ورش السيناريو السريّة وجرائم السرقة بموافقة الضحايا

يرى عدد من النقاد أن إطلاق اسم “ورشة” على ما يدعى “ورشات السيناريو” يثير الدهشة والسخرية، وكأنها ورشة نجارة مثلا، ويعلنون رفضهم لهذه الظاهرة إلا إذا كانت علنية وشرعية، بما يعني كتابة اسم أعضاء الورشة على العمل، وإذا لم يحدث ذلك ستتحول المسألة إلى فوضى وتجارة، وبدلا من أن يجتهد المؤلفون ويبدعون فإنهم سليجأون إلى “سوبر ماركت” للأعمال الدرامية ليشتروا منه ما يريدون من أعمال سواء أكانت أكشن أم دراما أم كوميديا وكل واحد على ذوقه ورغباته وبعد كل ذلك يتعجب الجميع ويتساءل لماذا تدهور مستوى الدراما؟
عملية مشبوهة
يقول الكاتب والسيناريست يسري الجندي “فكرة الورشة نشأت مع المسرح وتعني العمل الجماعي الذي يقوم على محور معين تدور حوله نقاشات كثيرة، وتتبلور في النهاية إلى رؤية، ولا بد أن يكون هناك قائد لهذه الورشة ومن خلالها نشأت فكرة ورش تدريب الممثل”.
ويضيف الجندي “للأسف الشديد ورش السيناريو في الدراما التلفزيونية أخذت سمعة سيئة رغم أنه ليس لدي يقين بوجودها، لأنها تستغل مؤلفين صغارا وتستكتبهم وتحصل على مجهودهم وهذا نوع من ‘الزيف’، وهذا ما نرفضه لأن هذا الفعل يمس كرامة المهنة وكرامة الطرفين: الشباب، والكاتب صاحب الورشة. ولا أوافق على هذه البدعة في الكتابة الدرامية، وإذا انتشرت ورش السيناريو بهذا المعنى فإن هذا سيؤدي إلى تدهور حال الدراما وإفسادها”. ولكن الجندي يؤيد فكرة ورشة السيناريو التي تنقل الخبرات وتصقل المواهب دون إجحاف لحقوق الشباب الصغار الأدبية والمادية.
طالما أننا نقول ورشة فإننا نقول عملية اصطناعية، تخلو من بكارة الإبداع، وهذا يعكس تشابه الأعمال التي تقدم الآن
بينما يرى الناقد الفني محمود قاسم، أن مصطلح الورشة يأتي في مكانه تماما عندما يتم المزج بين العمل الفني والمال، فما الذي يدفع كاتب سيناريو إلى عمل ورشة كتابة، الأمر مرتبط في المقام الأول بالإقبال الشديد على الكاتب، من أجل إنجاز عدد أكبر من الأعمال الفنية الجديدة والمطلوب تنفيذها، وأمام الطلب، فإن الكاتب يستعين بشباب جدد، أو كتاب مغمورين لم يتمكنوا من دخول معترك السوق كي يقوموا بالكتابة تحت إشرافه، يعني هو يترك لصبيانه تركيب العجلات، أو مسح السيارة، لكن جوهر العمل من مسؤولياته، وعليه فإنه ينسب العمل لنفسه، ولا يبوح بسره، لكن كل ما يسعى إليه صاحب العمل هو نص العمل، الذي سيحمل اسم المؤلف، وفي الكثير من الحالات التي أمامنا فإن الكاتب الرئيسي يكتب اسمه على العمل، وفي ظروف نادرة يبدأ في ذكر بعض أسماء طاقمه في ظل ظروف معينة.
ويضيف قاسم “طالما أننا نقول ورشة فإننا نقول عملية اصطناعية، تخلو من بكارة الإبداع، وهذا يعكس تشابه الأعمال التي تقدم الآن في الدراما، وهي تبدو كأنها ‘اسطمبا’ واحدة، السوق في حاجة إلى سد فراغ الوقت، والورش بدأت في السبعينات من القرن الماضي سينمائيا، وفي الكثير من المجالات، وقد أرقني الأمر فكتبت عنه روايتي ‘الركض فوق الماء’ المنشورة 2014، وفيها أشرت إلى أن الورش وصلت إلى الصحافة المكتوبة، وثقافة الطفل، والدراما، والسينما، والشهادات العلمية، ما جعل حياتنا مليئة بالكذب، فهناك فارق واضح بين الورشة، ومؤسسات تعليم الكتابة أو الكتابة الجماعية”.
السارق والضحية
أما السيناريست مجدي صابر فإنه لا يرفض فكرة ورش السيناريو بشرط أن تتم في العلانية ومعروفة للجميع، لأنه في هذه الحالة كل شخص يأخذ حقه المادي والأدبي فالحق الأدبي للمبدع لا يجوز التنازل عنه.
