وزن اللحم فاق وزن القط

يحكى في الموروث الشعبي الجزائري أن بدويا أراد أن يكرم ضيوفه فاشترى كيلوغراما من اللحم من أجل وجبة العشاء، لكن الزوجة قدمت الأكل دون لحم، فاحتار الرجل واختلى بزوجته مستفسرا عن اللحم الذي اشتراه، فردت الزوجة بأن القط أكله، فزادت حيرة البدوي، واهتدى إلى حيلة لمعرفة الحقيقة، فوزن القط فوجد أن وزنه كيلوغرام واحد فقط، وتساءل أين كيلوغرام اللحم الذي أكله، ولإقامة الحجة على زوجته، خاطبها: يا امرأة وزن القط كيلوغرام واحد، وإذا افترضنا أنه أكل اللحم أين الكيلوغرام الثاني.
الانتخابات الرئاسية الجزائرية قلبت حادثة البدوي واللحم والقط، وأفضت إلى أن وزن اللحم فاق كثيرا وزن القط، فالنتائج النهائية أقرت وعاء انتخابيا خارقا للعادة، بالنسبة للمرشحين الخاسرين عبدالعالي حساني شريف ويوسف أوشيش، وإن انطبقت عليهما حادثة القط في النتائج الأولية التي منحت الأول 3 في المئة بحوالي 180 ألف صوت، و2 في المئة بالنسبة للثاني بنحو 122 ألف صوت، قبل أن تنقلب في النتائج النهائية ويصبح وزن اللحم أكثر بكثير من وزن القط.
حركة مجتمع السلم ومعها التحالف الإسلامي ومبادرة الشخصيات الوطنية الداعمة للمرشح عبدالعالي حساني شريف، لم يحدث أن جمعوا منذ بداية التعددية السياسية بالجزائر ومشاركتهم في مختلف الاستحقاقات قرابة مليون صوت ونسبة تقارب العشرة في المئة.
وحتى جبهة القوى الاشتراكية في عصرها الذهبي بقيادة الزعيم المؤسس الراحل حسين آيت أحمد، لم تتجاوز حصيلتها في الانتخابات التشريعية لعام 1991 سقف الـ500 ألف صوت، خلف جبهة الإنقاذ المنحلة، ومذاك لم يحدث أن بلغت ذلك السقف في أي من الاستحقاقات المتقطعة طيلة العقود الماضية، بل عرفت تدهورا شأنها شأن الأحزاب الإسلامية خاصة في السنوات الأخيرة.
أي كيان سياسي من حزب أو جمعية أو نقابة وحتى دول بعينها، حدث أن تلذذت بهواية النفخ والتضخيم رغم أن قدها لا يحتمل ذلك فتعرضت للانفجار أو اقتربت منه
فما الذي حدث حتى يحقق المرشحان الخاسران كل هذه النتائج، الأكيد أن الكرم فاق التوقعات وزاد بكثير عن وزن الحزبين في المشهد السياسي الجزائري، ولا يستطيع أكبر المتفائلين في “حمس” و”الأفافاس” توقع نيل ثقة كل ذلك الوعاء الانتخابي الذي أنقذهما من أتون أزمة عاصفة داخل قواعدهما لو تم اعتماد النتائج الأولية أو كانت قريبة منها.
وبغض النظر عن القائلين بأن النتائج المعلنة جاءت من أجل جبر الخواطر ورد الجميل للدور الذي لعبه المرشحان في إضفاء الشرعية على الاستحقاق وإعطائه تزكية أمام الرأي العام الداخلي والخارجي، فإنه كما كان كيلوغرام اللحم المفقود في مطبخ البدوي قادرا على تفجير القط، فإن النتائج المذكورة بإمكانها تفجير الحزبين لأنها أكثر منهما بكثير، وإصابتهما بالتخمة ومختلف الأمراض السياسية.
المؤسسة الحزبية شأنها شأن أي مؤسسة سياسية تخضع لقوانين طبيعية، ولا يمكن تضخيمها بشكل زائد وإلا تعرضت للانفجار والذوبان، كما حدث لتجربة التجمع الوطني الديمقراطي في منتصف تسعينات القرن الماضي، لما استحوذ على البرلمان في أول مشاركة له بعد تأسيسه، وأطلق عليه حينها وصف “الحزب الذي ولد بالشوارب”، ولولا التصاقه بذيل السلطة لكان مصيره الاندثار بعدما فقد بريقه ووزنه في ظرف قياسي.
هناك قاعدة التحمل وقدرة النمو، وأي كيان سياسي من حزب أو جمعية أو نقابة وحتى دول بعينها، حدث أن تلذذت بهواية النفخ والتضخيم رغم أن قدها لا يحتمل ذلك فتعرضت للانفجار أو اقتربت منه، فعاش من عرف قدره وحجمه.