واشنطن تتفاعل مع الجهود الأفريقية لتحقيق المصالحة الليبية

قوى في الداخل تصر على وضع عقبات أمام إنجاح المؤتمر خشية على مصالحها.
الجمعة 2024/08/16
تحركات أفريقية مبكرة لتهيئة ظروف نجاح مؤتمر المصالحة المرتقب

بدأ الاتحاد الأفريقي مبكرا في التحرك من أجل تهيئة الظروف لإنجاح مؤتمر المصالحة الليبية المرتقب في أكتوبر المقبل، ولقى التحرك تفاعلا إيجابيا من واشنطن التي أبدت دعمها لإنجاح الاستحقاق علّه يمهد الطريق لإنهاء الانسداد السياسي القائم، ويحرك المياه الراكدة.

دخلت الولايات المتحدة على خط جهود إنجاح مؤتمر المصالحة الوطنية في ليبيا، المقرر تنظيمه في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا منتصف أكتوبر المقبل.

وقال المبعوث الأميركي الخاص إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند خلال لقاء جمعه بسفيرة الاتحاد الأفريقي لدى ليبيا وحيدة العياري في تونس، إن المناخ السياسي الحالي يؤكد الحاجة الملحة للمضي قدمًا في عملية مصالحة وطنية شاملة ستوفر الأساس للاستقرار الدائم في ليبيا.

وأشار نورلاند إلى أن الولايات المتحدة ستواصل العمل مع الاتحاد الأفريقي والمجلس الرئاسي لدعم الأطراف الليبية المشاركة في جهود المصالحة الوطنية.

وتعاني ليبيا من أزمة سياسية مستفحلة منذ العام 2011، وازداد الوضع سوءا بين الفرقاء الليبيين في الفترة الأخيرة، وسط مخاوف جدية من انهيار المؤسسات الانتقالية القائمة ودخول البلاد في حلقة مفرغة من العنف.

ويرى مراقبون أن الدعم الأميركي من شأنه أن يضفي دفعا جديدا لإنجاح مؤتمر المصالحة، لكن ذلك ليس كافيا حيث أن هناك حاجة إلى ممارسة المزيد من الضغوط على الفرقاء الليبيين، وهو ما لا يبدو واردا، في ظل انقسام الموقف الإقليمي والدولي ودعمهم لقوى محلية متضادة.

ريتشارد نورلاند: هناك حاجة ملحة للمضي قدما في عملية مصالحة شاملة
ريتشارد نورلاند: هناك حاجة ملحة للمضي قدما في عملية مصالحة شاملة

ويشارك في المؤتمر المنتظر أبرز الفرقاء السياسيين والاجتماعيين في البلد الثري الواقع في شمال أفريقيا.  ولا يبدو الليبيون متفائلين بإمكانية نجاح المؤتمر لاسيما مع تشعب الخلافات وتمددها في البلد، وسط مخاوف تسكن الكثيرين من أن الأسوأ لم يأت بعد.

ويعتقد جزء كبير من الشارع الليبي أن الإشكال الرئيسي يكمن في القوى السياسية التي لا تملك الإرادة الحقيقية لتحقيق المصالحة، إلى جانب الأدوار السلبية التي تلعبها القوى الإقليمية والدولية المتدخلة في الساحة الليبية.

وبدأ وفد مفوض من قبل رئيس اللجنة رفيعة المستوى للاتحاد الأفريقي حول ليبيا الرئيس الكونغولي دينيسا سونقيسو، ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فقي محمد، للتحضير للمؤتمر، جولة على الأطراف والقوى الليبية المعنية لإقناعها بأهمية إنجاح الاستحقاق.

وقال وزير الخارجية الكونغولي برازافيل جان كلود جاكوسو الذي يقود الوفد، إن ليبيا لامست القاع ولكن آن الأوان لأن تطفو على السطح، وأن تسلك مسار التنمية والتطور والحرية، ومسار حفظ كرامة المواطن الليبي، لافتا إلى أن ليبيا أعطت الكثير لأفريقيا وحان دور أفريقيا لكي ترد الجميل إليها، وأن ترافقها في مسار المصالحة الصعب.

