وفرة الإنتاج تهدد استدامة قطاع الدواجن التونسي

تصاعد استغاثات المربين التونسيين لإنقاذهم من خطر الإفلاس.
الجمعة 2019/09/20
صناعة تائهة في دروب السياسات الارتجالية

خيّمت المخاوف داخل أوساط صناعة الدواجن التونسية من أزمة حادة قد تؤدي لاحتمال توقف نشاط القطاع في ظل تجاوز خطوط الاكتفاء الذاتي للإنتاج، الأمر الذي أجبر نقابة المربين للدخول في إضراب لممارسة ضغوط أكبر بسبب ما تراه مماطلة حكومية في الاستجابة لمطالبها، التي ترى أنها ستنقذ المنتجين من شبح الإفلاس.

تونس - طفت على السطح مرة أخرى أزمة قطاع الدواجن في تونس، الذي يواجه صعوبة في التحكم بمستويات الإنتاج وعدم التوازن وكثرة المنتجين رغم صغر السوق.

ويعاني القطاع من مشكلة وفرة الإنتاج وتدني الأسعار، وهو ما عجز معه المربون عن سداد ديونهم إلى درجة أنهم طالبوا باعتماد آليات جديدة لتنظيم القطاع ومسارات الإنتاج والتوزيع وتفعيل وسائل المراقبة قبل الذبح لإعادة التوازن.

ورفعت نقابة مربي الدواجن أمس من مستوى ضغوطها بالدخول في إضراب أمام وزارة الفلاحة، وسط تزايد المخاوف من اختطاف اتحاد الفلاحة والصيد البحري لقوت التونسيين هذه المرة لاستخدامه كسلاح في معركته مع الحكومة.

وسيم بوخريص: القطاع يشكو من خلل بين تكاليف الإنتاج والبيع منذ 6 أشهر
وسيم بوخريص: القطاع يشكو من خلل بين تكاليف الإنتاج والبيع منذ 6 أشهر

ويأتي هذا التصعيد في ظل سيل الانتقادات من معظم النقابات لإصلاحات الحكومة، والتي حملوها مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي.

وطالب رئيس غرفة الدواجن بالنقابة التونسية للفلاحين وسيم بوخريص بضرورة تدخل الحكومة لتعديل أسعار بيع الدواجن وتخفيف التكاليف الباهظة عن كاهل المربين.

وأكد أن الحلول الترقيعية، التي تطرحها الحكومة في كل مرة لن تحل المشكلة من جذورها، بل ستتواصل الأزمة إن لم يتم حل الأزمة من جذورها للمحافظة على استدامة القطاع.

ونسبت وكالة الأنباء التونسية الرسمية (وات) لبوخريص قوله إن “قطاع الدواجن يشكو منذ ستة أشهر من تراجع الأسعار مقابل ارتفاع تكاليف الإنتاج ممّا أثر سلبا على المربين”.

ويضم قطاع الدواجن 1650 مربيا مختصا في إنتاج دجاج التبييض ونحو 2600 مربّ يعمل في مجال إنتاج لحوم الدجاج.

وتشير التقديرات إلى أن هذا القطاع الحيوي يوفر أكثر من 130 ألف فرصة عمل على امتداد حلقات الإنتاج، لكن البعض يعتقد أنه يضم أكثر من ذلك.

وفي ظل الفوضى في عمليات الإنتاج، يرى بوخريص أنه من الضروري الإسراع في تفعيل دور المجمّع المهني المشترك لمنتجات الدواجن والأرانب ومنحه المزيد من الاستقلالية عن وزارتي الفلاحة والتجارة.

كما حث كذلك مزودي الأعلاف على مراجعة أسعار المواد المخصصة للمداجن في ظل تراجع الأسعار عالميا.

وأرجع بوخريص تراجع أسعار بيع لحوم الدواجن للمستهلكين وكذلك البيض، إلى قرارات سابقة لوزارة التجارة للتشجيع على توريد بيض “التفقيس”، مما أدى إلى ضرب المنظومة برمتها.

وتظهر البيانات الرسمية أن كميات لحوم الدواجن، التي يتم ضخها في السوق المحلية حاليا تصل إلى 144 ألف طن سنويا، بينما يقدر معدل الاستهلاك الإجمالي بـ126 ألف طن سنويا، ما يعني أن هناك فائضا بنحو 18 ألف طن كل عام.

ورغم التدابير العاجلة لوزارتي الفلاحة والتجارة لإحلال التوازن في السوق وتوفير المنتوج بالشكل المطلوب، إلا أن نقابة مربّي الدواجن تنتقد الخلل في سلسلة الإنتاج.

