وفد تجاري أميركي عملاق يختبر وضع المحسوبية والفساد في العراق

وراء الكواليس، تتأثر إستراتيجية العراق بشكل كبير بشبكة من جماعات الضغط التي تعمل على صياغة الخطاب المُحيط بعلاقته بالولايات المتحدة.
الجمعة 2025/04/11
توثيق العلاقات مهمة طويلة ومعقدة

توجّه وفد تجاري أميركي بارز إلى بغداد في 7 أبريل 2025، في زيارة استغرقت ثلاثة أيام، كانت الأكبر في تاريخ غرفة التجارة الأميركية. وتعكس هذه الزيارة رفيعة المستوى، التي ضمّت 101 مندوبا من 60 شركة، الاهتمام المتزايد بالقطاع الخاص العراقي، خاصة في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والصحة.

الزيارة تعد فرصة محورية لتعزيز العلاقات الأميركية – العراقية وتوسيع التجارة الثنائية، إلا أنها تُنذر باستمرار الوضع الراهن الذي لا يخدم مصالح الشعب العراقي أو مستقبله في ظلّ الخلل السياسي المزمن، وقد تفاقم بشدة بسبب النفوذ الإيراني المتغلغل.

لقد رسّخت طهران سيطرتها على المؤسسات السياسية والأمنية العراقية، وساهمت بشكل كبير في تشكيل اقتصاد البلد بالاستثمارات المباشرة والميليشيات التي تعمل في ظلّ إفلات شبه كامل من العقاب. وتهيمن الجماعات التي تدعمها الآن على القيادة السياسية، مما يجعل إجراء إصلاحات جوهرية أمرا شبه مستحيل دون موافقتها.

خدم التدخل الأميركي المطول، غالبا، مصالح تلك الفصائل التي لا تزال قدمها راسخة في نظام الحكم والاقتصاد العراقيين. ولا يزال الفساد المستشري في النظام السياسي، الذي تغذيه الأحزاب والميليشيات المدعومة من إيران، عائقا أمام محاولات تنويع الدخل أو تقديم الخدمات الأساسية. ويجب في هذا السياق تقييم فوائد البعثة التجارية ومخاطرها المحتملة.

ورغم من أن البعثة تُصوَّر باعتبارها وسيلة لتعميق العلاقات الاقتصادية، إلا أن من الواضح أن هدف العراق الحقيقي يكمن في صرف الانتباه عن القضايا الجوهرية التي تشمل اعتماده المستمر على الميليشيات، ونفوذ طهران الواسع على أنظمته السياسية والعسكرية والأمنية.

العراق قدّم وعودا متكررة بفرص تجارية، إلا أنه لم يحقق أية نتائج ملموسة

وبغض النظر عن حجم البعثة أو ما تُبشر به من مشاريع جديدة، يبدو أن العراق يُعيد اعتماد أساليب مألوفة تُشبه تلك المستخدمة خلال زيارة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إلى واشنطن سنة 2024. حينها، وقّعت الحكومة اتفاقيات أولية مع شركات أميركية. لكن الكثير منها لم يتحقق. ويبدو أن هذه البعثة مُستعدة لاتباع المسار نفسه، بالوعود قصيرة الأجل مقابل تعاون مستقبلي، دون مواجهة هيمنة إيران.

قدّم العراق وعودا متكررة بفرص تجارية، إلا أنه لم يحقق أية نتائج ملموسة. وأصبح هذا النهج، الذي يتسم بتوقيع اتفاقيات أولية والانخراط في دبلوماسية رفيعة المستوى دون متابعة حقيقية، استراتيجية متكررة. فهو وسيلة لكسب الوقت مع تجنب اتخاذ قرارات صعبة، بخصوص النفوذ الإيراني.

يُدرك العراق أن الحوافز الاقتصادية المقترحة على الشركات الأميركية لن تحلّ المشكلة الأعمق المتمثلة في نفوذ إيران. وهو يهدف، من خلال التجارة، إلى تقديم واجهة استقلالية عن طهران. لكن هذه الرواية خادعة وتهدف إلى كسب الوقت في ظل استمرار اعتماد البلاد على الميليشيات للحفاظ على سيطرتها على المؤسسات الرئيسية. وليست قبضة إيران خطرا وشيكا، بل هي حقيقة حاضرة لا يمكن إنكارها. ويجب لذلك ألا تُشتت الولايات المتحدة انتباهها بالمبادرات الاقتصادية.

يتشكل نهج العراق وراء الكواليس من خلال شبكة من جماعات الضغط والمحامين وشركات العلاقات العامة الذين يعملون على التأثير على وجهة النظر الأميركية. هؤلاء المحترفون بارعون في الترويج للبلد وإبرازه شريكا تجاريا فعّالا. ويكمن هدفهم في إقناع الرئيس الأميركي دونالد ترامب وإدارته بأن بغداد مستعدة للتعاون الاقتصادي، وبالتالي فتح الأبواب والفرص أمام الشركات الأميركية.

