وزير الطاقة العماني لـ"العرب": خطط طموحة للسلطنة في مجال الطاقة المتجددة

تولي سلطنة عُمان اهتماما بالغا بالتحول إلى الطاقة النظيفة وتوطين الصناعات المتعلقة بها وتقوم بتشجيع الاستثمارات المرتبطة بالهيدروجين الأخضر، وتعد من أفضل المناطق في إنتاج الطاقة المتجددة بحكم وجود الطاقة الشمسية والرياح، وتشارك بفاعلية في قمة المناخ المنعقدة في شرم الشيخ خلال الفترة من السادس إلى الثامن عشر من نوفمبر الجاري، ويضم جناحها الكثير من الأنشطة والبرامج المتعلقة بالتقليل من الاحتباس الحراري والاتجاه نحو الطاقة المتجددة.
شرم الشيخ (مصر) - التقت "العرب" وزير الطاقة والمعادن العماني سالم بن ناصر العوفي، على هامش قمة المناخ، وحاورته حول خطط السلطنة من أجل التحول للطاقة النظيفة، شارحا تفاصيل مشروع “الحياد الصفري” الذي تسعى للوصول إليه مع حلول عام 2050، ورؤية بلاده لأزمة الطاقة التي تجتاح العالم وآليات تجاوزها.
وأكد العوفي وجود مبادرات أُعلن عنها في الجلسات واللقاءات الرسمية، خاصة وأن شعار قمة المناخ، هذا العام، هو العمل والتطبيق، ومن ثم يجب أن تُترجم الأفكار والمقترحات إلى برامج على أرض الواقع، وهناك نوع من المتابعة لإحداث تأثير إيجابي مباشر على المناخ عبر تقليل الانبعاثات والتكيف والتعامل مع التغيرات المناخية.
وأضاف الوزير العماني أن من بين أهداف عمان الانتقال إلى مصادر جديدة للطاقة أكثر نظافة ذات كلفة معقولة وملائمة للمستقبل وبها نوع من الاستدامة، لأن الشعارات الرنانة جميلة في البداية لكن توجد ضرورة لتتبعها أعمال ملموسة باستمرار، حسب تعبيره.
انبعاثات عالية
ستقوم عمان بالمتابعة الداخلية للتأكد من تنفيذ تلك النتائج والمُخرجات، إذ تستهدف الوصول إلى الحياد الصفري في العام 2050 بالتزامن مع الإعلان عن “مركز عمان للاستدامة” الذي يعمل على وضع المؤشرات لخمسة قطاعات، هي: قطاع إنتاج الكهرباء، والصناعة، والنقل، والنفط والغاز، وقطاع المباني.
تنتج هذه القطاعات انبعاثات تساوي نحو 95 في المئة، ويضع ”مركز عمان للاستدامة“ مؤشرات لكل قطاع حسب المراحل، وكل من تلك القطاعات له طريق مختلف، فثمة قطاعات ذات مسار أسرع في تنفيذها، مثل قطاع النقل، لأن التكنولوجيا المطلوب إدخالها للتغلب على الانبعاثات معروفة وتتعلق بالسيارات الكهربائية والشاحنات التي تعمل بالهيدروجين، وليست هناك حاجة للتصنيع داخل البلد، فهي متاحة داخل السوق العالمية، قد تحتاج بعض التشريعات والحوافز التي يُفترض العمل عليها بشكل سريع، لتسهيل عملية اقتناء هذه السيارات.
كما استعرض العوفي خطة عمان للوصول إلى الحياد الصفري، قائلا “توجد قطاعات ستتخذ مسارا بطيئا، مثل قطاع الصناعة لأن بعض الصناعات يصعب تحويلها إلى طاقة متجددة، مثل الأسمنت والحديد“.
ويتمثل دور ”مركز عمان للاستدامة“ في متابعة القطاعات والمؤشرات وجلب المعرفة، والخبرات العالمية والتكنولوجيا الممكنة، بالتعاون مع الجهات المعنية، وإيجاد فرص للتمويل والاستثمار، بجانب اقتراح بعض التشريعات، من ناحيتي تغيير بعضها واستحداث تشريعات جديدة تُيسر عملية الانتقال إلى الطاقة المتجددة، وصولا إلى الحياد الصفري بحلول عام 2050.
وتتجه الدول للحياد الصفري بغية التحكم في الارتفاع الشديد في درجة حرارة كوكب الأرض وما يتبعه من تغيرات مناخية شديدة يعاني منها العالم عموما، وعانت منها السلطنة في شكل فيضانات.
العوفي لا يعتقد أن أزمة الطاقة نابعة من عدم وجود النفط والغاز
وهنا يأتي، كما يقول العوفي، دور ”مركز عُمان للاستدامة“ التأكد من تطبيق ما تم الإعلان عنه وإلا سيكون إعلان الحياد 2050 شكليا، لافتا إلى القيام بعمل مختبر يعتني بإدارة الكربون بمشاركة القطاع الخاص والمؤسسات الحكومية المعنية بالقطاعات الخمسة السابقة، وتوضع أولا نقطة مرجعية حول نسبة الانبعاثات الصادرة والمستوى الحالي من كل قطاع على حدة ثم تحدد الأعمال التي يكون فيها كل قطاع، هذا بالتعاون مع المؤسسات المختصة نفسها.
