وقف مذيعة مصرية يكرس اختزال إصلاح الإعلام في فرض العقوبات

نقابة الإعلاميين المصريين تقرر وقف الإعلامية مي حلمي عن الظهور على شاشات التلفزيون.
الثلاثاء 2021/08/31
مي حلمي لم تحصل على رخصة مزاولة المهنة

القاهرة - أظهر قرار نقابة الإعلاميين المصريين وقف الإعلامية مي حلمي عن الظهور على شاشات التلفزيون، حجم الارتباك الذي تعاني منها النقابة، كجهة مسؤولة عن أداء العاملين في الوسط الإعلامي بعدما أعلنت أن حلمي لم يسبق لها تقنين أوضاعها في النقابة، أيّ أنها تمارس مهنة الإعلام دون مظلة قانونية.

وأثار قرار النقابة الأحد حفيظة البعض الذين سخروا من المبرر الذي ساقته بأن المذيعة لم تحصل على رخصة بمزاولة المهنة وجرى اكتشاف أنها مخالفة لميثاق الشرف الإعلامي بعدما ارتكبت خطأ جسيما في برنامجها الذي تقدمه على فضائية “الحدث اليوم” الخاصة والمملوكة لأحد أعضاء مجلس النواب المصري.

وتتعامل نقابة الإعلاميين مع الإعلاميين على أنها محتكرة لتفسير "المهنة" الإعلامية ومن يزاولها، لتضع نفسها في خانة النقابات المهنية المتخصصة مثل نقابة الأطباء.

واستبق قرار النقابة إعلان إدارة قناة “الحدث اليوم” نفسها أنها قررت وقف بث برنامج الإعلامية مي حلمي “الحكم”، بناء على ما تم رصده من جانب المرصد الخاص بالقناة وما بدر منها تجاه ضيف البرنامج والتعامل معه بما يخالف الأصول والمدونة الإعلامية وميثاق الشرف، مع إحالتها إلى التحقيق.

واستضافت الإعلامية لاعب نادي الزمالك السابق أحمد صالح، مساء السبت الماضي، لكنه انسحب من البرنامج على الهواء بسبب أسلوبها في طرح الأسئلة ورفضه طريقتها في التعامل معه بسخرية لتتحول الواقعة إلى قضية رأي عام على منصات التواصل الاجتماعي بعد ردود الفعل الغاضبة من الجمهور على سلوك مقدمة البرنامج.

حسن علي: ملف الإعلام المصري وصل مرحلة خطرة من الارتباك

وعندما لوّح الضيف بإمكانية الخروج من الاستديو ردت بطريقة توحي بأنها ترحب بذلك، ولا تمانع إنهاء الحلقة على الفور، ما ضاعف من غضب الجمهور، مطالبا إدارة القناة وهيئات الإعلام بمحاسبتها ومنع هذه الفئات من تقديم البرامج.

وحاولت إدارة القناة امتصاص الغضب بوقف البرنامج وإحالة المذيعة للتحقيق، لكن الجمهور فوجئ بدوافع قرار نقابة الإعلاميين بأن مي حلمي لم تقنن أوضاعها ما أوحى لكثيرين بأن اللجوء إلى تفعيل القانون على المخطئين في المهنة يأتي بعد جرس الإنذار الذي يطلقه المشاهدون أولا.

وهذه ليست المرة الأولى التي يكتشف فيها الجمهور المصري أن المذيع المتجاوز في البرنامج يمارس المهنة دون مظلة قانونية ولم يحصل من قبل على رخصة مزاولة المهنة، وفي كل واقعة تتحرك نقابة الإعلاميين متأخرة لتبييض ماء وجهها وتحاول أن تقنع المشاهدين بأنها موجودة وحاضرة ولديها صلاحيات في الرقابة والمحاسبة.

وسبق أن اشتكى الجمهور من أسلوب حلمي في إدارتها للبرامج التي تقدمها، حيث تتعامل بطريقة مثيرة للاستفزاز، وتدير برامجها كأنها مالكة الهواء وصاحبة المحطة، وكثيرا ما افتعلت أزمات أثارت حفيظة الناس، سواء بمعاركها الشخصية أو خروجها أكثر من مرة للإعلان عن اعتزال المهنة لسوء سمعة الإعلام.

ويعول الجمهور المصري على نقابة الإعلاميين في تطهير المهنة من الدخلاء بتطبيق القانون على الجميع دون استثناء كمدخل للقضاء على الفوضى الإعلامية التي وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة، لكن معضلة النقابة أنها تتحرك بعد ضغط الشارع ولم تبادر من نفسها لمراجعة سجلات التصاريح الممنوحة للمذيعين الذين يظهرون على الشاشات المختلفة.

