وفد فرنسي يترجم الاعتراف بمغربية الصحراء بخطوات للاستثمار في الأقاليم الجنوبية

تستكمل فرنسا خطوات تقاربها مع المغرب بعد الاعتراف بمغربية الصحراء، وإعلان التعاون والشراكة في عدة مجالات، بزيارة وفد من رجال الأعمال إلى الأقاليم الجنوبية التي تتطلب اهتمامًا خاصًا من أجل تعزيز الاستقرار والتنمية.
الرباط - ترسيخًا للاعتراف الفرنسي بمغربية الصحراء ومواكبة للموقف الجديد الذي عبّر عنه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بدأ السفير الفرنسي كريستوف لوكورتييه جولته إلى مدينتي العيون والداخلة برفقة دبلوماسيين ورجال أعمال، في إطار التمهيد لتنفيذ حزمة المشاريع التي أعلن عنها الرئيس إيمانويل ماكرون في زيارته إلى المغرب الشهر الماضي.
وتمتد جولة لوكورتييه مع حوالي 50 من رجال الأعمال وصناع القرار الاقتصادي بفرنسا من 11 إلى 13 من نوفمبر الجاري، ويتضمن برنامجها الالتقاء بسكان المنطقة بالتعاون مع السلطات الإقليمية، للاستماع إليهم والتعرف على التحديات التي تواجه هذه المناطق.
وتهدف الزيارة حسبما أكدت السفارة الفرنسية، إلى تحديد سبل التعاون المستقبلية التي يمكن أن تساهم فيها فرنسا في تعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية لهذه المناطق، بما يعود بالنفع على سكانها، إذ يعتبر هذا التحرك جزءًا من السياسة الفرنسية الثابتة تجاه المغرب، والتي أكدها ماكرون، في زيارته الأخيرة للمملكة.
وجاء في حديث ماكرون أمام البرلمان المغربي “أعيد التأكيد أمامكم، في نظر فرنسا حاضر ومستقبل هذه المنطقة يندرجان في إطار السيادة المغربية.” وأفاد بأن شركات فاعلين اقتصاديين فرنسيين “سوف يرافقون تنمية هذه المنطقة عبر استثمارات ومبادرات دائمة وتضامنية لصالح سكانها.”
ووفقًا لهذه السياسة، تسعى فرنسا إلى تقديم الدعم للمغرب في مختلف القطاعات، خصوصًا في المناطق الصحراوية التي تتطلب اهتمامًا خاصًا من أجل تعزيز الاستقرار والتنمية.
وتعكس الزيارة ما أكده الرئيس الفرنسي خلال زيارة الدولة التي قام بها إلى المغرب في 29 أكتوبر الماضي، بخصوص مواصلة الوكالة الفرنسية للتنمية والشركات الفرنسية دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الأقاليم الجنوبية للملكة، بعد توقيع عدة شركات فرنسية اتفاقيات لإنتاج الطاقة المتجددة بالصحراء المغربية، مبرزا أن المنطقة تتميز بمناخ مناسب يعزز إنتاج الطاقة الشمسية والريحية، مما يجعلها وجهة جذابة للاستثمار.
وبموازاة زيارة الوفد الفرنسي للأقاليم الجنوبية، أشاد وزير الخارجية الفرنسية جان نويل بارو، الاثنين، بـ”الشراكة النموذجية” للتعاون بين الشمال والجنوب التي تجمع فرنسا والمغرب.
وأوضح في كلمته لمنتدى باريس للسلام بباريس، “أننا قررنا معا إطلاق شراكة متجددة للسنوات القادمة، وسنعمل على جعلها أكثر قوة،” وأنه “مع المغرب، نتطلع الآن إلى مستقبل قررنا أن نبنيه وندافع عنه معا.” وذلك بحضور سفيرة المغرب في باريس، سميرة سيطايل، وثلة من القادة السياسيين ورجال الأعمال والفاعلين من المجتمع المدني من جميع أنحاء العالم.
وبخصوص قضية الصحراء المغربية، وفي إطار الزخم الذي أضفاه العاهل المغربي محمد السادس على القضية الوطنية، نشرت وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية على موقعها الرسمي، الخريطة الرسمية للمملكة المغربية متضمنة صحراءها، فضلا عن توسيع الدائرة القنصلية لتغطي الأقاليم الجنوبية للمملكة.
وأوضح هشام معتضد، الأكاديمي والخبير في الشؤون الاستراتيجية، أن “زيارة الوفد الفرنسي برئاسة سفير الجمهورية بالرباط، تعد فرصة للمغرب لتوسيع زخم التعاون الثنائي لتحقيق أهدافه التنموية وتعزيز حضوره على كافة الأقاليم المغربية بما فيها الجنوبية، مع دعم فرنسا لقطاعات كالأمن الغذائي، والمياه، والطاقة المتجددة، ما يشكل فرصة للمغرب لتعزيز إمكاناته التنموية.”
