وكالة الأناضول تقع في فخ تزييف مظاهرات مصر

تحولت المظاهرات في مصر إلى فخ لوسائل الإعلام الموالية للإخوان بما فيها وكالة الأنباء التركية الأناضول، التي نشرت صورة قديمة لمظاهرة حاشدة على أنها لمظاهرات الأسبوع الماضي، متجاهلة أن التضليل في عصر مواقع التواصل الاجتماعي من السهل اكتشافه ويسيء إلى صورة وسائل الإعلام وينهي مصداقيتها.
إسطنبول – دخلت وكالة أنباء الأناضول التركية إلى معسكر التضخيم والمبالغة بشأن المظاهرات التي حدثت في مصر الأسبوع الماضي، ونشرت صورة قديمة تعود لسنوات على أنها لمظاهرات حاشدة يوم الجمعة الماضي ضدّ الرئيس عبدالفتاح السيسي.
وتلقت الوكالة سيلا من الاتهامات لمخالفتها معايير المهنية وتعمد التزييف، اضطرت على إثرها لإصدار بيان الخميس، قالت فيه إنّها “تؤكد لجمهورها العريض أنها تنشر أخبارها ذات الصلة بالشأن المصري بحيادية ومصداقية وتوازن في العرض، حيث تحرص دوما على الالتزام بالقواعد المهنية، وعرض وجهات نظر كافة الأطراف المعنية على الساحة المصرية في كافة أخبارها وتقاريرها.. وهذه سياسة ثابتة وراسخة للوكالة، لا تتغير ولا تتأثر بالعلاقات السياسية بين الدول”.
وحول ما نسب إليها من اتهامات بعدم الحيادية على خلفية نشر صورة لمظاهرات سابقة في “ميدان التحرير” بزعم أنها حصلت يوم الجمعة الأخير، قالت الأناضول إنّ ما نسب إليها غير صحيح، حيث أنه كتب أسفل هذه الصورة في متن الخبر، أنها “أرشيفية” (بالنظر لعدم توفر صور للحدث في ذلك الوقت)، وهذا دليل مصداقية وأمانة مع الجمهور، برأي الأناضول.
وزعمت بأنّ ما أثار اللبس هو عدم ظهور كلمة “أرشيفية” على صفحتي الوكالة على تويتر وفيسبوك عند إعادة نشر الخبر عليهما، وهذا أمر تقني بحت، لم يكن مقصودا بالمرّة.
ونتيجة تعرّضها لحملة انتقادات إعلامية مهنية، فقد سارعت الأناضول إلى تغيير تلك الصورة المُشار إليها على كافة منافذ النشر الخاصة بها. وتضمن خبر “الأناضول” المعدل تغييرًا ملحوظًا في طريقة التناول؛ حيث ورد أن عددًا محدودًا تظاهر في القاهرة ومحافظات مصرية أخرى، مستشهدة بما ذكرته وسائل إعلام محلية ونشطاء.
التبريرات الضعيفة لوكالة الأناضول تفقدها المصداقية نظرا لتزامن نشر الصور المزيفة مع أخبار كاذبة عن مصر
أما في نسختها الإنكليزية، فلم تستعن “الأناضول” بالصورة القديمة، واكتفت فقط بصورة لعلم مصر وخبر موجز عن تجمعات محدودة ببعض المدن، معتمدة في ذلك على ما نشرته مواقع التواصل الاجتماعي وبعض القنوات التلفزيونية.
ويرى خبراء ومُستشارون إعلاميون أنّ تلك التبريرات الضعيفة لوكالة أنباء الأناضول تُفقدها المصداقية والمهنية والموضوعية تماماً، وذلك نظراً لتزامن نشر تلك الصور المُزيفة مع العديد من الأخبار الكاذبة في ما يتعلق بالشأن المصري.
واتهمت القاهرة إعلام تركيا وقطر بمحاولة جرّ مصر إلى الفوضى من خلال بث الأخبار والصور والفيديوهات الكاذبة.
واعترفت قناة الجزيرة القطرية ووسائل إعلام أخرى كذلك ببث صور ومقاطع فيديو لمشاهد قديمة، بعد أن كشف ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي ألاعيب تضخيم أعداد المتظاهرين وتكرارها في أماكن متباينة، كدليل على حدوث احتجاجات في أقاليم مختلفة.
من جهتها، وقعت صحيفة القبس الكويتية ضحية تضليل وكالة الأناضول، وقدمت اعتذارا جراء الخطأ الذي وقعت فيه فريسة لأساليب التضليل والخداع من الإعلام التركي.
وأكدت الصحيفة في بيان لها نشر عبر حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، أنها أخطأت في نقل الصورة عن وكالة الأناضول باعتبارها صورة عن مظاهرات بمصر.
وأضافت الصحيفة، أنه اتضح في ما بعد أن الصورة قديمة، وأُعيد استخدامها على نحو خاطئ، لذا اقتضى التنويه والاعتذار.
