وضعية هانيبال القذافي تحت الأرض تغضب الليبيين وتحرج لبنان

طرابلس - أثارت صور نشرتها قناة “الجديد” اللبنانية، من داخل زنزانة هانيبال القذافي تحت الأرض، ردود فعل غاضبة في ليبيا، وكشفت عن حجم التنكيل الذي يتعرض له ابن الزعيم الراحل معمر القذافي من قبل حركة “أمل” الشيعية وبغطاء من القضاء اللبناني.
وأدت وضعية ابن القذافي إلى استياء كبير في أوساط المجتمع الليبي بمختلف مكوناته، وشكلت حرجا للبنان الخاضع لهيمنة الثنائي الشيعي الممثل في حزب الله وحركة أمل، واللذين طوعا القضاء لتحقيق أهدافهما السياسية والعقائدية.
وطلبت وزارة العدل في حكومة الوحدة الوطنية الليبية، من السلطات اللبنانية توفير الضمانات والحقوق اللازمة والرعاية الصحية والزيارات والتراسل لهانيبال القذافي، “مع التأكيد على حقه في الإفراج عنه دون قيد أو شرط، لعدم ثبوت التهمة الموجهة إليه أو وجود أدنى أدلة تربطه بالقضية المعتقل بسببها”.
وقالت الوزارة في بيان إنها اطلعت على ما تناقلته وسائل الإعلام حول الظروف التي يمر بها المواطن الليبي هانيبال القذافي بدولة لبنان من حيث مكان احتجازه وحرمانه من الحقوق التي تكفلها المواثيق والمعاهدات الدولية.
وأعربت عن أملها في أن تحظى بردود رسمية من الجهات المعنية بالجمهورية اللبنانية تفيد بتحسين ظروف اعتقاله، خلاف لما عليه الوضع الراهن، وأكدت أنها ستتابع مستجدات الموضوع، وستكون على تواصل مع الجهات السياسية والمنظمات الحقوقية الدولية والإقليمية، “لضمان قيام السلطات اللبنانية المعنية بمسؤولياتها حيال المعتقل الليبي ونيله لحقوقه وحريته”.
ومن جانبه، عبر ابن ولي العهد إبان الحكم الملكي في ليبيا، محمد الحسن الرضا السنوسي، عن تعاطفه مع هانيبال القذافي، المحتجز لدى السلطات اللبنانية منذ العام 2015، مؤكدا رفضه تعرض الليبيين لـ”أي شكل من أشكال الاعتقال غير المسبب أو التعذيب أو الامتهان أو التغييب أينما وُجودا سواء داخل ليبيا أو خارجها”.
السلطات اللبنانية اعتقلت، هانيبال القذافي في 2015 بتهمة «كتم معلومات» بشأن قضية اختفاء الإمام موسى الصدر
وقال السنوسي عبر حسابه على منصة “إكس” إن “الصور المنشورة للمواطن الليبي هانيبال القذافي من مكان اعتقاله إن ثبتت صحتها؛ تبعث في النفس مشاعر مؤلمة”.
وأضاف أنه يرفض احتجاز هانيبال بهذا الشكل ولكل هذه المدة، مطالبا بأن “يُعطى الفرصة العادلة للمحاكمة بشكل يحفظ له حقوقه وكرامته، وإلا فليُطلق سراحه فورا”، مردفا “العدالة والاحترام حق أصيل لجميع البشر وأبناء شعبنا ليسوا بأقل من أقرانهم من مواطني الدول الأخرى”.
وأكدت قناة “الجديد” اللبنانية على أن ابن الزعيم الليبي السابق يعاني من ظروف صحية صعبة، وكشفت أنه “محتجز في غرفة تحت الأرض، تتسع لبعض الاحتياجات والأدوية، وتتضمن حمامًا بكرسي أرضي”، ونقلت عنه قوله “أعيش بهدلة، وأتحداكم أن تشرحوا لي أين المعاملة الخاصة، وما هو مفهومكم عن الفي آي بي؟!”، متابعًا: “وضعي غير جيّد تحت الأرض، وأريد أكسجين”.
وأكدت المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان بليبيا أن ما يتعرض له هانيبال أمر لا يمكن السكوت عنه من مبدأ السيادة وحق المواطنة والدفاع عن حقوق المواطنين الليبيين في الخارج.
وطالبت في بيان لها بالإفراج عنه دون أي قيد أو شرط لعدم ثبوت التهمة الموجهة إليه أو وجود أدنى أدلة تربطه بالقضية المعتقل بسببها، أو تسليمه إلى السلطات الليبية.
