وسائل إعلام مصرية ترفع سقف الانتقاد لتمنح الأمل في زيادة هامش الحرية

اتخذت وسائل إعلام مصرية تضم صحفا ومواقع إلكترونية خطوة لافتة برفع سقف النقد وتناول مواضيع كانت محظورة لأنها تمس الرأي العام، ما أعاد الأمل في أن تصبح الانفراجة الأخيرة زيادة حقيقية في هامش حرية الإعلام ويكون لدى المسؤولين إدراك لأهمية نقل هموم المواطنين.
القاهرة - حظيت صحيفة "الوفد" الحزبية في مصر باهتمام لافت بعد أن وجهت انتقادات لاذعة للحكومة المصرية، على خلفية أزمات مختلفة، من بينها زيادة أسعار الوقود، وما يوصف ببذخ سيارات الوزراء، ومضت على الخط الشعبي مطالبة بإقالة وزير التعليم محمد عبداللطيف عقب واقعة وفاة أحد مديري الإدارات التعليمية، ما أثار أسئلة عدة حول دلالات تغيير النبرة بشكل كبير، في وقت كانت فيه الصحيفة التي كان لها خط معارض تسير في كنف الصحف والقنوات المحسوبة على دوائر حكومية.
ولم يقتصر الأمر على صحيفة “الوفد” الصادرة عن أقدم الأحزاب الليبرالية وأكبرها في مصر (حزب الوفد)، فمواقع إلكترونية ليست بعيدة عن الحكومة دخلت على خط قضايا شائكة، بينها التوتر القبلي في محافظة مرسى مطروح، بالقرب من الحدود مع ليبيا، بعد مقتل ثلاثة من أفراد الشرطة واثنين من العناصر الإجرامية.
وحرصت بعض المواقع والصحف على رصد الرواية الرسمية الصادرة عن وزارة الداخلية وأخرى قدمها أبناء المحافظة ونشرت قرارات صدرت عن مجلس عُمد المحافظة الذي أعلن وقف التعامل وتعليق كافة أشكال التعاون مع أجهزة الشرطة بمطروح، إلى حين الانتهاء الكامل من التحقيقات الجارية بشأن الأحداث الأخيرة.
وتطرقت مواقع إلكترونية إلى تطورات حدثت في جزيرة الوراق (وسط القاهرة)، وتشهد بين حين وآخر صدامات بين الأهالي وجهات حكومية بسبب خطط التطوير المرفوضة أهليا، ما يقود إلى تظاهرات تتحول أحيانا إلى اشتباكات بين الطرفين.
ويتفق خبراء الإعلام على أن توالي الأحداث التي تمس الرأي العام يدفع إلى ضرورة وجود مساحات أكبر للحرية يمكن من خلالها استيعاب السخط ضد الجهات الحكومية، ويرون أن إتاحة الفرصة أمام التطرق إلى قضايا كانت محظورة من قبل تأتي بعد أن أثبتت مواقع التواصل الاجتماعي وانتشار هذه القضايا على منصات عربية وأجنبية أنه يصعب تجاوزها، وأن وجود قدر من التناول الموضوعي لها بوسائل إعلام محلية يبقى مفيدا للحكومة والوسيلة الإعلامية والجمهور أيضا.
ويبدو الوقت مناسبا للمزيد من منْح مساحات الحركة للإعلام، إذ أنه يصعب تجاهل المشكلات التي ترتبت مثلا على زيادة أسعار الوقود مع استمرار خطوات رفع الدعم والإقدام على رفع الأسعار 15 مرة في غضون عشر سنوات، ويحتاج الوضع في الشارع إلى مسارات تنفيس تعكس ما يشعر به بعض المواطنين في ظل تحديات معيشية متعددة، وأن الاعتماد على الإعلام المحلي للقيام بهذا الدور أقل كلفة من حالة النفخ المستمرة في الأزمات الداخلية عبر وسائل إعلام أجنبية.
وما زالت القنوات التي يتم بثها من الخارج وتتبع تنظيم الإخوان تلعب على وتر التضييق على الإعلام المصري كي تقدم واقعا يتناسب مع رؤيتها حول الحاصل من خلال بث سموم وشائعات بشكل مستمر، ويتابعها من يقتنعون بأن ما تنشره هو الحقيقة التي لا يستطيع الإعلام المحلي نقلها، ومع خفوت تأثير التضييق الكامل على هذه القنوات عبر التفاهمات السياسية التي جرت بين مصر وكل من تركيا وقطر من المهم إفساح مجال أكبر للتطرق إلى مثل هذه القضايا عبر وجهة نظر تنطلق من رؤية وطنية.
