ياسر العظمة نجم كوميدي تجاوز حدود العلاقة بين الممثل والمشاهد

"عوني الناكش" الذي لم يستثن أحدا من نقده اللاذع.
الثلاثاء 2022/08/23
العظمة صنع أذواق الملايين من المشاهدين

الجميع يبحث عن أخبار الفنان الكوميدي السوري القدير ياسر العظمة، وهو الحذر والدقيق في خياراته الفنية، أثبت حضوره في المسرح والدراما التاريخية الناطقة باللغة العربية الفصحى، كما في الأعمال التلفزيونية الساخرة الناقدة التي اعتاد الجمهور على متابعتها قبل المواسم الرمضانية، عبر سلسلة ”مرايا“ التي كتبها وقدّم دور البطولة فيها، ”مما سمع وشاهد ورأى“، كما كان يقول في بداية شارة كل حلقة، وصولا إلى مسلسل ”السنونو“ الذي أخرجه المخرح السينمائي المصري خيري بشارة، وتم تصويره في دولة الإمارات عن سفينة تبحر وعلى متنها أشخاص من جنسيات عديدة، ولعب فيه العظمة دور القبطان “عوني الناكش“.

التقيته في دبي  في العام 2011 بعد سنوات من الانقطاع، كانت المشاعر ملتهبة لدى الجمهور، ولم يكن العظمة مضطرا لقول شيء، فقد قال مبكرا من الجميع، وجهد في تقديم صورة متطورة عن الفنان المثقف البارع في مهنته وفي تقمّص العديد من الشخصيات المركبة والمعقدة، قادرا على إضحاك المشاهدين في لحظات والانتقال بهم إلى أقصى درجات التأثر والحزن بعد لحظات تالية.

يستمد العظمة قوة حضوره من موهبته، وانتماؤه إلى أسرة دمشقية عريقة خرج منها أكثر الرموز السورية تقديرا واحتراما لدى كافة الأطياف، وزير الدفاع السوري الأول يوسف بك العظمة، جعله في موقع المسؤولية أنه لا يستطيع التبرّع بمواقفه بسهولة، فهو في ظل قامة شاهقة مترعة بالمعاني والقيم، ولذلك سعى منذ بداياته للتوازن في أساليبه ولغته ومشاهده.

● العظمة يمتلك قدرة فريدة على فهم المشاهدين والرقي بأذواقهم
● العظمة يمتلك قدرة فريدة على فهم المشاهدين والرقي بأذواقهم

ينتظر الجمهور اليوم أعمال العظمة الجديدة، وهو لم يقصّر في الظهور تارة عبر برنامج على وسائل التواصل الاجتماعي، أو من خلال أفكار جديدة يحضّر لها ويتعامل معها كقطع فنية ومنحوتات، ومن يصغي إلى العربية الفصحى التي ينطق بها ويبرّر لماذا يستعملها، يعود بالزمن إلى دراسته في جامعة دمشق بكلية الآداب، تلك المرحلة التي أسست ثقافته ومعارفه وتوجهاته، وقدم عبرها برامج مثل ”أبجد هوز“ الذي كان ينادي فيه بتصحيح مفردات اللغة العربية، ومنه انطلق إلى عالم التمثيل من خشبة المسرح العالمي، فقدّم مسرحية ”شيخ المنافقين“ عن نص للشاعر الإنجليزي بن جونسون في مطلع ستينات القرن الماضي.

تجربة الماغوط

كان مع جيله من مبدعي العاصمة مثل منى واصف وهاني الروماني وسليم صبري وهالة شوكت في مقدمة من أصروا على الارتقاء بالمسرح من صف التهريج إلى مستوى أعلى، وكان قائدهم الناقد الراحل رفيق الصبان الذي اشتغل على أعمال موليير التي قدموها.

تطوافهم على الكتاب الغربيين بدا أكثر من مختبر صارم لصقل مواهبهم وتجاربهم، فمن الكتاب البريطانيين إلى الفرنسيين إلى الروس مثل يفغيني شفارتس صاحب ”التنين“، فلم يكد ينتهي ذلك العقد.

