واشنطن تدعم السراج مؤقتا بحسابات دولية لا داخلية ليبية

تلقفت حكومة الوفاق الوطني في ليبيا، الموقف الأميركي الجديد الذي دعا الجيش الوطني الليبي إلى وقف الهجوم العسكري على العاصمة طرابلس، لتسوّق أنها افتكت اعترافا ودعما أميركيا هاما سيعيد ترتيب الأوراق في ليبيا قبل انعقاد مؤتمر برلين. لكن على عكس ما ذهبت إليه الدوائر المقربة من المجلس الرئاسي بقيادة فائز السراج فإن الكثير من المتابعين يشددون على أن مواقف واشنطن الجديدة مبنية بحسابات دولية لا داخلية ليبية، وأن الرسائل موجهة لأطراف دولية تريد وضع موطىء قدم في ليبيا وعلى وجه التحديد موسكو.
طرابلس – تكابد حكومة الوفاق الليبية برئاسة فائز السراج لاستباق مجريات مؤتمر برلين المرتقب والذي سينظر في سبل إنهاء الصراع في ليبيا، للحصول على حزام سياسي دولي تكون على رأسه الولايات المتحدة.
وأخذت الأذرع الإعلامية لحكومة الوفاق تروج، الجمعة، لكونها نجحت في ما دفعت إليه، بعدما طلبت الخارجية الأميركية القائد العام للجيش الليبي المشير خلفية حفتر بوقف الهجوم العسكري على العاصمة طرابلس.
وقالت الخارجية الأميركية في بيان صادر عنها مساء الخميس، “أطلقت الحكومة الأميركية وحكومة الوفاق الوطني الليبي، ممثلة بوزير الخارجية محمد سيالة ووزير الداخلية فتحي باشاغا، حوارا أمنيا أميركيا وليبيا في العاصمة واشنطن”.
ودعت الولايات المتحدة الجيش الوطني الليبي إلى إنهاء هجومه على طرابلس، مشيرة إلى أن ذلك سيؤدي إلى تسهيل المزيد من التعاون بين الولايات المتحدة وليبيا لمنع التدخل الأجنبي غير المبرر، وتعزيز سلطة الدولة الشرعية، ومعالجة القضايا الأساسية المسببة للصراع.
وتأتي هذه الخطوة الجديدة والمختلفة عن مواقف سابقة للرئيس الأميركي دونالد ترامب، قبل مؤتمر برلين الذي من المرجح أن تشارك فيه قوى كبرى منها الولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا، فرنسا، الصين، إيطاليا، تركيا، مصر، الإمارات، وألمانيا، فيما لم تحضره دول الجوار الليبي وخاصة تونس والجزائر، ما أثار انتقادات رسمية في عاصمتي هذين البلدين.
وعلى الرغم من أن وزير الداخلية بحكومة الوفاق فتحي باشاغا، الذي قاد وفد بلاده في زيارة إلى واشنطن خصصت فعالياتها للمشاركة في مؤتمر التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، يسعى جاهدا الآن لتأكيد أنه افتك اعترافا هاما من الإدارة الأميركية يؤكد وقوفها إلى جانب حكومة السراج، فإن الكثير من المحللين يؤكدون أن موقف واشنطن جاء حمّالا لرسائل بحسابات خارجية لا داخلية ليبية وموجهة بالتحديد للقوى الإقليمية النافذة في ليبيا، وليس بالضرورة للاصطفاف وراء المجلس الرئاسي المعترف به دوليا.
ويؤكد هؤلاء أن الموقف الأميركي كان موجها بالأساس إلى روسيا، التي تسعى من جهتها إلى لعب دور هام في الملف الليبي برفضها تواصل أنشطة الميليشيات في العاصمة طرابلس.
وأكد، في هذا الصدد، بيان الخارجية الأميركية، الصادر الخميس، دعمه لسيادة ليبيا وسلامة أراضيها في مواجهة محاولات روسيا للعب أدوار في الصراع الليبي بين حكومة الوفاق والجيش الوطني الليبي.
وسوّقت الدوائر المقربة من حكومة السراج وتحديدا من الإسلاميين بعد صدور الموقف الأميركي أنها حققت انتصارا سياسيا دوليا، لكن الموقف الأميركي ظل منذ بداية النزاع حول العاصمة طرابلس متذبذبا، وهو ما يرجح أن يكون موقفا مؤقتا وليس باتا في ما يخص دعمهما السياسي لطرف على حساب آخر في ليبيا.