49 بالمئة من سكان تركيا، قالوا إنهم يواجهون أخبارًا كاذبة بالمقارنة بـ9 بالمئة فقط في ألمانيا مثلًا، لتحتل تركيا بذلك، المركز الأول عالميًا من حيث انتشار الأخبار الكاذبة
وأكد متابعون أن أرشيف الوكالة التركية يفيض بهذا النوع من الأخطاء، التي تضطر للاعتذار عنها بعد انكشاف أمرها، فقد سبق أن حرّفت خبرا عن احتجاجات بعض السوريين الذين تظاهروا على مقربة من الحدود التركية منددين بسياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وادعت أن الاحتجاجات ضد النظام السوري وروسيا في إدلب.
وخلال المظاهرة المذكورة تم حرق صورة أردوغان رفضًا لسياساته تجاه إدلب، وإغلاقه الحدود في وجه النازحين بالإضافة إلى الترحيل القسري لسوريين من تركيا.
وقالت الأناضول في تغريدة “إدلب.. عشرات الآلاف يتظاهرون ضد النظام السوري وروسيا، حاول بعض المتظاهرين التقدم نحو معبر (جيلوة غوزو) المقابل في الجانب التركي، بذريعة رغبتهم في التوجه إلى أوروبا، لكن جرى إبعادهم عن الحدود التركية”.
وشن ناشطون سوريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي هجومًا على الوكالة التركية، معتبرين أن مهمتها هي تزييف الحقائق. وعلّق الإعلامي المتخصص في الشأن التركي، يوسف الشريف، ساخرًا من تغريدة الأناضول، بقوله “التغريدة المرشحة لجائزة الصحافة الدولية لهذا العام !!!!!!! حتى الصحافيون الأتراك انتقدوا هذا التحريف!”.
ومنذ تأسيس القسم العربي عام 2011، أظهرت وكالة “الأناضول” انحيازًا تاما لجماعة الإخوان المسلمين، التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع النظام التركي الحالي، علمًا بأنها قادت العديد من الحملات الإعلامية لتشويه الحكومات العربية، والتحريض عليها، مستعينة في ذلك بتقارير غير دقيقة، ومعلومات منسوبة لجهات غير موثوقة.
وقال مسؤولو تحرير بعدد من الصحف إنهم يبذلون جهدا مضاعفا في التحقق من الأخبار التي تنقلها الوكالة التركية، بعد ما أظهرته من عدم مهنية في تناولها للأحداث، خلال الفترة الماضية، مؤكدين أن “الأناضول” لم تعد مصدرًا موثوقًا للمعلومات.
وعبر صحافيون عرب، عن استيائهم من إقحام السياسة في التغطيات المقدمة من طرف الجانب التركي، مؤكدين أن الوكالة التركية، فقدت مصداقيتها، بعد بثها صورًا لاحتفالات المصريين بفوز منتخبهم بإحدى مباريات كأس الأمم الأفريقية في يونيو الماضي، بوصفها مظاهرة ضد الرئيس عبدالفتاح السيسي.
ورأى مراقبون، أن ذلك يمثل احتكارًا للفضاء الإعلامي الذي تحول في غالبيته إلى مجرد آلة دعائية لتلميع سياسات حزب العدالة والتنمية، عبر الترويج لأخبار ومعلومات زائفة ومضللة، يجري تلفيقها عبر ”صفقات“ في غرف التحرير المغلقة، وفق مقال للصحافي التركي أرغون باباهان.
90 بالمئة من وسائل الإعلام في تركيا موالية للحكومة، مشيرة إلى أن هذه البلاد تضم أكبر عدد من السجناء الصحافيين
وكشف تقرير سابق لـ“بي.بي.سي“ العام الماضي، أن 49 بالمئة من سكان تركيا، قالوا إنهم يواجهون أخبارًا كاذبة بالمقارنة بـ9 بالمئة فقط في ألمانيا مثلًا، لتحتل تركيا بذلك، المركز الأول عالميًا من حيث انتشار الأخبار الكاذبة.
وذكر مراسل “بي.بي.سي” في إسطنبول، مارك لوين، أنه في دولة مثل تركيا يصعب التمييز بين الحقيقة والخيال، مشيرا إلى أنه يتم استخدام المعلومات الكاذبة من أجل جلب المزيد من المتابعين. وتقول دراسة لرويترز إن 38 بالمائة فقط من الأتراك يثقون في الأخبار التي تصدر في الصحف أو تبث على التلفزيون.
وتنتشر في تركيا “نظرية المؤامرة”، حيث سبق لمستشار رفيع المستوى للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أن قال إن هناك مؤامرة من أعداء الرئيس لاغتياله باستخدام الطاقة الذهنية عن بعد. كما يعتبر الكثيرون أن العديد من العاملين في مجال التلفزيون هم “جواسيس”.
وأوضحت “بي.بي.سي” أن 90 بالمئة من وسائل الإعلام في تركيا موالية للحكومة، مشيرة إلى أن هذه البلاد تضم أكبر عدد من السجناء الصحافيين، كما أنها تحتل رقم 157 في مؤشر حرية الصحافة من بين 180 دولة. واستطاع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يستحوذ على نحو 90 بالمئة من الإعلام المقروء والمرئي والمسموع في البلاد.