ولفت بوخريص إلى أن معدل سعر البيضة الواحدة في السوق منذ عدة أشهر يناهز 0.17 دينار (0.06 دولار)، في حين أن تكلفة إنتاجها 0.2 دينار (0.07 دولار).

أما متوسط سعر الكيلوغرام من الدجاج الحي في الأسواق المحلية يصل إلى 3 دنانير (دولار واحد تقريبا)، بينما تبلغ تكلفة إنتاجه نحو 3.35 دنانير (1.17 دولار).

ووصل سعر الكيلوغرام في العام الماضي إلى نحو ثلاثة دولارات، بينما كان المربّون يبيعون المنتوج بنصف ذلك المبلغ.

ووجه عبدالمجيد الزّار رئيس الاتحاد التونسي للفلاحة حينها أصابع الاتهام إلى بعض محتكري السوق اللذين يهربون من أعين الرقابة الحكومية باستمرار.

كما أرجع ذلك إلى عامل أساسي في دورة الإنتاج والمتعلق بارتفاع أسعار العلف، حيث بلغ ثمن الطن الواحد حوالي 410 دولارات بعد أن كان في حدود 288 دولارا قبل ثماني سنوات.

أرقام عن قطاع الدواجن

  •  271 مليون دولار خسائر تقديرية سنويا
  • 410 دولارات سعر طن العلف
  •  1650 مربيا مختصا في إنتاج البيض
  • 2600 مربّ مختص في إنتاج اللحوم
  • 130 ألف فرصة على امتداد سلسلة الإنتاج
  • 144 ألف طن من اللحوم يتم إنتاجها سنويا
  • 18 ألف طن فائض إنتاج اللحوم كل عام

وكانت نقابة مربي الدواجن قد حذرت مرارا من خطورة تحرير القطاع بعد أن قررت الحكومة السابقة برئاسة الحبيب الصيد اتخاذ الخطوة دون دراسة عواقبها.

وقررت السلطات في سبتمبر 2015 العودة بنظام الحصص الذي كان معمولا به في السابق مع العمل على معالجة ديون مربي الدواجن.

ويقضي نظام الحصص بالتزود بأمهات الدواجن بما يتلاءم مع حاجيات السوق المحلية، لكن تحرير المنظومة ساهم في تسجيل فائض في الإنتاج أثّر بدوره على الأسعار.

وتصل ديون العاملين في قطاع الدواجن، وفق الإحصاءات المتوفرة، إلى قرابة 271 مليون دولار، ممّا أجبر العديد منهم على التخلي عن هذا النشاط والتفويت في ممتلكاتهم بالبيع.

وتقول نقابة القطاع إن عمليات التصدير تقلصت تبعا لقرارات خاطئة اتخذتها الحكومات المتعاقبة بالرغم من فائض الإنتاج الكبير، مما قد يتسبب في تقلص رقم معاملات القطاع الذي يناهز سنويا نحو 680 مليون دولار.

ويطالب العاملون في نشاط تربية الدواجن بتوفير مخصصات إضافية تصل إلى 3.5 ملايين دولار سنويا لتعديل السوق مع الدفع نحو كبح الإنتاج.

ويساهم قطاع الدواجن بنحو 12 بالمئة من الإنتاج الإجمالي الزراعي للبلاد وبنحو 32 بالمئة من الإنتاج الإجمالي الحيواني، إضافة إلى مساهمته في تغطية الحاجيات الاستهلاكية من اللحوم بنسبة تتراوح بين 50 و53 بالمئة.

ويبدو أن تلك المشكلات ليست وحدها التي تؤثر على القطاع، إذ يتكبد المربون خسائر هائلة من تهريب فراخ الدجاج من الجزائر، حيث لا توجد أرقام دقيقة حولها، ما يتسبب في فائض من الإنتاج إلى جانب المشكلات الصحية التي قد تنجم عن ذلك.

واتخذت وزارة الفلاحة في السنوات التي تلت الإطاحة بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي حزمة من الإجراءات العاجلة لمواجهة الأوضاع الصعبة التي يعيشها قطاع الدواجن من أهمها إعادة العمل بنظام حصص الأمّهات وإنجاز مسح لكامل لمنشآت إنتاج الدواجن مع رفع جميع القيود عن تصدير منتجات الدواجن.

وتضمنت معظم القرارات تحديد وتعديل الإنتاج من خلال تقليص عدد الأمّهات المورّدة والاستبعاد المبكّر للدجاج البياض وسحب بيض التفريخ، لكن من الواضح أن كل تلك الخطوات لم تساعد على إنقاذ الوضع بشكل جدي.

10