وقال سكرتير عام نقابة الصحافيين الأسبق كارم محمود إن ما قامت به بعض الصحف والمواقع الإلكترونية هو الدور الطبيعي للصحافة المعارضة، ومن الغريب النظر إلى هذا الدور باعتباره تحولا إيجابيا، لأن إثارة قضايا الرأي العام ورصد معاناة المواطنين ومشاكلهم اليومية من أبرز أساسيات عمل وسائل الإعلام، وتراجع هذا الدور أو اختفاؤه ليسا طبيعييْن، وابتعاد الصحافة عن مهامها أثر عليها سلبا بشكل كبير.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الآمال منعقدة على أن تصبح الانفراجة الأخيرة زيادة حقيقية في هامش حرية الإعلام المصري، ويكون لدى المسؤولين إدراك لأهمية نقل هموم المواطنين كي لا تتصاعد، وذلك لا يجب فقط أن ينعكس على دور الإعلام بل أيضا على المؤسسات الرقابية، وفي مقدمتها البرلمان ونوابه.
وأعاد الكثير من المواطنين والمهتمين بالعمل الإعلامي في مصر نشر مانشيتات صحيفة “الوفد” خلال هذا الأسبوع التي جاءت كالتالي: “الوقود يشتعل والمواطن يحترق” و”من المواطنين للحكومة كفاية جباية”، و”سيارات الوزراء والمسؤولين تلتهم 35 مليون جنيه يوميا” (الدولار = 51 جنيها). وبدا أن هناك احتفاء بوجود صحيفة توجه نقدا لاذعا إلى رئيس الحكومة ووزرائه.
غير أن الكاتب الصحافي كارم محمود قال إن هناك كثيرين يعددون دلالات ما ذهبت إليه الصحيفة، ويطرحون تساؤلات حول ما استجد ويدفع للهجوم على الحكومة بشكل علني ويتماشى مع الحالة الشعبوية في الشارع، رغم أن ذلك هو الدور الطبيعي للصحافة، ويجب التعويل على استمراره وليس مجرد زوبعة تختفي بعد فترة وجيزة.
وذكر في حديثه لـ”العرب” أنه ليس مطلوبا من الإعلام سوى القيام بدوره الحقيقي بالتعبير بشكل واقعي يعكس تطلعات المواطنين وهمومهم ويناقش القضايا المختلفة والهامة بشكل واع يراعي مصلحة المواطن كما يراعي مصلحة الوطن، وأن يوازن بينهما بما يساهم في استعادة الثقة المفقودة في الجمهور.
ويذهب متابعون إلى أن إبراز المواطنين دون مشكلات رقابية يبرهن على أن المشكلة تكمن في إعلاميين وصحافيين باتوا أكثر رقابة على أنفسهم من الجهات الرقابية أو أنهم يبحثون عن مصالح شخصية لهم بعيدا عن إعلاء حق الجمهور في المعرفة، ويجب أن يحدث التحرر من داخل الإعلام قبل أن يتم انتزاع مساحة حرية أكبر تنتظرها الوسائل الإعلامية المختلفة والجمهور أيضا.
وأكد منسق لجنة حرية الصحافة (حقوقية) بشير العدل أن الفترة الماضية شهدت بدايات انفراجة تعبر عن الوجه الحقيقي لما يجب أن تكون عليه الصحافة، وما يحدث الآن بالون اختبار من جانب الصحف نفسها لقياس درجة الحرية المتاحة، والتأكد من كونها حقيقية أم لا، وأنه حدث برضاء السلطة التي تستهدف الاستجابة لضغوط الرأي العام الرافضة للعديد من الوجوه الحالية في الحكومة.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أنه لا يمكن فصل التطورات الأخيرة عن الأجواء السياسية التي تستعد فيها مصر لانتخابات برلمانية من المفترض أن تقوم الحكومة عقب انتهائها بتقديم استقالتها، لافتا إلى أن هناك سقفا للحرية في مصر، لكن المشكلة تكمن في أنه يتم استغلاله بشكل سلبي، ودون إتاحة المعلومات بشكل أكثر سلاسة فإن ذلك قد يستمر في ظل تراجع الاهتمام بالتخصص المهني.