بينه وبين جمهوره. “العرب” كان لها هذا الحوار مع الكاتب والمخرج المسرحي ياسر مدخلي نتعرف على مسيرته ورؤاه وأفكاره في المشهد الثقافي السعودي عامة والمسرحي خاصة.
يجمع الكاتب والمخرج المسرحي السعودي ياسر مدخلي بين العمل في العديد من المجالات أبرزها النشاط الثقافي العام ككاتب وسيناريست في مجال الدراما التلفزيونية والسينمائية والمسرحية، حيث قدم العديد من الأعمال داخل السعودية وخارجها مع مخرجين وفنانين محترفين وفي محافل ثقافية متنوعة، وحصل من خلالها على جوائز محلية ودولية، كما أنه مؤسس مسرح وفريق محترف “كيف” وكذا هو مؤسس ورئيس تحرير مجلة المحترف المتخصصة في المسرح والفنون الآدائية، ومخرج ومؤسس الفرقة الاستعراضية “افتح يا سمسم” الكويتية، والمتحدث الإعلامي ومشرف محتوى “مسرح السعودية”، ويشرف على “منتدى المسرح” بنادي جدة الأدبي، هذا فضلا عن عمله بالمجالات التعليمية والرقابية والإدارية والقانونية كونه حاصلا على درجة الماجستير في الدفاع الاجتماعي وحقوق الإنسان.
الجمهور مجتمع
بداية وحول حصوله على باكالوريوس اللغة العربية وآدابها، ثم اتجاهه في دراساته العليا الدبلومة ثم الماجستير إلى البحث الاجتماعي وحقوق الإنسان وعدم الاتجاه لدراسة المسرح أو أي من الفنون والآداب، يقول ياسر مدخلي “كان الحافز الرئيسي للانضمام إلى برنامج الدراسات العليا في البحث الاجتماعي هو اهتمامي بالبحث العلمي في المسرح باعتبار أن الجمهور مجتمع، وكان مشروعي البحثي في دراستي الأكاديمية بعنوان المسرح والمجتمع بين الأهمية والأثر. وكوني مؤمنا بجدية المسرح في الدفاع عن القيم والحقوق الإنسانية، كانت النزعة الحقوقية قد غلبت في نفسي الراغبة في الانضمام إلى مسار الدفاع الاجتماعي وحقوق الإنسان في مرحلة الماجستير. وللأسف لم تكن لي فرصة الدراسة ضمن أحد المعاهد والأكاديميات الفنية المتخصصة، ولكن كان لي الحظ الوفير في مرحلة البكالوريوس بدراستي للمسرح كواحد من فنون الكتابة الإبداعية في تخصص اللغة العربية وآدابها”.
الدور الطبيعي للمسرح كقوة ناعمة هو عكس الحالة الاجتماعية وطرح القضايا التي تنير الطريق نحو التماسك والتعايش
ويلفت مدخلي إلى أن أول نص كتبه مثل فيه وأخرجه، ولكن ارتباطه بالأفلام والمسلسلات ليس وثيقا كارتباطه بالمسرح، حيث بدأ كتابة السيناريو في فترة الجامعة وهي واحدة من فنون التحرير الكتابي ونظرا إلى قربه من كتابة المسرح أحب الاطلاع أكثر على سيناريوهات عديدة، وقام بدراستها شخصيا وممارسة تطبيقات عليها ومنها نموذج كتابة مسلسل “friends” الذي أضاف له كثيرا في كتابة النص المسرحي المتلفز من خلال كتابة مشتركة مع صديقه الكاتب محمد بحر، وله أيضا تجربة في تحويل رواية “العصفورية” لغازي القصيبي إلى فيلم، وعدد من الأفلام القصيرة التي لم تدخل حيز الإنتاج. وكان لوجوده ضمن مهرجان السينما الخليجية بباريس أثر كبير في التعامل مع الوسط السينمائي بشكل فاعل.
