وقف الشيخوخة ممكن.. لكن بأي ثمن

الشيخوخة مرض مثل باقي الأمراض، وإن استعصى علاجه. وقف الشيخوخة أو عكسها، بنيت عليه صناعات تقدر بمئات المليارات، الهدف منها الاحتفاظ بمظهر شاب يخفي تجاعيد الوجه ويغطي خصلات الشعر الأبيض. هناك دول عملت على تطوير الجراحات التجميلية، لتصبح جزءا هاما من القطاع السياحي يعرف بسياحة التجميل.
خبر اليوم لا يتوقف عند المظهر، وإخفاء التجاعيد ونمو الشعر من جديد. هو خبر عن وقف تهرم الخلايا، بما في ذلك خلايا الأعضاء داخل جسم الإنسان، لنصبح أقرب من أي وقت مضى على أبواب تحقيق حلم الشباب الدائم.
الخبر مصدره الصين، حيث أعلن عن ابتكار جزيء بروتين “خيمري” (مصمم هندسيًا بحيث يحتوي على أجزاء من بروتينات مختلفة مدمجة معًا في جزيء واحد).. لننسى الشرح العلمي ونركز على المهم، وهو أن هذا البروتين يحارب خلايا الجسم الهرمة التي أحيلت إلى التقاعد ولم تعد تؤدي وظيفتها، ويصدر أوامره لمنظومة المناعة لتطهير الجسم منها.
وقد اختبر عمل البروتين على فئران مسنة وقوارض صغيرة تعاني من تليف الكبد والرئتين ومن تراكم خلايا الشيخوخة، واتضح في جميع الحالات أن حقن هذا البروتين أعاد عمل أعضاء الفئران المسنة وأبطأ نمو الأورام، ما يجعل هذا العلاج أداة واعدة لمكافحة ليس فقط الشيخوخة، ولكن أيضًا الأورام الخبيثة.
في حال أجريت التجارب على البشر وثبت نجاحها، واستخدمت لوقف شيخوخة البشر وإعادة الزمن إلى الوراء، هل نتخيل ماذا سيترتب عن انتشار هذا العلاج؟
نظريًا، الفكرة جميلة. لكن، على أرض الواقع ستحول حياة الأفراد والمجتمعات إلى جحيم، وتلقي على الحكومات مسؤوليات تعجز عن تلبيتها.
لا نتحدث عن الخلود، ولكن نتحدث عن حالة يتضاعف فيها العمر الافتراضي للإنسان. أول المتأثرين هي العلاقات الاجتماعية والعلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة. سنحتاج إلى خيال خصب لتصور الحال الذي ستؤول إليه تلك العلاقات.
النصيب الأكبر من الإرباك سيكون للحكومات، التي عليها أن تعيد النظر في أنظمة التقاعد، وتعزيز برامج التعليم المستمر والتدريب المهني لكبار السن لضمان استمرارهم في سوق العمل، وخلق فرص عمل لأعداد مضاعفة من البشر.
حتى إذا نجح الأفراد في امتصاص الصدمة، ووجدت الحكومات حلولًا لأنظمة التقاعد، هل ستلبي الأرض حاجة الأعداد المتزايدة من البشر، سواء في الغذاء أو في السلع الاستهلاكية؟ هل ستتحمل الأرض أعدادًا إضافية من البشر؟
لذلك، قبل أن نحتفل، علينا أن نبحث أولًا عن كوكب آخر ننتقل للعيش فيه. وإن تعذر ذلك، نبحث عن بروتين خيمري يقلل استهلاكنا من الغذاء والماء.
الوصول إلى علاج للأمراض المستعصية أمر إنساني وهدف نبيل، ولكن البحث عن علاج لوقف الشيخوخة وعكسها مسألة أخرى تحتاج إلى أن نسأل أنفسنا ما الثمن المترتب عن ذلك؟
لم تتوقف البشرية من قبل لتسأل نفسها ما الثمن من وراء تكنولوجيات كثيرة وعادات أدخلناها إلى حياتنا، وتحول السؤال لاحقًا إلى كابوس. أمثلة عن ذلك: البلاستيك، والسكر، والتبغ. ولا أظن أننا سنقف اليوم لنسأل أنفسنا ما الثمن الذي سندفعه مقابل بحثنا عن شباب دائم، رغم أننا على بعد خطوات من تحقيق ذلك.