ذلك الجيل الذي تفاوتت قدراته، جمعه أنه شاهد على تحولات كبيرة مرت بها سوريا والعالم العربي، تحولات في السياسة وأخرى لا تقل أهمية في عالم التقنية، فكانت ولادة التلفزيون والهبة الكبيرة على تقديم المختلف في الصندوق الصغير الذي تسابق عليه الجميع جعلت من المنافسة أمرا طبيعيا، لكنها كانت تقوم على التشارك فهذا النمط من الفنون لا يمكن أن يتقبل الفرد الواحد دون مناخ وحيد وشركاء، معادلة سيفهمها العظمة جيدا حين سيحوّل مشروعه مرايا إلى أكاديمية كبيرة تخرج منها نجوم سوريا لاحقا، من حاتم علي إلى عابد فهد وآخرين.

الجمهور ينتظر اليوم أعمال العظمة الجديدة، وهو لم يقصّر في الظهور تارة عبر برنامج على وسائل التواصل الاجتماعي، أو من خلال أفكار جديدة يحضّر لها ويتعامل معها كقطع فنية ومنحوتات

كانت بدايته مع الشاشة الصغيرة في مسلسل ”بريمو“ في العام 1973 رفقة سامية الجزائري وأنطوانيت نجيب وفهد كعيكاتي ورفيق سبيعي. وعلى الرغم من الشراكة التي كانت ما بين ”دريد ونهاد“، كثنائي كوميدي نقلته أعماله الكبيرة إلى كافة أنحاء العالم العربي، عبر ”حمام الهنا“ و“مقالب غوار“ وغيرها، إلا أن لحام أراد أن يحل محل الفنان القدير نهاد قلعي، المجدد الدرامي والعقل المفكر وكاتب السيناريو لكافة الأعمال وصانع شخصية غوار وكافة الشخصيات الشامية التي أضحكت الملايين، شريكا جديدا.

تلك المرحلة كانت تقتضي شريكا ذا طابع سياسي هذه المرة، فكان الشاعر السوري محمد الماغوط، ومن خلال تلك الشراكة قدّم لحام مسرحية ”ضيعة تشرين“ وبعدها ”غربة“ اللتين كان من أبرز وجوههما العظمة، في شخصيات لا تنسى، تقمّص فيها، وغنى، وسخر، وقدّم العبارات الجريئة التي علقت بأذهان الناس.

شكل كلا العملين المسرحيين نقلة نوعية للعظمة، فقد اكتشف أنه لم يعد قادرا على العمل ضمن دائرة يقودها آخرون، فقد لا يقول العمل ما يريد هو قوله، فانقطع عن المسرح واتجه إلى التلفزيون في مسلسل ”الحب والشتاء“ مع عبدالرحمن أبي القاسم وعبدالهادي الصباغ وحسن عويتي، ثم ”رحلة المشتاق“ مع سليم كلاس وعصام عبجي، وفي السينما قدّم العظمة فيلما وحيدا حمل عنوان ”الرجل الأخير“.

تاريخ الشارع وتاريخ الكتب

● مشروعه "مرايا" ظهرت عنه نسخ سورية وأخرى عربية، من {بقعة ضوء} إلى "طاش ما طاش"
● مشروعه "مرايا" ظهرت عنه نسخ سورية وأخرى عربية، من "بقعة ضوء" إلى "طاش ما طاش"

كان العظمة في صدارة من قدموا الأعمال الدرامية التاريخية ذات الانعكاس المباشر على الراهن، وكانت نهايات السبعينات موعد بث مسلسل ”الحكاية الثانية من سيرة بني هلال: الأميرة الخضراء“، الذي يتناول قصة رزق الدريدي والأميرة الخضراء والدة أبوزيد الهلالي.

الواقعية التي جلبها هيثم حقي معه إلى الشاشة السورية مثلت فرصة للعظمة للانتقال نحو الراهن أكثر، في مسلسل ”بصمات على جدار الزمن“ الذي أخرجه حقي، ومع الوقت وجد العظمة مفتاحه الذهبي في لعبة السخرية.