جولة لوكورتييه مع حوالي 50 من رجال الأعمال وصناع القرار الاقتصادي بفرنسا تمتد من 11 إلى 13 من نوفمبر الجاري
وأضاف معتضد في تصريحات لـ”العرب”، أنه بفضل هذه الشراكة المعززة مع فرنسا، يمكن للمغرب أن يصبح مركزا إقليميا للابتكار في مجالات حيوية، مثل الطاقات المتجددة، ما سيسمح له بمشاركة خبراته ومشاريعه النموذجية مع دول الجوار، كما يعزز ذلك جاذبية مدن المغرب منها العيون والداخلة كمركز اقتصادي أفريقي جاذب للاستثمارات الأوروبية والدولية التي ستدعم التنمية الشاملة في القارة.
ويؤسس الإعلان المشترك الذي وقعه كل من الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نهاية أكتوبر الماضي بالقصر الملكي في الرباط، لمرحلة جديدة من العلاقات بين المملكة المغربية والجمهورية الفرنسية، من خلال الارتقاء بها إلى مستوى “الشراكة الاستثنائية الوطيدة”، مؤكدا رغبة البلدين في رفع جميع التحديات التي تواجههما من خلال تعبئة كل القطاعات المعنية بالتعاون الثنائي والإقليمي والدولي.
وسجلت الحكومة الفرنسية أنها تعتزم تعزيز حضورها القنصلي والثقافي بالصحراء المغربية من أجل إحداث رابطة فرنسية، إلى جانب مواكبة الشركات الفرنسية تنمية هذه الأقاليم من خلال استثمارات ومبادرات مستدامة ومتضامنة لفائدة السكان المحليين، كما أن سفير فرنسا بالمغرب سيتوجه ابتداء من الأسبوع المقبل إلى الأقاليم الجنوبية.
وفي إطار انخراط البلدين في مسار الشراكة النموذجية والاستثنائية، استهل الوفد الدبلوماسي الفرنسي محطات الزيارة الأولى من نوعها إلى المنطقة بعقد سلسلة من الاجتماعات مع رؤساء وأعضاء المجالس المنتخبة بالجهة، والوقوف على عدد من المشاريع والورش التنموية الكبرى المنجزة في إطار النموذج التنموي، وذلك للاطلاع على الوضع العام بالأقاليم الجنوبية.
الإعلان المشترك الذي وقعه كل من الملك محمد السادس والرئيس الفرنسي يؤسس لمرحلة جديدة من العلاقات بين الرباط وباريس
وتنظم الغرفة الفرنسية للتجارة والصناعة بالمغرب، الأيام الاقتصادية المغربية الفرنسية في جهتي العيون الساقية الحمراء والداخلة وادي الذهب، التي تمثل بحسب بيان للغرفة مرحلة جديدة في تعزيز الإرساء الإقليمي للغرفة، لاسيما في الجهات الجنوبية للمملكة لتعزيز الشراكة الاقتصادية بين فرنسا والمغرب وتعزيز التعاون الاقتصادي في القطاعات الإستراتيجية والمستقبلية.
وفي هذا السياق، أكدت كلوديا جاوديو فرانسيسكو، رئيسة غرفة التجارة والصناعة الفرنسية بالمغرب “إننا مقتنعون بالإمكانات الاقتصادية التي تتمتع بها جهات الجنوب المغربي، ونحن ملتزمون تمامًا بدعم المشاريع التي تساهم في مخططها التنموي، وتوفر الأيام الاقتصادية المغربية-الفرنسية للشركات الفرنسية وللشركاء المغاربة منصة فريدة لاكتشاف إمكانات الاستثمار واغتنام الفرص المتاحة بهذه الجهات.”
وخلص هشام معتضد إلى أن الشراكة التي يترجمها هذا الحدث بالعيون والداخلة تأتي كجزء من رؤية إستراتيجية متكاملة يطمح المغرب من خلالها إلى لعب دور محوري في القارة الأفريقية، وتحقيق تنمية مستدامة.
وأوضح أن العمل مع فرنسا، كقوة اقتصادية وسياسية، يدعم المغرب في مساعيه لترسيخ أقدامه في أفريقيا وتوسيع أفق التعاون مع أوروبا، ما يجعله نموذجا رائدا للشراكات الإستراتيجية القائمة على الاحترام المتبادل والتنمية المستدامة.
وكان الرئيس الفرنسي قد أعلن خلال زيارته، إبرام المغرب وفرنسا لعقود استثمارية بقيمة تقارب 10 مليارات دولار، تشمل تكليف الشركتين الفرنسيتين “ألستوم” و”إيجيس” بالشطر الثاني لخط القطار فائق السرعة بين طنجة ومراكش، بعدما كانت شركات فرنسية حازت مشروع الخط الأول الذي يربط حاليا بين الدار البيضاء وطنجة، ودشنه ماكرون ومحمد السادس في 2018.
كما تم التوقيع أيضا على اتفاقيات في قطاعات الطاقة والهيدروجين الأخضر، بمساهمة شركة “توتال إنرجي” الفرنسية، وصناعة الطائرات عبر تكليف شركة “سافران” الفرنسية بإنشاء وحدة لصيانة محرّكات الطائرات، كما أعلنت شركة الملاحة البحرية الفرنسية “سي إم إي سي جي إم” توقيع شراكة لاستغلال رصيف الحاويات في ميناء الناظور، شمال شرق المغرب، مناصفة مع شركة “مارسا ماروك” المغربية بموجب عقد يدوم مدة 25 عاما.