"ورد أسود" لوحة بانورامية عن المشترك بين سوريا والجزائر

يتابع الفنان السوري سمير حسين مخرج المسلسل الشهير “بانتظار الياسمين”، الذي نافس على جائزة إيمي (الأوسكار التلفزيوني) قبل سنتين، في ثنايا عمله الجديد “ورد أسود” الاشتغال على عوالم درامية لم يتطرّق إليها أحد قبله، كحاله مع مسلسل “فوضى” الذي حقق وفق معظم استطلاعات الرأي في سوريا مرتبة السبق في الموسم الرمضاني الماضي.
دمشق – في تجربة جديدة للمخرج السوري سمير حسين استعدادا للموسم الرمضاني القادم يتابع حسين بحثه الدائم في الزوايا المهملة والأطروحات المهمشة، ليقدّم في مسلسل “ورد أسود” مقترحا فنيا مُغايرا، انطلاقا من نص كتبه جورج عربجي، في تلاق متين بين شرق الوطن العربي وغربه، مع ضرورة إيجاد حالة من التفاعل والتكامل بينهما، مستفيدا من وجود جالية سورية كانت بدايتها منذ حقبة الستينات من القرن الماضي، ومازالت حتى الآن، وأيضا من وجود جالية جزائرية، أتت مع الشيخ المجاهد عبدالقادر الجزائري، والتي عاشت في سوريا بعد وفاته.
والعمل الجديد الذي يتابع المسرحي والسينمائي السوري، سمير حسين، تصويره حاليا، يقدّم صيغة إنتاجية سورية جزائرية لم تحدث كثيرا بين البلدين، فالتجارب المشتركة بينهما تكاد تكون نادرة، إذا استثنينا مسلسليْ “عذراء الجبل” و”ذاكرة الجسد”.
والعمل الجديد “ورد أسود” من إنتاج شركة جزائرية، هي advertising company ويشارك فيه فنانون جزائريون معروفون على غرار خالد بن علي ومنال جعفر وزكريا بن محمد وأميرة شرابي، أما من الجانب السوري فيحضر كل من سلوم حداد وديمة قندلفت وصباح الجزائري وفادي صبيح ووائل شرف وجابر جوخدار ولبنى بدور وميري كوجك وترف التقي.
بين سوريا والجزائر
في مسلسله “ورد أسود” الذي سيصوّر بين سوريا والجزائر، يقدّم حسين صورة غير نمطية عن هذين البلدين في دراما اجتماعية نفسية مشوّقة، يقول عنها “هي دراما اجتماعية نفسية، تتقاطع فيها الشخوص بين سوريا والجزائر، حكاية لها حوامل منطقية وحقيقية، لو أخذنا بعين الاعتبار الجالية السورية الموجودة في الجزائر من خلال عملية التعريب التي وجدت في الجزائر في مرحلة الستينات وما بعدها، وطبعا الإرث الجزائري الموجود في سوريا، من خلال المجاهد عبدالقادر الجزائري ومن بعده”.
وعلى هذه الأرضية، كما يقول مخرج العمل “هناك شيء يمكن البناء عليه والوصول من خلاله إلى تحقيق الغاية من إنجاز عمل اجتماعي حقيقي يعتمد على حوامل منطقية في تكوين دراما عربية، وليس على الطريقة المفبركة التي تظهر عليها بعض الأعمال العربية تحت مسمى (البانذ آراب)”.
ويتابع “في مسلسلنا هناك أشخاص سوريون يعملون في الجزائر ولهم أقارب في سوريا، وبالتالي يشكّلون نسيجا مجتمعيا يمكن الاعتماد عليه في بناء قصة حقيقية من خلال تقاطع مدروس لمصائرهم، العمل تشويقي يعتمد على الإثارة والحالة النفسية المركبة والمُربكة معا”.
ولا يقدّم سمير حسين في عمله سيرة ظاهرة فحسب، بل يغوص في الأعماق والتفاصيل ليقدّم لوحة بانورامية لحكاية أخرى لا يلتقطها إلاّ من يقرأ ما بين السطور، وعن ذلك يقول “في العمل تفاصيل عميقة ولجنا إليها بعناية شديدة، هدفي من أي عمل أقوم به أن أتوجّه لكل شرائح المجتمع، بحيث يمكن أن يعي العمل الأستاذ الجامعي، وكذلك الإنسان البسيط في الشارع، بالنهاية أنا معنيّ بإنجاز عمل فيديو سيعرض في التلفزيون وهو متوجّه لكل الناس، ويجب أن يفهمه الجميع، خاصة في حالة المنافسة الشديدة التي تطرحها لغة العصر، من خلال وجود العشرات من الخيارات الأخرى على منصّات العرض سواء التقليدية كالقنوات التلفزيونية أو ما تقدّمه شبكة الإنترنت من خيارات جديدة، ولكي تجذب الجمهور إليك، عليك بصناعة شيء جاذب وخاص وأعتقد أنّ مسلسل “ورد أسود” يحقق هذه الغاية”.