في أواسط الثمانينات أطلق مشروعه ”مرايا“ الذي ظهرت عنه نسخ سورية وأخرى عربية، من بقعة ضوء“ إلى ”طاش ما طاش“، ثم ”ضيعة ضايعة“ و“الخربة“، وقدم قالبا فريدا يتحرر فيه من إطار الحكاية الواحدة إلى أفق الحكايات.

وكثيرا ما تعرض للنقد من متابعي الفن الذين طالبوه بالخروج من ”مرايا“، كان في ذلك الوقت يشعر أنه غير مضطر إلى شيء من هذا القبيل. أصرّ على الاستمرار في صناعة أجزائه على مدى مواسم طويلة، قدم خلالها مسلسل ”رجل الأحلام“ من إخراج رشا شربتجي.

عصر الفيديو الجديد

العظمة المعروف كممثل كوميدي، كان في صدارة من قدموا الأعمال الدرامية التاريخية ذات الانعكاس المباشر على الراهن، كمسلسل "الحكاية الثانية من سيرة بني هلال: الأميرة الخضراء"

غاب عن الساحة أعواما، وكانت الفوضى في الإنتاج وانتفاء الغرض الأساسي والدور الذي اضطلعت به الأعمال الكوميدية الساخرة الناقدة والتي كانت تهدف إلى إصلاح المجتمعات، حين وجدت الكوميديا نفسها متأخرة عن الخطاب الشعبي الذي كفر بالإصلاح عبر النقد والترميز والكاريكاتير، وأصبح من الضروري ابتكار حيل جديدة وحلول غير مسبوقة تشد الناس وتقنعهم.

وضع صعب وجد الكوميديون العرب أنفسهم فيه، ومن بينهم كان العظمة الذي أدرك أن لغة السوشيال ميديا وعصر الفيديو السريع أقوى بكثير من ”الفارس“ ومن التهريج حتى بأدوات يندر من يمتلكها غيره، وعاد الاعتبار إلى الفكرة الشاملة للمسلسل والأكثر قدرة على جعل المشاهدين يتابعون، بعد أن أصبحت كل صفحة على الفيسبوك وكل حساب على اليوتيوب فرصة لصناعة لوحة من ”مرايا“.

لن يفهم كثيرون لماذا أراد العظمة تقديم ”السنونو“، سارعوا إلى انتقاده والتعبير عن خيبة أملهم فيه بعد تجاربه الكبيرة، وهو وحده كان يعرف ما الذي يفعله، إنه يعود وحسب، وهذه الضربة ما هي إلا إشارة إلى ما يجري التحضير له. كان يستعرض إمكاناته ويثبت جدارتها وقدرتها على الاستمرار، لاسيما بعد أن هبطت أعمال تلفزيونية كوميدية لنجوم كبار مثل عادل إمام والفخراني بسبب التقدم في العمر، وما يصلح له الممثل القدير في سن الشباب غير ما يناسبه حين يتحول إلى أيقونة في سن متقدمة. لكن عجلة الإنتاج كانت قد دارت عليهم من دون حساب.

سنونو العظمة رسالة في اتجاهات متعددة، توحّد الهموم من جديد، وتنذر بالعواصف التي تحيق بالسفينة العربية، ولعل أبرز تعبير عن ذلك اشتراك نجوم من دول عربية مختلفة في المسلسل، بحيث لم يعد سوريّا وحسب، هل كان هذا طلب السوق كما قال النقاد، أم عودة من العظمة إلى خطواته الأولى لتصحيح مفردات العربية من جديد، لا من خلال اللغة، بل من خلال الأفكار والقضايا الإنسانية التي شابها الكثير منذ برنامجه ”أبجد هوز“؟

الأكيد أن العظمة امتلك القدرة على صناعة أذواق الملايين من المشاهدين ولم يتردد في تقديم العون لهم لفهم الواقع، كما مد يده إلى من أصبحوا نجوما في الشاشة العربية بعد سنوات وقدموا بدورهم ما جعل من الدراما العربية ظاهرة لا تقل عن الظواهر الجديرة بالدراسة والبحث باستمرار.

● الشراكة في الأعمال الفنية معادلة أتقن العظمة أصولها
 الشراكة في الأعمال الفنية معادلة أتقن العظمة أصولها

12