ويمكن، من وجهة نظرهم، تجاهل علاقات العراق بإيران أو التقليل من شأنها سعيا لتحقيق المصالح التجارية الأميركية. هذه الإستراتيجية جزء من جهد أوسع نطاقا لتحويل الانتباه عن الوضع السياسي والأمني. فبالتركيز على التجارة والاستثمار، تسعى بغداد إلى طمس الهيمنة المستمرة التي تحظى بها الميليشيات وسيطرة طهران على المشهد السياسي. ورغم الآفاق التجارية الحقيقية، إلا أنها موجودة في بيئة هشة تتأثر بشدة بالقوى الموالية لإيران.

من غير المرجح أن يقتنع ترامب بالوعود الاقتصادية، حيث يصرّح باستمرار بأن نفوذ إيران في العراق غير مقبول

يُمثل هذا التركيز على التعاون الاقتصادي إشكالية بالغة بالنسبة إلى ترامب الذي أعرب عن معارضته الشديدة للوجود العسكري الإيراني في العراق. فبينما تُقدم الحكومة نفسها على أنها منفتحة على الاستثمار الأميركي، فإنها تطمح لاستغلال هذه البعثة لصرف الانتباه عن الدور الإيراني المتجذر في العراق. ويُعدّ حماسها الواضح للمشاركة التجارية تشتيتا إستراتيجيا عن المشكلة الجوهرية. فطالما تعمل الميليشيات بحرية، تبقى سيادة البلد في خطر.

وحتى لو بدت هذه المشاريع الاقتصادية واعدة، فإن الشركات الأميركية تواجه مخاطر جسيمة. وتُشكل بيئة العراق، تهديدات كبيرة لاستثماراتها. ولهذه الميليشيات سجل حافل باستهداف مصالح واشنطن، ويزيد بقاؤها من خطر العنف ضدها. ويُصبح أي استثمار محفوفا بالمخاطر في ظلّ هذه الظروف غير المستقرة. ويتجاوز التهديد المصالح التجارية ليشمل الرعايا الأميركيين في المنطقة.

ومن غير المرجح أن يقتنع ترامب بالوعود الاقتصادية، حيث يصرّح باستمرار بأن نفوذ إيران في العراق غير مقبول، رغم الرسائل المتفائلة التي أطلقها الوفد التجاري. وقد تُوحي الزيارة بوجود فرص جديدة للشركات الأميركية، إلا أن هذه الفرص تبقى في بيئة غير مستقرة تُشكّلها الميليشيات المدعومة من إيران.

يرى ترامب أن المشاركة الاقتصادية يجب ألا تكون على حساب التسامح مع دور إيران. وأكدت إدارته أن وجودها العسكري في العراق، وخاصة من خلال قوات الحشد الشعبي، يبقى خطا أحمر. ولا تفوق الإمكانات التجارية المخاطر الأمنية التي تُشكّلها قبضة إيران على العراق. وبينما يحاول العراق صرف الانتباه عن هذه المشاكل الأساسية، يبقى من غير المرجح أن يُضلّل ترامب.

يشير جحم ممثلي الشركات الأميركية في قطاعات كالطاقة والصحة إلى تجدد الاهتمام الأميركي بالعراق. لكن البعثة قد تُمكّن الجهات المسؤولة عن الجمود السياسي بالبلد. قد تُفيد أي اتفاقيات جديدة النخب المرتبطة بإيران التي تُسيطر على الحكومة والجيش والقطاعات الحيوية. ويكشف هذا الوضع عن تناقض جوهري في السياسة الأميركية، فبينما تهدف واشنطن إلى دعم تعافي العراق، إلا أنها لا تزال مُنخرطة في نظام يعمل دون مساءلة.

ترامب يرى أن المشاركة الاقتصادية يجب ألا تكون على حساب التسامح مع دور إيران

وعلى سبيل المثال، ضم الوفد شركة جنرال إلكتريك، التي وقعت صفقة لمحطات طاقة عالية الكفاءة. ورغم أهمية تعزيز بنية الطاقة التحتية إلا أن هذا قد يدعم، عن غير قصد، النخب الموالية لإيران التي تُهيمن على القطاع في العراق. وليست هذه الصلة اقتصادية فقط، بل هي جزء من ترتيب جيوسياسي أوسع يُعزز اعتماد بغداد على طهران.

يكتسب هذا الأمر أهمية خاصة بسبب اعتماد العراق السابق على واردات الطاقة الإيرانية، وهو ما انتهى بنهاية الإعفاء من العقوبات الأميركية في 2025 الذي سمح له بشراء الطاقة الإيرانية، في عهد الرئيس الأميركي السابق جو بايدن، لكنه أُلغي بعد عودة ترامب في يناير.