ويؤيد صابر فكرة ورش السيناريو في مسلسلات الست كوم فقط، والتي أصبحت تشكل ظاهرة درامية حاليا، حيث يتولاها سيناريست محترف يستعين بمجموعة من الشباب يتناوبون كتابة الحلقات، وفي النهاية يحصلون على حقوقهم المادية والأدبية حيث تتم كتابة أسمائهم على الحلقات التي قاموا بكتابتها.
يرفض صابر فكرة الورش السرية وغير المعلنة ويقول “إذا نشأت الورشة بصورة سرية فهي تشبه العلاقة المحرمة التي تتم في الخفاء، وهناك بعض الكتاب يستغلون أفكار الشباب ويحصلون على جهدهم مقابل جنيهات زهيدة، والأدهى أنهم يضعون أسماءهم على مجهود غيرهم، ويستحلون لأنفسهم أن ينسبوا إليهم إبداع الآخرين، وهذا في حد ذاته جريمة أخلاقية. وأرى أن قبول صاحب الورشة أن ينسب لنفسه أفكار الآخرين ينفي عن نفسه الإبداع ويرتكب جريمة للأسف الشديد لا يعاقب عليها القانون”.
ويتساءل صابر “ماذا ننتظر من دراما بدأت بجريمة أخلاقية وهي سرقة مجهود الآخرين؟ وأي نوع من القيم والأخلاق يمكن أن تقدمه هذه الدراما في الوقت الذي تحمل اسم سارق”.
هناك بعض الكتاب يستغلون أفكار الشباب ويحصلون على جهدهم، ويضعون أسماءهم على مجهود غيرهم
“من يقبل على نفسه هذا الوضع المهين فهو المخطئ”، هكذا يبدأ السيناريست محمد أشرف حديثه ويضيف “عندما تخرجت كانت السينما لا يتعدى إنتاجها ستة أفلام في العام وكان الإنتاج الدرامي قليلا، وبالتالي كانت فرصتي أنا وزملائي ضعيفة جدا في تقديم أنفسنا على الساحة، فبدأت العمل في إحدى الورش الفنية، فكتبت الحوار لمسلسل ‘السرايا’ مع الكاتبة كاتيا ثابت، وكتبت الحوار لثلاثة أفلام مع الدكتور رفيق الصبان كان أبرزها فيلم ‘ليلة ساخنة’، وقد تمت كتابة اسمي ككاتب للحوار على هذه الأعمال، وفي ذلك الوقت عرض علي العمل مع آخرين في ورش للسيناريو وبأجر عال جدا، ولكني رفضت لأنهم طلبوا عدم كتابة اسمي على الأعمال التي أشارك في كتابتها لأن هدفي ليس المال في حد ذاته”.
ويشير أشرف إلى أن السيناريست تامر حبيب ظل ثلاث سنوات حتى تمكن من تقديم نفسه على الساحة من خلال فيلم “سهر الليالي”، ولولا أنه كان يمتلك الإصرار على الوجود كمؤلف تحمل أعماله توقيعه، ما كنا اكتشفنا مؤلفا موهوبا. كما يؤكد أن صاحب ورشة السيناريو الذي يقبل على نفسه أن يحصل على مجهود الآخرين وينسبه لنفسه فهو “سارق” ولكنها سرقة بموافقة الضحية.
ويضيف أشرف “كان من الممكن أن يقبل شباب المؤلفين هذا الوضع المهين منذ ثلاثين عاما، ولكن اليوم ومع الازدياد الرهيب في الإنتاج الدرامي التلفزيوني والسينمائي وفتح قنوات عرض كثيرة، لا يوجد مبرر لأي مؤلف شاب أن يتنازل عن مجهوده واسمه للآخر مهما كانت الأسباب. ثم إن أصحاب ورش السيناريو حاليا هم المؤلفون أصحاب الأجور المليونية والذين لا يجدون وقتا فيستسهلون الحصول على مجهود الآخرين”.
أما السيناريست تامر حبيب فيؤيد ورشة السيناريو إذا كانت معلنة ومتفقا عليها بصيغة تحترم حقوق أعضائها حيث يقول “بالرغم من أنني لم ألجأ لأسلوب الورشة في عملي، فإنني لم أر أن أسلوب الورشة هو الأنسب في أعمال ‘الست كوم’ والتي تعتمد على فكرة الحلقات المتصلة والمنفصلة، وهنا لا بد من احترام جميع الحقوق الأدبية لمؤلفي العمل بأن تُكتب أسماؤهم بشكل واضح ويمنح كل ذي حق حقه من النواحي المالية. وأعتقد أن الورش أصبحت تأخذ الطابع الشرعي المعلن وهذا الاتجاه أكثر احتراما من عمليات الاستغلال التي كانت تحدث سابقا للكتاب الشباب في الورش السرية مقابل أجور زهيدة ودون حفظ للحقوق الأدبية”.