ودعت المؤسسة الحقوقية الليبية مفوضية الأمم المتّحدة السامية لحقوق الإنسان للتدخل لدي السُلطات اللبنانية لضمان إطلاق سراح هانيبال، وذلك باعتبار ما تعرض له هو اختطاف واحتجاز تعسفي لحريته ليس لهما أساس قانوني، كما جددت مطالبتها لحكومة الوحدة الوطنية ووزارتي العدل والخارجية والتعاون الدولي بالعمل على التحرك العاجل لضمان إطلاق سراح هانيبال القذافي، والتحرك أمام الآليات الدولية والأممية لضمان التزام السلطات اللبنانية بإطلاق سراحه.
قناة الجديد اللبنانية أكدت أن ابن الزعيم الليبي السابق يعاني من ظروف صحية صعبة، وكشفت أنه محتجز في غرفة تحت الأرض، تتسع لبعض الاحتياجات والأدوية
وأوقفت السلطات اللبنانية في ديسمبر 2015 ابن الراحل معمر القذافي. وأصدرت بحقه مذكرة اعتقال بتهمة “كتم معلومات” بشأن قضية اختفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيه الذين شوهدوا للمرة الأخيرة في ليبيا في 31 أغسطس 1978، بعد أيام من وصولهم إليها بدعوة رسمية.
وبحسب مراقبين، فإن أسلوب التعامل مع هانيبال القذافي تجاوز كل أشكال الانتقام والتشفي، وبات يشكّل عنوانا أساسيا لنزعة الكراهية التي يمكن أن يمارسها قادة طائفيون تحقيقا لأهداف شخصية وحزبية، أو لابتزاز الطرف المقابل.
ويرى المراقبون، أن الزج بشخص لمدة تسع سنوات في سجن تحت الأرض، في إطار تهمة بجريمة جرى تنفيذها، قبل أن يتجاوز الثانية من عمره، يمثل إهانة ليس للمتهم فقط، وإنما لمن يقف وراء الاتهام، ولمن يرتدي عباءة القضاء في بلد خاضع لنفوذ ميليشيات شيعية تتصرف في مؤسسات الدولة كضيعة خاصة لمشروع عقائدي.
وقال هانيبال مرارا خلال التحقيقات إنه لا يملك أي معلومات لأن الحادثة حصلت عندما كان طفلا، وإن اختفاءه لا يعلمه إلا شقيقه الأكبر سيف الإسلام القذافي ورئيس الوزراء الليبي الأسبق عبدالسلام جلود، إلى جانب قريب والده أحمد قذاف الدم المقيم في القاهرة ووزير الخارجية الأسبق موسى كوسا.
وفي يناير الماضي، قالت “هيومن رايتس ووتش” إنه “يتعين فورا على السلطات اللبنانية إطلاق سراح هانيبال القذافي، المحتجز احتياطيا بتهم ملفقة منذ اعتقاله في ديسمبر 2015”.
وذكرت أن “قوى الأمن الداخلي اللبنانية، التي تشرف على عمليات السجون، اعتقلت القذافي بزعم صلته باختفاء الإمام اللبناني موسى الصدر ورفيقيه في ليبيا بعد زيارة رسمية في أغسطس 1978”، حيث تتهم السلطات اللبنانية هانيبال ب“حجب معلومات والتدخل لاحقا في جريمة الاختطاف المستمر للإمام الصدر، رغم أن عمر القذافي في 1978 كان وقتها عامين فقط”.
واعتبرت حنان صلاح، المديرة المساعدة لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في “هيومن رايتس ووتش” أن “الاحتجاز التعسفي المفترض لهانيبال القذافي بتهم ملفقة بعد إمضائه ثماني سنوات في الحبس الاحتياطي، يثير السخرية من النظام القضائي اللبناني الضعيف أصلا. استنفدت السلطات اللبنانية منذ فترة طويلة أي مبرر للاستمرار في احتجاز القذافي وينبغي لها إسقاط التهم والإفراج عنه”.
وأضافت “ندرك أن الناس يريدون معرفة ما حدث للإمام الصدر، لكن من غير القانوني إبقاء شخص رهن الاحتجاز الاحتياطي لسنوات عديدة لمجرد ارتباطه المحتمل بالشخص المسؤول عن ارتكاب الخطأ”.
وبحسب أوساط ليبية، فإن قضية هانيبال القذافي لا تزال تدور حول رغبة أطراف لبنانية في ابتزاز ليبيا، انطلاقا من رغبتها في الحصول على تعويضات مهمة، لاسيما في ظل استمرار الحديث منذ العام 2011 عن ثروات طائلة تحتكم عليها أسرة القذافي، وهي إشاعات كانت جزءا من خطاب التضليل الإعلامي الذي رافق حرب الإطاحة بالنظام في العام 2011 ثم معركة السيطرة على موارد الدولة فيما بعد وخاصة من قبل تيار الإسلام السياسي وأمراء الحرب.
ورجحت الأوساط أن تشهد ليبيا خلال الأيام القادمة حراكا اجتماعا واسعا للضغط على السلطات المركزية من أجل العمل على الإفراج عن ابن القذافي من مكان احتجازه اللبناني الواقع تحت الأرض.