ووعد الوزير بأنه عندما يضع المختبر مؤشرات لتخفيض الانبعاثات الخاصة بالكهرباء والنفط والغاز سيكون متبنيا لهذه المؤشرات بوصفه وزيرا للطاقة ويوقع عليها كالتزام بالمتابعة، ويصبح التزاما على وزارة الطاقة، ومن ثم يطبق الأمر نفسه على الوزارات الأخرى المعنية بكل قطاع لضمان الالتزام بالمؤشرات.
إن أحدى أبرز مهام ”مركز عمان للاستدامة“ تقديم الدعم المطلوب، وعن ذلك يقول العوفي ”نحن ملتزمون بذلك، ومسؤوليتي المباشرة أن أعرف بالضبط ما هي المشروعات وكم الكلفة، والتأثيرات الاجتماعية لهذا التغير، فمن المؤكد أنه سيحمل أثرا اقتصاديا، وسوف تنجم عن هذا التحول تأثيرات على بعض المشروعات، وهناك حاجة لتحفيز وإطلاق مشروعات إضافية لأن بعض الوظائف قد تتغير وتتطلب إعادة تأهيل، ودور المركز معرفة الأثر الاجتماعي والاقتصادي على التغير للوصول إلى الحياد الصفري المنشود“.
الحرق الروتيني
التحول إلى الطاقة النظيفة سيتم بحلول العام 2050، لكن كانت ثمة مؤشرات سابقة للوصول إلى حوالي 20 في المئة من إنتاج الطاقة عبر الطاقة النظيفة بحلول العام 2030
كشف العوفي أن خطط مسقط واضحة في مجال الطاقة، فهي مستمرة في عملية إنتاج النفط والغاز، ولا يوجد أي تغيير، وسوف يتم العمل على رفع سقف الإنتاج إذا كانت هناك إمكانية لذلك، وعملية الحرق الروتيني للغاز يجب أن تنتهي، مضيفا قوله ”لدينا التزامات بإيقاف الحرق الروتيني بحلول العام 2030، وسنتبع خططا للصيانة والأعمال الدورية لخفض الحرق غير الروتيني والتخفيف منه بقدر الإمكان“.
وبالنسبة إلى استهلاك الكهرباء في إنتاج النفط والغاز، أشار إلى وجود خطة للتحول بأسرع وقت ممكن لاستخدام الطاقة البديلة لإنتاج النفط والغاز، أما بخصوص التسريبات المتعلقة بأعمال النفط والغاز فسيتم التعامل بشكل يمكن من خلاله التخفيف أو القضاء على كل الأمور ذات العلاقة بالتأثيرات البيئية ليتم إنتاجه بطريقة نظيفة.
وتابع العوفي قائلا إن “النفط والغاز يعنيان انبعاث الكربون، والذي لا يمكن لنا أن نفعله، وربما يُغضب الكثيرين، هو إزالة الكربون، وإلا لما صار لدينا نفط، لذلك يصعب التخلي عن النفط والغاز، أو الاعتقاد بعدم وجود دور على خارطة الطاقة مستقبلا، فالنفط سوف يستمر بطريقة نظيفة“.
صحيح أن التحول إلى الطاقة النظيفة سيتم بحلول 2050 كموعد تم اعتماده، لكن كانت ثمة مؤشرات سابقة للوصول إلى حوالي نحو 20 في المئة من إنتاج الطاقة عبر الطاقة النظيفة بحلول عام 2030 ومن 39 – 40 في المئة بحلول عام 2040، هذه هي الخطة السابقة وسنقوم بتحديثها بعد الإعلان عن الحياد الصفري، ومن المحتمل أن يكون هناك تسريع في التحول إلى الطاقة المتجددة.
ويبرز التحدي من وجهة نظر الوزير العماني، هو إيجاد طرق لتخزين الكهرباء، لأنه وكما يقول ”إذا لم نستطع تخزينها في الأوقات التي لا يكون فيها هواء أو رياح أو شمس، فسوف يكون من الصعب أن نتحول إلى طاقة نظيفة بنسبة 100 في المئة“، فالعمل في الوقت الحالي يُسرع عملية إنتاج الطاقة المتجددة والنظيفة، وفي نفس الوقت هناك أمل بإيجاد آليات وطرق لتخزين الكهرباء بحيث تكون كلفة إنتاجها متساوية أو أقل من الوضع الراهن.
تعاون عربي مثمر
الدول تتجه للحياد الصفري بغية التحكم في الارتفاع الشديد بدرجة حرارة الأرض وما يتبعه من تغيرات مناخية
تدرك سلطنة عُمان أهمية الشراكة العربية في هذا المجال وتعمل على توسيع رقعة التعاون في الطاقة النظيفة مع عدد من الدول العربية، وهو ما كشفه وزير الطاقة العماني بقوله “سيكون هناك ربط كهربائي بين سلطنة عمان ودول الخليج، وهذا الربط مستمر ويمتد إلى العراق، ومن المحتمل أن يدخل إلى الأردن ثم إلى مصر، فثمة مذكرة تفاهم ومشروع تم توقيعه بين السعودية ومصر يرتبط في نهاية المطاف بالشبكة الخليجية، وهناك تعاون من ناحية الإمداد ونقل التكنولوجيا والمعرفة”.