ويشير مدخلي إلى أن دراسته للمجال الاجتماعي وعمله في مجالات مختلفة إدارية وتعليمية ورقابية وقانونية وكمؤلف ومخرج مسرحي وكاتب وسيناريست أفلام ومسلسلات، مثلت زخما رفده بالكثير من التجارب، ويقول “هذا الزخم يجعل من الكاتب ذا فهم أوسع للحياة وإدراك أكثر شمولية للمجتمع إذ تعطي التجربة الذاتية عند الكاتب فرصة التعرف على مجالات أكثر تمكنه من ملامسة وجدان الناس وعكس اهتماماتهم ومناقشة قضاياهم”.
ويضيف أن “الفن المسرحي يشعل شرارته الأولى من المجتمع، فيتلقى المؤلف الحافز للكتابة والبحث وتكوين الرأي وتداوله وفهم تنوعهم واختلافاتهم، والبحث الاجتماعي وحقوق الإنسان مجالات تتقاطع مع الهم الإنساني وتغذي الأفكار بالاهتمامات التي يجب أن يركن لها الكاتب ويستوعبها عندما يكتب للمسرح لأنه صوت الناس وصدى آلامهم وتغريد أحلامهم”.
ولفت مدخلي “من هواياتي بجانب الكتابة الرسم والتشكيل والخط العربي وعندما أكتب نصا أتخيل أجواءه وطقوسه، لأن العمل السينوغرافي أحد المعطيات التي يمكن للكاتب تضمينها في النص، وهذا يجعلها ضمن نسيج مخيلته التي تفرز عناصر النص ومشهديته، وحدث أن قمت بسينوغرافيا مسرحية ‘عميان‘ وحصلت نظير ذلك على الجائزة”.
النهوض بالمسرح
يرى مدخلي أن وضع المسرح السعودي لا يختلف كثيرا عن نظرائه في المسرح العربي وبرغم انعدام الأكاديميات وقلة الفضاءات للعروض والفرق، إلا أنه في السعودية أثبت تميزه وجدارته وهو بحق يحتاج إلى تأسيس كيان مستقل به يدعم البنية التحتية له ومعاهده وترخيصه ورقابته ليكون معززا لمبدعيه وجامعا لهم ومنظما لأنشطتهم، وباحثا في عطائهم.
ويعلن مدخلي عن تفاؤله بإطلاق إستراتيجية وزارة الثقافة قائلا “برغم أن الرؤية لم تتضح بعد في ما يتعلق بالمسرح إلا أني متفائل بالانتقال لمنطقة العمل المتخصص والمؤسس الذي قد ينسجم مع تطلعات المسرحيين ووجود وزارة الثقافة كجهاز حكومي يؤكد أن هناك توجها مدروسا نحو مسارات مهمة تستهدف مجالات متنوعة كالمسرح الذي نتمنى أن نراه من خلال مبادرات الوزارة محققا تطلعات المثقفين واحتياجات المجتمع، وترسم صورة حضارية تليق بالعمق الثقافي والتراثي للسعودية”.
ويؤكد أن اتجاه أغلب المنتجين إلى النصوص التي يكتبها غير السعوديين بأسباب إنتاجية لها علاقة بالتكاليف المالية والعلاقات، وهذا يقلل من دور الكاتب السعودي ويسيء للمنتج لأن النصوص المستوردة لا تعكس تفاصيل المجتمع وهويته فيكون العمل الفني هزيلا سطحيا. ونرى ذلك جليا في الكثير من الأعمال التلفزيونية والمسرحية التي فقدت مصداقيتها وهويتها وبذلك فقدت القدرة على التواصل مع المشاهد.
ويشدد مدخلي على حاجة السعودية لمسارح ومسارح متقدمة ومتطورة، قائلا “يمكن التعويض عن أي نقص بإتاحة الفرصة للفرق للاستفادة من فضاءات متعددة مثل المراكز التجارية والحدائق والفنادق وغيرها من المرافق الحكومية والأهلية لتفعيلها وتنشيطها، وليست المباني وحدها كافية للنهوض بالمسرح؛ فالنهضة المسرحية جوهرها الفكر والمضامين التي تطرق في النصوص وتطرح على خشبات المسارح، وكذلك المعاهد والأكاديميات والملتقيات النقدية والمهرجانات وتعليم المسرح في المدارس وتنشيطه أيضا في بيئة التعليم”.
