وزارة التعليم المصرية تقاوم ظاهرة "مدارس الأشباح" بنظام الحضور الإجباري

وفقا لقانون التعليم، فإنه يحق للوزارة فصل الطالب نهائيا من المدرسة في حال تغيبه 15 يوما متصلة، و30 يوما منفصلة، كما لا يحق له دخول الامتحانات كطالب نظامي، إنما يعامل معاملة الطلبة المنزليين.
لكن حالة التراجع التي سادت نظام التعليم في مصر في السنوات الماضية خلقت أجواء من عدم الالتزام بالحضور المدرسي، سواء من الطلبة أو حتى المعلمين، بعد أن باتوا يستنفدون أوقاتهم في الدروس الخصوصية.
وزاد من حرج الموقف أن محب الرافعي وزير التعليم الحالي تجول أكثر من مرة في مدارس المرحلة الثانوية، دون أن يجد في الكثير منها طالبا واحدا، بدعوى اعتماد الطلبة على الدروس الخصوصية، ثم تلا ذلك إعلان الطلبة الأوائل بالثانوية العامة على مستوى الجمهورية، أنهم لم يذهبوا إلى المدرسة طوال العام الدراسي، سوى ما يساوي أسبوعا فقط أو عشرة أيام على الأكثر، ما كرس صورة عن أن التعليم في المدارس لم يعد ذا قيمة.
النظام الجديد أثار جدلا واسعا بين خبراء التعليم حول جديته في إعادة الطلبة للمدرسة مرة أخرى، واستعادة هيبة المؤسسات التعليمية، مطالبين الوزارة بدراسة أسباب عزوف الطلبة عن المدارس بدلا من إنزال عقوبة على المتغيبين منهم، خاصة في ظل تعمد بعض المعلمين التقصير في شرح الدروس حتى يتغيب الطلبة، ويكون لدى هؤلاء المعلمين المبرر الكافي للغياب عن المدرسة والذهاب إلى مراكز الدروس الخصوصية بحجة أن المدارس خاوية من الطلبة.
كذلك هدد عدد من طلبة الثانوية العامة، بتنظيم مظاهرة أطلقوا عليها “ثورة الغضب ضد الدرجات العشر” إذا لم تتراجع الوزارة عن قرارها، ووجه بعضهم رسالة للرئيس عبدالفتاح السيسي عبر صفحة أنشئت على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” قالوا فيها “نحن طلبة لا ننتمي لأي تيار سياسي، هدفنا إلغاء قرار تخصيص 10 درجات للحضور، لأن الوزارة اتخذت هذا القرار، وهي في انفصال تام عن الواقع، فالمعلمون سوف يستغلون القرار لصالحهم بالضغط على الطلبة وإجبارهم على الدروس الخصوصية وإلا سيحرمونهم من الدرجات”، وهدد الطلبة بتنظيم مظاهرة إلكترونية على صفحة السيسي على فيسبوك في توقيت واحد للاعتراض على القرار.
رضا منتصر الخبير التعليمي، اعتبر أن الهدف من القرار إيجابي للغاية، مطالبا بزيادة نسبة الدرجات لتكون 25 درجة وليس 10 فقط، لكنه حذر من أن تفعيله يوجب غلق جميع الثغرات أمام المعلمين لتفادي استغلاله بشكل سلبي، من خلال وضع ضوابط دقيقة لتطبيقه لضمان عدم التحيل للحصول على الدرجات بالوساطة، وحتى لا يصل الأمر إلى بيع هذه الدرجات بمقابل مادي.
وأضاف لـ“العرب” أن تخصيص درجات للحضور، معمول به في بعض الدول الأوروبية، لكن طريقة التطبيق مختلفة حيث يحصل الطلبة على هذه الدرجات من خلال اﻷنشطة الرياضية والثقافية والفنية، التي تحببهم في المدرسة، وتحول دون تسربهم منها، مشيرا إلى ضرورة قيام وزارة التعليم بإجراء استطلاع للرأي بين الطلبة، لمعرفة أسباب عزوفهم عن المدرسة وتذليل كل العقبات التي أفصح عنها الطلبة في إجاباتهم.
الغياب الجماعي فتح الباب لازدهار الدروس الخصوصية التي تكلف أولياء الأمور نحو 1.8 مليار دولار سنويا
ظاهرة هروب الطلبة من المدرسة، وظهور القاعات الدراسية خالية كأنها مدينة أشباح، يعتبرها الخبير التربوي كمال مغيث “كارثة حقيقية”، مؤكدا ترحيبه بالقرار الذي تأخر كثيرا، مما ضاعف الدروس الخصوصية التي تكلف أولياء الأمور سنويا نحو 1.8 مليار دولار، بدعوى أن المدرسة لا تقدم جديدا للطالب، مطالبا بوجود أنشطة جاذبة للطلبة داخل المدرسة حتى لا يكون الحضور نوعا من العقوبة. وقال “من غير المنطقي أن تكون هناك مدارس بدون ملاعب أو غرف للموسيقى، وتكون حصة الألعاب عبارة عن الجلوس في فناء المدرسة تحت أشعة الشمس”.
وشهدت بعض المدارس حالات وفاة لتلاميذ خلال العام الدراسي المنصرم هزت الرأي العام، بلغت 25 حالة بسبب الإهمال في صيانة الأبواب والنوافذ، حيث سقط بعضها على الطلبة، فقرر بعض أولياء الأمور منع أبنائهم من الذهاب للمدارس خوفا على حياتهم، ما دفع رئيس الجمهورية للتدخل والمطالبة بصيانة جميع المدارس قبل بدء الموسم الجديد وإعداد فصول آدمية، وتطبيق أي قرارات متعلقة بدرجات الغياب.
محمد رجب الخبير التربوي، أكد أن جذب الطلبة للمدرسة من خلال الدرجات “لن يجدي” لأن إقناعهم بالحضور لابد أن يكون بأدوات الترغيب لا وسائل التهديد، مشيرا إلى أن ذلك سيساهم في زيادة الدروس الخصوصية، عكس ما تخطط له الوزارة، باعتبار أن الدرجات ستصبح في يد المعلم، وحتى إذا كانت في يد إدارة المدرسة، فإن ذلك قد يفتح الباب للوساطة.
ونوه إلى أن الحل في تطبيق نظم جديدة لكشف الطلبة المتغيبين عن المدرسة، مثل تطبيق نظام الغياب الإلكتروني بدلا من “الورقة والقلم”، مع مراقبة ذلك عبر ربط الموقع الرسمي لوزارة التعليم بالمدارس، بحيث لا يمكن التلاعب، مع مراقبة أداء المعلمين داخل الفصول ومعاقبة المقصرين منهم.
محب الرافعي وزير التربية والتعليم رد على المخاوف في تصريحات خاصة لـ”العرب” قائلا: سيتم وضع قواعد صارمة لمنع التلاعب في حضور الطلبة، وتطبيق مبدأ المساواة بين الجميع، ولن يترك الأمر للمعلم يتحكم في مستقبل أي طالب، ولن يسمح بأن تكون المدارس خاوية من الطلبة طوال العام الدراسي، مع مراقبة أداء المعلمين داخل المدرسة، وربط رواتبهم بمدى التزامهم بالشرح وعدم إضاعة الوقت والوفاء بالتزاماتهم تجاه الطلبة والمدرسة.