وداعا يا حزن

لا تقنطوا من "وضع مأزوم" أبدا، بل اطمئنوا وتفاءلوا، ذلك أننا لا ننتعش إلا في الأزمات، أما إذا أصبتم بحالة فرح ـ لا قدّر الله ـ فتوخوا الحيطة والحذر لأن الآتي سوف يكون فظيعا.
الثلاثاء 2022/10/11
أما آن لنا أن نفرح بمنتهى الثقة

لم يستفد أحد من تعليمات السلامة التي ما تنفك "تسدّدها" مضيفات الطيران كل يوم، وبأكثر من لغة، على ما أتذكر.

لم أشاهد يوما كمامة أوكسجين تنزل بشكل آلي من الأعلى، لم أستعمل سترة النجاة التي في أسفل المقعد، ولم أخرج من الباب المخصص للطوارئ، كما تقول المضيفات.

كل ما في الأمر أن الكوارث تأتي عندما يكون كل شيء “على ما يرام”.. أمّا الهزات والمطبّات فلا خوف منها ولا من يحزنون، ذلك أن الطلقة التي تقتلك هي تلك التي لا تسمع صوتها.

قس على ذلك في مجال الحديث عن الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وما نسمعه أو نقرأه كل يوم من تحذيرات.

كل ما في الأمر، أن “الأزمات” تطيل في الأعمار وتجعل الحياة ممتعة، عملا بمبدأ “إن مع العسر يسرا”، أمّا المسيرات الوردية، فغالبا ما تنتهي بالكوارث والمآسي، تماما مثل الأعمال الدرامية التي عادة ما تبدأ بعيش هانئ ورتيب يجعلنا ننتظر زلزالا على أحر من الجمر.

وبناء على ما تقدم، فلا تقنطوا من “وضع مأزوم” أبدا، بل اطمئنوا وتفاءلوا، ذلك أننا لا ننتعش إلا في الأزمات، أما إذا أصبتم بحالة فرح ـ لا قدّر الله ـ فتوخوا الحيطة والحذر لأن الآتي سوف يكون فظيعا.

قولوا، “ربنا أعطينا خير هالضحكة” كلما أوغلتم في السعادة، وتفاءلوا أثناء كل حالة وجع.. اللهم أدم علينا هذه النعمة.. نعمة الكدر والغم والأزمات.

سوف نظل نحتفظ بهذه الوجوه المتجهمة من أجل مستقبل أطفالنا.. يا لسخرية الأقدار وهي تلهو بنا مثل فيلم هندي طويل.

صباح الخير أيها الألم و”وداعا يا حزن” كما غنى العراقي ياس خضر، بصوت شجي وحزين.

إنها ألفة غريبة من نوعها مع الأحزان، تذكر بقول أبي الطيب المتنبي “خلقت ألوفا لو رجعت إلى الصبا لفارقت شيبي موجع القلب باكيا”.

ما هذا الإدمان المزمن على الكوارث والمصائب؟ أما آن لنا أن نفرح بمنتهى الثقة، ودون توجس مما سوف يأتي؟

“تعليمات السلامة” في رحلة الحياة ضرورية على سبيل الحذر والاحتياط، لكن لا ينبغي لها أن تكون دروسا في الرعب، وتفسد علينا متعة التحليق والطيران.

لنمض نحو متعة الحياة غير آبهين بأزماتنا دون كدر وتوجس.. هذا ما يقوله المنطق، ولكن شرط أن تكون الطائرة في حالة سليمة وطاقمها على مهارة ومعرفة بفنون القيادة والملاحة الجوية.

أما الأهم من ذلك كله فهو معرفة إلى أين نمضي، وليس أن تكون وجهتنا نحو المجهول.. ساعتها، من الأجدر بنا أن نرتدي سترات النجاة ونتنفس من الكمامات ونبحث عن مخارج الطوارئ ونحن على الأرض، لا نبرح أمكنتنا.

20