وقت لأخوة البشر

لا يكفي أن ننظر إلى بعضنا عن بعد لنكون أخوة. تلك رسائل فاشلة. كتف يضرب كتفا ويد تصافح يدا وأصوات قبلات هي أشبه بالزقزقة. ذلك ما يذكّر بالبحر الذي رسمه تيرنر.
الاثنين 2020/04/27
رسوم وليام تيرنر تضع البحر على مائدتك

نعبث بالوقت. نقتله فينزلق على أجسادنا بخفة لأنه لا يموت. ذلك ما كنا نفعله في كل أوقاتنا السابقة. الآن صار الوقت عزيزا. ما هذا الهراء؟ فجأة صار سجناء البيت يتحدّثون بلغة مختلفة.

أن تقضي ساعة وأنت تتأمّل رسوم وليام تيرنر. ذلك معناه أنك تضع البحر على مائدتك. تربّت على كتف العاصفة لكي تهدأ وتمسك بالمركب لكي لا يغرق وتمتحن دموعك في لحظة عاطفية يغلب عليها الأسى.

ذلك رسام لم يسبق عصره فقط بل سبق الإنسان في كل عصر. لم يرسم البحر ليكون سعيدا بما أنجزه. كان لديه سؤال يقفز على ما نراه إلى الطريقة التي نرى فيها الأشياء. فالبحر لا يصلح للوصف كما أن الرسم ليس وسيلة للوصف. خطأ في التعريف سيقودنا إلى بلاد أخرى.

أما الوقت فإن دفاتره تظل مفتوحة. لطالما وجدت نفسي في “هايد بارك” وأنا لا أعرف ما الذي أفعله هناك. هل كنت أقتل الوقت؟

ربما ستُجيب على ذلك السؤال بجعة مُهاجرة. ولكن وقتا يقضيه المرء بين الأشجار يمكنه أن يكون مناسبة للقبض على معنى أن يجد الإنسان له ملاذا في الطبيعة الأم.

وفي المقابل فإن الأخوة البشرية التي تتحقّق من خلال لقاء الناس، بعضهم بالبعض الآخر هي مصدر إلهام لعيش على مستوى عال من الطمأنينة والرخاء النفسي. ذلك ما لا يوصف أيضا.

لا يكفي أن ننظر إلى بعضنا عن بعد لنكون أخوة. تلك رسائل فاشلة. كتف يضرب كتفا ويد تصافح يدا وأصوات قبلات هي أشبه بالزقزقة. ذلك ما يذكّر بالبحر الذي رسمه تيرنر. عاصف ومُمكن في الوقت نفسه.

 لم يكن زمنا ضائعا. حين كتب مارسيل بروست مليون كلمة في رثاء سنواته السابقة، فإنه وهبنا فرصة لاختراق زمن لم نعشه. هي بهجة استثنائية تنجزها الكتابة.

لقد قضينا أوقاتا سعيدة ونحن نقرأ بروست غير أن تلك السعادة ما كان لها أن تتحقّق لولا شعورنا بالحاجة إلى أن نعيش بين تلك الكائنات التي استعادها
بروست.

16