ويؤكد الكاتب أن الاحتكاك بحد ذاته بين المسارح محليا وخليجيا وعربيا ودوليا مهم ويضيف للمبدع الكثير من الخبرات والتجارب ويجعله منفتحا على الأساليب والأفكار المختلفة وقابلا للتطوير. وقد توفرت الفرصة أكثر أخيرا لتبادل التجارب الخليجية واحتكاكها ببعض فنجد مثلا النص المسرحي السعودي ينفذ في سلطنة عُمان والمخرج الكويتي يُنفذ عملا بحرينيا، وليس على مستوى الكتابة والإخراج فحسب، بل حتى التمثيل وأكثر من ذلك، وخير مثال نراه أمامنا الآن المسرح الإماراتي الذي قدّم فرصا عدّة لجميع المسرحيين الخليجيين في أعمال ومهرجانات مختلفة على رأسها مهرجان المسرح الخليجي.
القوة الناعمة
يلفت مدخلي إلى أن الدور الطبيعي للمسرح وهو عكس الحالة الاجتماعية وطرح القضايا التي تنير الطريق نحو التماسك والتعايش وتعزيز الهوية بكافة ملامحها وتوعية النشء بأهمية الولاء للأوطان والإخلاص لمقدراتها والمحافظة على مكتسباتها.
وعن تأسيس أسلوب “مسرح كيف” وفريق محترف كيف للفنون المسرحية، يوضح “أسلوب مسرح كيف بدأت به تزامنا مع تأسيس الفريق من خلال عروض مسرحية تهتم بشكل رئيس بالمتلقي أثناء صناعة العرض وهي عبارة عن صيغة لتصميم التجربة المسرحية تمكّن المخرج/الباحث من قياس الفرضيات والبحث في تساؤلات تمكنه من فهم المتلقي واحتياجاته وهمومه وأيضا التعامل مع التقنيات والقضايا المواكبة على حد السواء”.
ويؤكد مدخلي أن “مشروع ‘مسرح السعودية’ الذي يشرف على محتواه يهدف إلى تمكين الكادر السعودي على مستوى التمثيل والكتابة والإخراج والمهام الفنية الأخرى التي تشارك في صناعة العرض المسرحي كالديكور والماكياج والإضاءة والصوت وغيرها، فهذه الكوادر هي القادرة على صناعة الفن السعودي بشكل يشبهنا ويعزز قيمنا ويمكن القوة الناعمة من المساهمة في رسم الملامح الثقافية والفنية والحضارية لكيان الإبداع الوطني. لذلك عندما خططنا لهذا المشروع في نوفمبر 2017 مع المنتج الأستاذ عدنان كيال، كان الهدف الأول منه رعاية المواهب ورفد الساحة الفنية بطاقات مبدعة من شباب وشابات يمكنهم سد حاجة السوق السينمائي والمسرحي، وبدأنا في تمكين الموهوبين والموهوبات من فرصة الصعود على خشبة المسرح وبتدريبهم على الارتجال والعمل بشكل مشترك في صناعة المحتوى وكتابة أدوارهم والظهور على المسرح والشاشة”.
وحول ندرة فرق وعروض مسرح العرائس (الدمى) في السعودية يقول مدخلي “قمنا في محترف كيف للفنون المسرحية بعروض لمسرح الظل ومسرح العرائس منذ 2009، بالتعاون مع جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ‘كاوست‘ والتي دعمت مشروعنا وأصبحنا قبلة لكل الباحثين عن مسرح العرائس، حتى استطعنا تقديمه ضمن مبادرات مسك الخيرية التي كان لها دور كبير في دعم فريقنا في جدة التاريخية والرياض”.