من بين أولى خطوات ترامب إعادة فرض حملة “الضغط الأقصى” على إيران، وإلغاء الإعفاء، وتكثيف الجهود لكبح نفوذها الإقليمي. ورغم أن هذا القرار كان متوقعا بالنظر إلى موقفه، إلا أنه يحمل تداعيات كبيرة على العراق الذي يواجه الآن تحدي تأمين مصادر طاقة بديلة في ظل ضغوط اقتصادية خانقة.

كان اعتماد العراق على الطاقة الإيرانية عاملا رئيسيا في تبعيته السياسية لطهران، خاصة وأن شبكة الكهرباء تعتمد بشكل كبير على تلك الواردات خلال فصل الصيف. ويدفع إلغاء الإعفاء العراق للبحث بشكل عاجل عن بدائل من دول مثل قطر وعُمان، مع سعيه في الوقت نفسه إلى تطوير احتياطاته من الغاز.

لكن هذا التحول سيكون صعبا. فالبنية التحتية متخلفة، وسيتطلب استبدال الإمدادات الإيرانية وقتا. كما قد يؤدي هذا التحول في السياسة إلى المزيد من زعزعة استقرار النظام الاقتصادي العراقي الهش أصلا، وهو يعاني بالفعل من الفساد وعدم الكفاءة.

اعتماد العراق على الطاقة الإيرانية كان عاملا رئيسيا في تبعيته السياسية لطهران، خاصة وأن شبكة الكهرباء تعتمد بشكل كبير على تلك الواردات خلال فصل الصيف

تروج الولايات المتحدة لفكرة عراق مزدهر ومستقل، لكن وجود فصائل مدعومة من إيران في جميع جوانب الحكم يثير مخاوف بشأن صدق هذه الجهود. ولا يؤدي استمرار الدعم للهيكل الحكومي الفاسد إلا إلى تعزيز هيمنة إيران الاقتصادية والسياسية والعسكرية.

وبذلك ساهمت، وعن غير قصد، في استقرار الجماعات التي تُعيق استقلال العراق. ومع دخول الشركات الأميركية إلى العراق، يُخشى أن يتم تعزيز نفوذ الميليشيات المدعومة من إيران، وبالتالي، فإن أي استثمار أميركي في قطاعات حيوية كالبناء والطاقة يدعم بشكل غير مباشر نظاما فاسدا غير مستقر يُعاني منه البلد منذ سقوط صدام حسين.

على أميركا اعتماد إستراتيجية جديدة. يحمل التعاون مع العراق أهمية بالغة، لكن لا ينبغي أن يُسهم في تعزيز نظام يهيمن عليه وكلاء إيران. وتُخاطر أي سياسة يقتصر تركيزها على الاتفاقيات الاقتصادية دون معالجة السيطرة السياسية الإيرانية، بتعزيز هذه الجماعات مع إدامة اعتماد العراق على طهران.

بدلا من تعزيز النظام السياسي العراقي الحالي، يجب أن تقرر واشنطن منح الأولوية لإجراءات تستهدف النخب الفاسدة المسيطرة على ثروات البلاد. ويجب أن يُشكل فرض العقوبات على هذه الشخصيات، إلى جانب الضغط للإصلاح السياسي، حجر أساس السياسة الأميركية. وفي نفس الوقت، من شأن تعزيز المجتمع المدني العراقي، ودعم الشركات المستقلة، وتشجيع الإصلاحات الشعبية أن تُوفر مسارا أكثر استدامة للمضي قدما.

في الختام، يجب عدم اعتبار زيارة البعثة الأميركية دبلوماسية محايدة، فهي تندرج ضمن صراع جيوسياسي أوسع نطاقا، يتجاوز الصفقات التجارية ويحدد التوجه العراقي المستقبلي. ومن خلال الاعتراف بالنفوذ الإيراني، يمكن أن تُكيّف واشنطن نهجها بفعالية أكبر لتجنب ترسيخ الوضع الراهن الذي لا تستفيد منه سوى طهران.

قد تُصوّر البعثة على أنها خطوة لتعزيز العلاقات، إلا أنه من الواجب على أميركا مواجهة الحقيقة على أرض الواقع: فالعراق ليس على مسار تقدم مستقل، بل لا يزال تحت النفوذ الإيراني القوي. وقد لا يؤدي التدخل الأميركي إلا إلى ترسيخ سيطرة إيران والحفاظ على إطار فاسد يعيق إمكانات العراق الحقيقية إن لم يكن مصحوبا بتحول كبير في كيفية تفاعل واشنطن مع النظام السياسي العراقي. وبينما يرحب العراق بالشركات الأميركية، يجب التذكير بأن على التعاون الاقتصادي أن يقترن ويُوازن مع جهود لاستعادة سيادة العراق والحد من النفوذ الإيراني.

اقرأ أيضاً:

10