وصمة المال الأسود تلاحق نواب الأردن الجدد

يواجه مجلس النواب الجديد في الأردن تحديات كبيرة لعل في مقدمتها تحسين صورة مشوّهة لدى الرأي العام المحلي في ظل شبهات تلاحق نوابا فائزين بشراء أصوات، وسط تساؤلات تبدو مشروعة للكثيرين، من بينها كيف يمكن الوثوق في هؤلاء في إصدار قوانين وتشريعات، أو في تولي الرقابة على السلطة التنفيذية؟
عمان – يتعرض البرلمان الأردني الجديد إلى حملة تشكيك واسعة قبل انطلاقته، في ظل فضائح تلاحق فائزين بشراء أصوات، وآخرين بخرق قانون الدفاع الوطني المعلن منذ مارس الماضي من خلال إقامة تجمعات احتفاء بالعضوية.
ويتساءل مسؤولو البلد والمواطن الأردني العادي كيف يمكن لنواب تلاحقهم وصمة تحدي القانون والتورط في المال الفاسد، أن يمثلوا صوت الشعب في المجلس الجديد؟
وتمت في الأيام الأخيرة إحالة عدد من المرشحين على المدعي العام بينهم فائزون في الاستحقاق التشريعي الذي جرى في 10 نوفمبر، وسط إمكانية كبيرة لإسقاط عضويتهم في حال ثبتت الاتهامات الموجهة إليهم.
وأعلن الناطق الإعلامي للهيئة المستقلة للانتخاب في الأردن، جهاد المومني، مؤخرا أن الهيئة أحالت إلى المدعي العام عددا من المرشحين للانتخابات النيابية العامة، أو أنصارا لهم وردت للهيئة بحقهم تسجيلات وفيديوهات ومواد تثبت شراءهم للأصوات قبل وخلال يوم الاقتراع، بينهم مرشحون فازوا بالانتخابات.
وأضاف المومني في بيان، أنه تمت إحالة عدد من المرشحين على الادعاء العام بسبب إساءتهم للعملية الانتخابية والتشويش على النتائج، لأسباب مرجعها عدم رضاهم عن نتائجهم الشخصية في الاستحقاق.
وكان العديد من المرشحين أعلنوا نيتهم الطعن في الانتخابات فيما ذهب عدد منهم بعيدا بتحريض أنصارهم على الخروج إلى الشارع، بالرغم من حالة الطوارئ المعلنة والتي تمنع أي تجمعات أو تجمهر.
إحالة عدد من المرشحين على المدعي العام بينهم فائزون في الاستحقاق التشريعي الذي جرى في 10 نوفمبر
ويرى مراقبون أن ما حدث، لاسيما من قبل فائزين بعضوية المجلس التاسع عشر، لا يضرب فقط صورة النائب أمام الرأي العام المحلي بل وأيضا يخلق حالة من غياب الثقة والتشكيك بين النواب أنفسهم، لاسيما بالنسبة إلى أولئك الذين تطاردهم تهمة دفع أموال للوصول إلى قبة البرلمان.
ويشكل المال السياسي أو المال الأسود أحد الظواهر السلبية التي ترافق كل استحقاق تشريعي في المملكة. ورغم الجهود التي قامت بها الهيئة المستقلة للانتخابات، إلا أن العديد من الخروقات تم تسجيلها خلال الاستحقاق المنتهي.
ويقول المراقبون إن السبب في استشراء هذه الظاهرة في الانتخابات الأخيرة يعود إلى عزوف الناخبين عن صناديق الاقتراع، نتيجة الوضع الوبائي وتراجع الثقة لدى المواطن في إمكانية تحقيق أي تغيير في الوضعين الاقتصادي والاجتماعي.
ويلفت المراقبون إلى أن العديد من المرشحين انساقوا وراء لعبة شراء الأصوات في محاولة لتعزيز حظوظهم في الاستحقاق، والوصول إلى قبة البرلمان.
وقال تحالف “راصد” لمراقبة الانتخابات في تقرير صدر عنه في وقت سابق “لقد شكّل استخدام المال الفاسد وما ارتبط به من عمليات شراء أصوات، تحدّيا أثّر بشكل سلبي على مجمل العملية الانتخابية، وساهم في الحدّ بشكل جزئي من حرية الناخبين، وأثر على مخرجات العملية الانتخابية، مما يستدعي جهدا وطنيا تتشارك فيه كافة مؤسسات الدولة الحكومية وغير الحكومية والأحزاب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني والمواطنين والمرشحين للحدّ من هذه الممارسة”.
وأشار “راصد” إلى وجود تشوّهات في العملية الديمقراطية بسبب عمليات شراء الأصوات، لافتا إلى أن أهم الأسباب التي أسهمت في تزايد تعداد عمليات شراء الأصوات هو تأخر إصدار الأحكام القضائية المرتبطة بالقضايا التي تم تحويلها إبان مرحلة الحملات الانتخابية، موصيا باعتبار القضايا المرتبطة بالمال الفاسد قضايا تأخذ صفة الاستعجال ووضع حدّ زمني للبت فيها.
ويرى نشطاء أردنيون أن تفشي ظاهرة المال الأسود في الانتخابات التشريعية يعكس في واقع الأمر أن دوافع المرشحين لا تأتي من منطلقات مبدئية، بل من نوازع نفسية في علاقة بالامتيازات المادية والمعنوية التي يحصل عليها النائب.
وعلى ضوء الشبهات التي تلاحق العديد من نواب يتساءل النشطاء كيف بالإمكان الثقة في المجلس النيابي الجديد، لاسيما في ظل الظرفية الدقيقة التي تمر بها المملكة والحاجة الملحة إلى تشريعات تسد الثغرات في العديد من الملفات ذات البعدين الأمني والاقتصادي.
ونجح مئة مرشح جديد في الانتخابات الأخيرة، فيما سجلت القوى الحزبية تراجعا دراماتيكيا يحمّله البعض للقانون الانتخابي.
ويتوقع أن يبدأ مجلس النواب الجديد أعماله نهاية نوفمبر الجاري، وستكون أمامه العديد من الملفات الحارقة في مقدمتها بحث الموازنة في وقت تشهد خزينة الدولة حالة استنزاف نتيجة تفشي وباء كورونا وتراجع الدعم الدولي.
ومن التشريعات التي يتوقع أن تكون لها الأولوية في المجلس النيابي الجديد هو تعديل قانون حيازة السلاح، فيما من غير المرجح أن يبحث في دورته الأولى على الأقل قانون الانتخاب بالرغم من تعالي الأصوات المطالبة بإجراء تعديلات عليه.