وشدّد على أن التعاون مستمر لأنه سر نجاح التحول في الطاقة والوصول إلى الحياد الصفري هو التكاتف بين الدول العربية، وقال عن ذلك إن “مشاكلنا وتحدياتنا وطموحاتنا واحدة، ولا أرى أن التحول إلى الطاقة النظيفة عملية منافسة بين دولة وأخرى، فالكل يريد الوصول إلى نفس الهدف في أسرع وقت ممكن“.
وأضاف “لن أشعر بالفخر لوصولي إلى الحياد الصفري مثلا قبل مصر أو السعودية، ولن أشعر أنني تخلّفت إذا كانت وصلت مصر قبلي، بالعكس من المفترض أن نستفيد بحيث تصل كل الدول العربية إلى نفس النقطة في أسرع وقت ممكن”.
وحول رؤيته لأزمة الطاقة التي تجتاح العالم هذه الفترة وكيف يمكن تجاوزها، أوضح العوفي أنه لا يعتقد أن أزمة الطاقة نابعة من عدم وجود النفط والغاز، فمبدأ العرض موجود، لكن تكمن المشكلة في عملية الطلب والتوصيل، فهي المحرك الأكبر للأزمة الحالية، والسبب هو انقطاع إمداد الغاز الروسي إلى أوروبا التي تبدو غير مستعدة لاستقبال الغاز المُسال، فلا توجد محطات لهذا الشأن، وأصبحت كمية الغاز التي يمكن استقبالها قليلة وبات الطلب مرتفعا بينما الغاز متوافرا.
وإذا ما تم حل الأزمة الروسية – الأوكرانية فسيمكن للجميع تجاوز هذه الأزمة، والتغلب عليها، وتبقى الإشكالية الوحيدة التي يجب أن يعيها العالم، كما يقول العوفي ”هي ضرورة تنويع مصادر الإمداد والأسواق، فالمثل العربي يقول (لا تضع كل البيض في سلة واحدة)، ومن مصلحتنا أن تكون مصادرنا متنوعة، وتصبح لدينا توجهات متنوعة ودول مختلفة، ونفس الشيء بالنسبة إلى المستهلك لا بد من تنويع مصادر الإمداد كي لا نكون معرضين إلى تقلبات مباشرة“.
الهيدروجين الأخضر
أسست سلطنة عمان في العام الماضي عبر وزارة الطاقة والمعادن تحالفا وطنيا للهيدروجين الأخضر، حيث تسعى لإرساء تطوير الهيدروجين الأخضر وإنتاجه وتصديره، بجانب السعي لجلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة لهذا القطاع.
ويعتبر إنتاج الهيدروجين الأخضر من المشروعات الإستراتيجية لعمان، لتكون في مصاف دول العالم المتقدمة لإنتاجه، عبر توفير المقومات الرئيسية لإنتاجه والمتمثلة في الطاقة الشمسية والرياح والأراضي الممتدة، ويعزز ذلك خبرتها في إنتاج الطاقة، وبيّن العوفي خطة السلطنة لتطوير اقتصاد الهيدروجين النظيف والاقتصاد الأخضر قائلا “سياسة السلطنة في إنتاج الهيدروجين واضحة، فهي تتجه لإنتاجه مثل كل دول العالم، وما يميز عمان وجود الطاقة الشمسية وطاقة الرياح ومساحات شاسعة نستغلها عبر طرح هذه الأراضي للاستثمارات الأجنبية بطريقة شفافة ومتطلبات واضحة”.
وتعرض عمان مناطق الامتياز أو الإنتاج للمستثمرين بشكل دوري، وتطلب منهم تقديم عروضهم، وما يمكن أن يقدّموه من ناحية الإنتاج والتكنولوجيا المستخدمة والعائد من ذلك على الدولة، وكيفية تعظيم قيمة الإمداد والاستفادة من المنتجات النهائية، وكل تلك الأمور ستتم مناقشتها مع المستثمرين، كما يؤكد العوفي، فالهدف هو إنتاج نحو مليون إلى مليونين طن من الهيدروجين في حلول العام 2030، وإنتاح نحو 8 ملايين طن من الهيدروجين بحلول العام 2050، لكن المؤشرات بعيدة المدى مازالت مجرد أفكار، وثمة أسباب دعت السلطنة للسير بشكل سريع في إنتاج الطاقة المتجددة والهيدروجين أهمها تحويل الصناعات المحلية من استخدام الغاز الطبيعي إلى الهيدروجين والطاقة المتجددة، وتنويع مصادر الدخل، فالهيدروجين له قيمة سوقية وبالتالي هو من مصادر الدخل ومن الضروري الاستفادة منه.