وصفة سحرية للسرقة
أكثر من 440 ألف عملية نشل حدثت في بريطانيا العام الماضي وقرابة 84 مليون جنيه إسترليني نهبت من جيوب الناس وحقائبهم، من قبل لصوص بارعين في فن الاستغفال والنصب. هذه الإحصاءات التي نشرتها بعض وسائل الإعلام، ربما تبتعد أو تقترب من الحقيقة لكنها بالتأكيد رصد لسلوك جبان وغير متحضّر يستهدف الأبرياء من دون وجه حق. ولهذا، يستعين أفراد الشرطة أحياناً بخبراء ومتطوعين للتعريف بأحدث تقنيات السرقة التي تتم في الشوارع والأماكن العامة، وهم ما زالوا يمارسون واجباتهم في تقديم المشورة لرجال الشرطة على أكمل وجه.
إلى ذلك، أقدم أحد هؤلاء الخبراء على تصوير فيديو بشكل بحث ميداني، قام فيه شخصيا بدور اللص النشّال الذي يدور في الشوارع بحثاً عن ضحايا محتملين. نتائج البحث الميداني السريع، أثبتت نجاح “اللص المتطوع” في تحصيل ما قيمته 2000 جنيه إسترليني، كانت عبارة عن أجهزة هواتف محمولة وحقائب ونقود وأغراض شخصية أخرى، من مقتنيات المارة الساهدين، خلال أربع ساعات فقط!
أثبت هذا الخبير مدى السهولة التي تتم بها عمليات النشل هذه حيث يعرض الفيديو الذي تم تصويره بموافقة الشرطة، لمواقف مؤسفة يقوم بها “المتطوع” بنشل المارة ببساطة في لحظات سريعة جداً، مستغلاً انشغالهم في تصفح الجريدة أو الانغماس في حديث عابر، في حين لا يبدو بأن المارة على وعي تام بما يحصل إلا بعد انقضاء وقت لا بأس به على عملية النشل. في العادة، ينصح رجال الشرطة المواطنين، في ضوء هذه الدراسات، بتوخي الحذر من الغرباء والمارة الذين يطرحون أسئلة سخيفة ومفاجئة.
لكن، ورغم ذلك، ما زالت عمليات النشل تزداد بصورة ملحوظة في الأماكن العامة حيث يعمل أغلب النشّالين على اختراق المنطقة النفسية للضحايا من المارة، فيحاولون تشتيت انتباههم وإشغالهم بأمور جانبية وهم على دراية بأن “صاحب البالين كذاب”، فالاهتمام بحديث جانبي أو وصف تفاصيل عنوان لسائل قد يبعد الانتباه عن المتعلقات الشخصية، وهذه هي الفجوة النفسية التي يمّر من خلالها “الحرامي” ويفر بما خف حمله وغلا ثمنه.
التجربة بمجملها، تلقي باللوم على الضحية بسبب الإهمال وعدم الحيطة، ومع ذلك يورد هذا اللص المتطوع في نهاية بحثه بعض النصائح للجمهور الذي يتعرض للنشل والسرقة، بضرورة اليقظة المستمرة؛ “فإذا ما نجح أحدهم بتعقب خطواتك في طريق عام بصورة لافتة، فعليك بدخول أقرب متجر أو بتغيير الاتجاه بصورة مباغتة”.
وبعد أن كشف اللص عن شخصيته الحقيقية وأعاد المتعلقات المسروقة إلى أصحابها، علّق واحد من الضحايا وهو يحصل على هاتفه مرة أخرى “إنه شيء مقرف، أن تسعى لامتلاك أشياء حلمت بها وفجأة تختفي بسبب معتوه”.
هذه هي الاستراتيجية التي يتبعها السّراق في العادة؛ تشتيت الانتباه، التظاهر بتقديم المساعدة ومحاولة استدراج الضحية إلى مواضيع جانبية، إضافة إلى القدرة على اختراق المنطقة النفسية للضحايا. وهذه هي حتماً الوصفة السحرية لسياسيي الصدفة في العالم العربي، لسرقة كل ما هو قابل للسرقة من جيوب المواطنين وحقائبهم وربما أفكارهم وإرادتهم.
أما الشعوب فأمامها خياران لتلافي هذه السرقة؛ إما الدخول إلى أقرب مخبأ على شكل قبر محكم الإغلاق أو تغيير اتجاه السير بصورة مباغتة إلى خارج الوطن، على متن قبر عائم على المجهول.