وودي ألين وعادل إمام

كلما شاهدت فيلما من أفلام المخرج والممثل العبقري وودي ألين، تساءلت: ما الذي يجعل أفلامه تلقى كل هذا النجاح عند جمهور السينما في العالم بشتى لغاته وثقافاته؟
في كل أفلام وودي ألين يوجد بعد إنساني ما، يربط أولا بين هذه الأعمال كلها ويجعلها تمس قلوب وعقول المشاهدين في العالم، لكن من دون أن يتخلى الفنان عن عالمه الخاص الذي قد يكون “شخصيا جدا” أو حتى “محليا” تماما. فوودي ألين ليس فقط أميركيا، بل ويهودي “نيويوركي” أيضا، وهناك علاقة وثيقة في أفلامه بين المكان وبين عالمه الفني ورؤيته، وحتى عندما يخرج عن نطاق نيويورك، فهو يتمكن من العثور على خيط ما يربط بين أفلامه التي تدور خارج نيويورك، وبين أفلامه النيويوركية.
وإذا كان المكان حاضرا في أفلام وودي ألين، يضيف إلى الشخصيات التي يصوّرها ويعمّق من شعورنا بها، فإن حضور التاريخ الشخصي للفنان بل وسيكولوجيته الخاصة بملامحها المحددة، ينعكس أيضا على أفلامه، ومن ضمنها بالطبع خلفيته، وطريقة نشأته في أسرة يهودية تنحدر من المهاجرين الروس، وهو لا يفوّت فرصة للسخرية من نمط التفكير الديني التقليدي المنغلق، والذي كان يسعى منذ طفولته إلى الإفلات من قيودها.
يهتم وودي ألين كثيرا في أفلامه بالعلاقة بين الرجل والمرأة، ويناقش مواضيع تتعلق بالأرق الذي ينتج عن تلك العلاقة، وأحيانا أيضا العجز وعدم الشعور بالإشباع حتى على الصعيد الجنسي، وحالة “البارانويا” الناتجة عن تلك العلاقات المؤرقة، ويناقش خلال ذلك، أفكارا تتعلق بالدين والجنس لكن من دون الاقتراب من عالم السياسة التي لا تشغله كما يشغله التفلسف وطرح أفكار وجودية تتعلق بالحياة والموت ومعنى الوجود ووجود الخالق الأعظم والمصير الإنساني عموما.
وكما كان التساؤل عن أسرار نجاح وودي ألين على مستوى العالم يشغلني كثيرا رغم ما يبدو من “عادية” أفلامه، وبساطتها وعدم احتوائها على “الإبهار” التقني واستعراض العضلات كما نرى في أفلام أخرى تحقق النجاح خارج الولايات المتحدة، كان يشغلني أيضا التفكير في عدم وجود “حالة” مشابهة في سينمانا العربية يمكنها اختراق الحدود إلى العالم.
كان السؤال التالي يطرح نفسه أمامي بقوة: هل لو ترجمنا أو دبلجنا أفلام عادل إمام الذي يعتبر نجم الكوميديا الأكبر في مصر والعالم العربي منذ نحو نصف قرن أيضا، كما يحدث مع أفلام وودي ألين قبل توزيعها في دول العالم، أيمكن أن تجد مثل هذه الأفلام نجاحا مشابها لما تحققه أفلام وودي ألين أو حتى لما تحققه أفلام عادل إمام من نجاح لدى الجمهور المصري والعربي؟
كانت الإجابة الوحيدة دائما هي: لا أعتقد، بل ولا أتخيل أن يحدث هذا، لماذا؟ لأن أفلام عادل إمام تظل أفلاما تفتقد إلى حد بعيد لما يسمى “البعد العالمي الإنساني”، أي أنها يمكن أن تمتلئ بالنقد الاجتماعي ذي الصبغة السياسية الساخرة، لكنها لا تصل في ما تطرحه إلى ذلك المستوى “الفلسفي” الذي يقترب من مناطق تعتبر في حكم المحرمات في الثقافة العربية عموما، كما أنها تعتمد في الكثير من سياقاتها على التعليقات اللفظية وحركات الوجه والجسد ونظرات العينين التي يحفظها الجمهور عن ظهر قلب عن شخصية عادل إمام، أضف إلى ذلك استخدام النكات والحوار الساخر الذي اشتهرت به أفلامه.
إننا نجد أنفسنا قريبين حتى من أفلام وودي ألين التي يكتفي بإخراجها دون المشاركة في التمثيل فيها، نضحك ونأسى ونفكر، ونخرج وقد أثارتنا الأفكار التي طرحها علينا في حبكته البسيطة التي تجعلنا نشعر بأنه يصنع الفيلم نفسه دائما.
لقد حاول المخرج الراحل رأفت الميهي أن يقدم أفلاما على غرار أفلام وودي ألين، لكنها لم تحقق النجاح، ولعل السبب يعود إلى وجود الرقابة المجتمعية والذاتية، خاصة وقد كاد نجاح أول أفلامه في هذا الاتجاه، وهو “الأفوكاتو” (1982) أن ينتهي به إلى السجن!