وعرفت الإدارة الأميركية بتضارب المواقف في الملف الليبي، ففي الوقت الذي تتظاهر فيه بمساندة الحكومة المعترف بها دوليا، فإنها أشادت أكثر من مرة على لسان الرئيس ترامب بدور الجيش الوطني الليبي وقائده خليفة حفتر في محاربة الإرهاب وحماية المنشآت النفطية.
وقد عبّر ترامب بعد أيام قليلة من بداية معركة تحرير طرابلس، التي يقودها الجيش الليبي لدحر الميليشيات المحسوبة على حكومة الوفاق، عن وجود دعم سياسي للجيش الليبي لاستكمال مهمته على أكمل وجه.
وأكدت العديد من القراءات السياسية الأميركية في الأشهر الأخيرة أن ترامب داعم لحفتر في حربه التي يخوضها ضد الميليشيات في العاصمة طرابلس، وأن ذلك تأكد بصفة تامة بعدما عرقلت واشنطن في مطلع شهر يوليو الماضي إصدار مجلس الأمن لبيان يدين الضربات الجوية التي يشنها الجيش الليبي ضد الميليشيات المسلحة في طرابلس.
وترى العديد من المصادر السياسية الليبية، أن مواقف ترامب لم تحد عن سياسات واشنطن المتعلقة بالملف الليبي، مؤكدين أن الموقف الصادر مؤخرا يعد بمثابة تكرار نفس الرسائل التي وجهها سابقا، حيث أن واشنطن لم تسحب اعترافها بحكومة الوفاق الوطني لكنها تواصلت مع حفتر في أكثر مرة.
ويستدل هؤلاء بأن العبارات الواردة في بيان الخارجية الأميركية مساء الخميس بنفس البيان الذي أصدره البيت الأبيض بعد أسبوعين من انطلاق الحملة العسكرية في أبريل الماضي، عندما بحث ترامب مع حفتر جهود مكافحة الإرهاب ورؤية مشتركة لليبيا.
في سياق متّصل بتحضيرات برلين للمؤتمر المخصص للأزمة الليبية، بحث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل خلال اتصال هاتفي، الجمعة، ملفات إقليمية ودولية، بحسب بيان للرئاسة المصرية.
وقال البيان، “تم خلال الاتصال تبادل وجهات النظر بشأن عدد من الملفات الدولية والإقليمية، وفى مقدمتها الوضع في ليبيا، حيث أكدت المستشارة الألمانية حرصها على الاطلاع على رؤية الرئيس المصري حول تطورات القضية الليبية في ضوء الدور المصري المحوري المُقدر في المنطقة، وكذلك لرئاستها الحالية للاتحاد الأفريقي”.
وأضاف البيان، “في هذا السياق أكد السيسي موقف مصر الاستراتيجي الثابت تجاه الأزمة الليبية والمتمثل في استعادة أركان ومؤسسات الدولة الوطنية الليبية، وإنهاء فوضى انتشار الجماعات الإجرامية والميليشيات الإرهابية، ومنح الأولوية القصوى لمكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقرار والأمن، ووضع حد لحجم التدخلات الخارجية غير المشروعة في الشأن الليبي التي من شأنها استمرار تفاقم الوضع الحالي الذي يشكل تهديدا لأمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط والبحر المتوسط بأسرها”.
وتابع البيان أن ميركل أكدت حرص ألمانيا على تطوير التعاون المشترك مع مصر في مختلف المجالات. كما أعرب الرئيس المصري عن التطلع لمواصلة العمل على دفع العلاقات المتميزة بين البلدين وتطويرها في شتى الأصعدة.
وبحسب العديد من الترجيحات فإن الميليشيات تفكر بشن عملية عسكرية بضواحي العاصمة طرابلس بعدما تواصل تلقيها الدعم بالأسلحة من تركيا، لكن الجيش الليبي أكد في المقابل مواصلة سيطرته على عدة مواقع بطرابلس، داعيا عبر المتحدث الرسمي باسم الجيش الليبي اللواء أحمد المسماري، المجتمع الدولي بالاعتراف بالمؤامرة على الجيش الليبي ومنع دخول الأسلحة التركية لدعم الميليشيات الداعمة لحكومة الوفاق.