وعن الصيغة الإنتاجية النادرة التي تقدّم في العمل، وأسباب التجربة ومن ثم آفاقها يبيّن حسين “شركة الإنتاج كانت جيدة في التعاطي مع العمل، تعاملت مع الموضوع بحرفية عالية، ووفرت له كل الظروف الإنتاجية التي تحقق نجاحه، هم يمتلكون مشروعا إنتاجيا مختلفا، يهدفون من خلاله إلى إخراج الفن الجزائري من موضعه الحالي وطرحه على المواطن العربي بصورة فعّالة أكثر، ولكي يتجاوزوا عامل اللهجة، اتكأوا على اللهجة السورية، والنجاحات التي حققتها الدراما السورية، أولا من خلال الدراما الأصلية التي قدمتها، ثم من خلال أعمال الدوبلاج التي قدّمت بها والتي حققت نجاحا باهرا”.
شخصيات مأزومة
يؤكد مخرج العمل أن المسلسل سيمنح الدراما الجزائرية أرضية مناسبة للخروج من وضعية اللهجة الجزائرية المحلية باتجاه انتشار أرحب، بما تحمله اللهجة البيضاء من جماليات، يتكلمها ويفهمها الجميع، موضحا “وفي أجزاء من المسلسل سنعتمد طبعا اللهجة الجزائرية عندما نتوغل في صميم البيئة الجزائرية وتفاصيلها، حينها ولكي يفهم العمل بأكبر قدر ممكن سنعمل على كتابة شرح للفكرة على الشاشة”.
وعن التعامل في المسلسل مع المعيش اليومي المحيط بسوريا والجزائر وإمكانية تشخيص ذلك على الشاشة، يقول سمير حسين “حجم التفاصيل الموجودة في حياتنا اليومية كبير بسبب حالة الفوضى التي نعيش فيها، وهي تشكّل مادة غنية لتحقيق دراما قوية، العمل يقدّم شخصيات مأزومة، تعاني من أخطاء متراكمة ومنعطفات شخصية عنيفة، فكل شخوص العمل تعاني من أزمات، نتيجة واقعنا المأزوم اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا”.
وفي العمل يظهر البطل بشخصية غير متوازنة، فهو مُهرّب أثار من سوريا بالتنسيق مع شخصيات سورية نافذة، الأمر نفسه ينسحب على شخصيتيْ التوأم ورد ورواد اللذين يعانيان بدورهما من أزمات عميقة، فأحدهما لا يمانع في القيام بأي عمل كان بغية تحقيق أهدافه والمتمثلة في جمع أكبر قدر ممكن من المال.
ويوضّح مخرج العمل “هو شخص وصل لهذا الحال نتيجة تراكم العديد من الأخطاء والمشاكل السابقة، وهي مرتبطة أساسا بالمحيط وما يحدث فيه، البعض قد يرى في العمل حكاية تشويقية فحسب، والحقيقة أنها تحتاج للقراءة ما بين السطور، نحن من خلال هذه الحكاية سنبني عالما من الأحداث الذي يكشف لماذا وصل هؤلاء لأزماتهم الحياتية المعاصرة؟ نحن نطرح فكرة، لماذا نحن مأزومون؟ ونحاول إيجاد جسور مشتركة بين ما هو سوري وجزائري على مستوى النسيج الاجتماعي”.
وعن التقنية التي تعامل بها وهو يصوّر شخصيتين بممثل واحد، يقول “أنا محظوظ بكل الفريق العامل معي، في حال كهذه لا بد من خلق الدهشة، لذلك نفذت “ماكيت” وحضرت لها جيدا، لكي نشاهد التوأمين في حالة من الظهور الحقيقي الفعّال وكأنه طبيعيّ، هنالك تعاط طبيعي مع الحركة وتفاصيل الحياة، نحن أمام توأم، الأول طيّب والثاني شرير، وهما يتحرّكان بحرية تامة، ولكن الطيب يمتلك شرا كبيرا غير مُعلن، لم أستخدم “الدوبلير” أبدا، والممثل جابر جوخدار كان على قدر عال من المسؤولية وقد وُفّق في تشخيص الدورين بأداء رفيع”.