وقال حسن علي أستاذ الإعلام بجامعة السويس إن “نقابة الإعلاميين نفسها تشوبها العشوائية والفوضى، وهذا انعكس على المشهد الإعلامي برمته، فهي ما زالت لجنة تأسيسية ولم تقم بإجراء انتخابات لتكون لها جمعية عمومية ككيان نقابي، وبالتالي ليس لها سلطة محاسبة أي تجاوز أو أخطأ، وما يحدث قمة العبث”.

وأضاف لـ“العرب” أن ملف الإعلام المصري وصل مرحلة خطرة من الارتباك على مستوى غياب التنظيم والانضباط، فالفضائيات وفق القانون تتبع المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام وليس من حق النقابة مساءلة المخطئ، بل دورها الأكبر تدريبي وتأهيلي مع الحفاظ على حقوق أعضائها وليس استسهال محاسبتهم، كما هو الحال في نقابة الصحافيين العريقة.

ويعتقد مراقبون أن استسهال فرض العقوبات على المخالفين لا يمكن أن يصنع إعلاما محترفا، لأن أغلب العاملين في المهنة يرتكبون تجاوزت، والحل الأمثل في تدريب هؤلاء واختبارهم بجدية وإزاحة من لا تطبق عليهم الشروط والمعايير من المشهد.

صحيح أن العقوبات مطلوبة كوسيلة للترهيب وضرورة إظهار الصرامة للمخالفين، لكن العبرة في أن تكون العقوبة مصحوبة بفترة تأهيل وتدريب على ما يمكن قوله وما لا يجب فعله أو التطرق إليه مرة ثانية، فهناك مذيعون تعرضوا لوقف برامجهم وعادوا وكرروا نفس الأخطاء وجرى منعهم من الظهور كنوع من التأديب.

ويرى خبراء أن الاعتماد على العقوبات لن يقضي على الفوضى الإعلامية، ولا بديل عن مواجهة الخلل الأصلي في المنظومة برمتها، والإقرار بأن هناك مذيعين لا يصلحون للمهنة ولا يجوز منحهم تراخيص بمزولة العمل طالما أنهم لا يجيدون الحد الأدنى من المعرفة بمواثيق الشرف الإعلامي، وإما تأهيلهم أو إقصاؤهم من المشهد.

العقوبات مطلوبة كوسيلة للترهيب وضرورة إظهار الصرامة للمخالفين، لكن العبرة في أن تكون العقوبة مصحوبة بفترة تأهيل

ويؤكد هؤلاء أنه لا يجب على نقابة الإعلاميين أن يكون دورها مقتصرا على فرض العقوبات ضد المنتسبين لها أو من يمارسون المهنة دون ترخيص، بل إن مهامها أوسع من ذلك بكثير، لأن هناك هيئات أخرى منوط بها الرقابة والمحاسبة مثل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، أما النقابة فهي معنية بشكل أساسي بالتدريب على أصول العمل الإعلامي وتجاوز السقطات والبعد عن الإثارة.

وأكد حسن علي لـ“العرب” أن الحل الوحيد التزام نقابة الإعلاميين بوضع معايير محددة لمن يمارسون المهنة، وإقصاء كل الدخلاء عليها، وهم كثُر، ولا يخرج على الشاشة إلا كل من تنطبق عليه صفات المذيع، لافتا إلى أن قمة الخطورة أن يفكر الإعلامي في افتعال أزمة من أجل “الشو” أو دغدغة مشاعر الناس، وأن تستمر الجهات المسؤولة عن التنظيم المهنة في المحاسبة كردة فعل، وليس كإجراء وقائي.

وما زالت هناك علامات استفهام كثيرة حول صمت المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، تجاه واقعة قناة “الحدث اليوم”، إذ في كل مرة كان يبادر بإصدار بيان صحافي يعلق على الأزمة التي يثيرها أيّ برنامج ارتكب خطأ، لكن هذه المرة ترك المهمة للنقابة، ربما لتجنب عودة مشاهد سابقة اشتد فيها الصراع بين الهيئات الإعلامية حول الجهة المنوط بها فرض عقوبات ضد المتجاوزين في برامجهم.

ويمكن اختصار أزمة مقدمي البرامج الحوارية في مصر أنهم يحتكرون الهواء، ويديرون فترة البرنامج بأنفسهم وعلى مزاجهم، ويمارسون دور المذيع والمعد والضيف والمحلل والخبير، ما يدفعهم للوقوع في أخطاء كارثية في طرح معالجة أي قضية وصارت الكثير من البرامج جلسات فضفضة أو دروس يلقيها المذيع للجمهور.

وإذا كان برنامج المذيعة مي حلمي يُعرض على فضائية ليست شهيرة ولا تصنف ضمن القنوات صاحبة الجماهيرية، لكن الواقعة أظهرت حجم تذمر الناس من كل ما يرتبط بالإعلام، وسط تباطؤ واضح وغير مبرر من الجهات المسؤولة عن إدارة المشهد والتوازن بين العقوبة والتأهيل، لا المحاسبة إرضاء للجمهور.

18