وقام الوفد الأفريقي بسلسلة اجتماعات في ليبيا، كان آخرها زيارته إلى بنغازي حيث التقى برئيس مجلس النواب عقيلة صالح، كما التقى برئيس حكومة الشرق أسامة حماد.

 وقال الوزير الكونغولي إن الحل في ليبيا يمر عبر مصالحة أبنائها وجمعهم معا، وهناك مقترح من رؤساء الاتحاد الأفريقي ورئيس اللجنة رفيعة المستوى ورئيس المفوضية، لدعوة الأطراف المنخرطة في النزاع إلى أديس أبابا من أجل الاجتماع والتوقيع على ميثاق المصالحة الوطنية، بالإضافة إلى وثيقة العدالة الانتقالية ووثيقة التعويضات اللازمة والضرورية من أجل العدالة الانتقالية.

وتوقع الوزير الكونغولي ألاّ يلاقي المقترح معارضة من الأطراف الليبية، لافتا إلى أن الوفد الأفريقي زار مؤخرا العاصمة طرابلس وتحدث مع أعضاء المجلس الرئاسي حول المسألة حيث لمس استعدادا كاملا للانخراط في المشروع الذي جاء به الاتحاد الأفريقي.

وخلال تلقيه دعوة لحضور المؤتمر، أثنى عضو المجلس الرئاسي موسى الكوني على جهود رئيس الكونغو والاتحاد الأفريقي لدعم المصالحة والسلام في ليبيا.

وناقش رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، مع الوفد الأفريقي آخر تطورات الأوضاع السياسية في ليبيا، والتحضيرات للمؤتمر المرتقب عقده بخصوص المصالحة الوطنية منتصف أكتوبر المقبل بأديس أبابا.

الدعم الأميركي من شأنه أن يضفي دفعا جديدا لإنجاح مؤتمر المصالحة

وكان مجلس النواب طالب من المجلس الرئاسي أن يوضح للشعب الليبي ما قدمه في أهم ملفين اختص بهما وفق اتفاق جنيف، وهما الملف الأمني وملف المصالحة.

وشهد مشروع المصالحة الوطنية في ليبيا انتكاسة بعد فشل القائمين عليه في تنظيم المؤتمر الوطني الشامل الذي كان مقررا لـ 28 أبريل الماضي بمدينة سرت، وهو ما فسرته أوساط مطلعة بعجز المجلس الرئاسي عن تقريب وجهات النظر بين الفرقاء الأساسيين والتعامل معهم على السواء، وهو ما دفع فريقي سيف الاسلام القذافي وقيادة الجيش إلى الانسحاب من الجلسات التحضيرية .

وبحسب الأوساط الليبية، فإن هناك أطرافا مؤثرة في الواقع الميداني والمشهد السياسي لا ترغب في تحقيق المصالحة، وتعتبرها خطرا على مصالحها الحالية والمستقبلية، كما أن هناك قوى إقليمية ودولية غير راغبة في تحقيق الهدف المنشود ليبيا وبالتالي إلى حل سياسي يعيد سلطة القرار إلى الشعب عبر انتخابات تعددية ونزيهة لا يقصى منها أيّ طرف سياسي أو اجتماعي أو ثقافي.

وبرزت تحركات قطرية على خط المصالحة الليبية حيث اجتمع سفير دولة قطر في ليبيا خالد الدوسري، الاثنين، بنائبي رئيس المجلس الرئاسي في ليبيا، موسى الكوني وعبدالله اللافي، كلاً على حدة.

وقالت وسائل إعلام قطرية إن الدوسري شدد على أهمية “مشروع المصالحة الوطنية، والعمل على إنجاحه بالتنسيق مع المجلس الرئاسي، وتكثيف الجهود لمعالجة حالة الانسداد السياسي الحالي لضمان تحقيق الاستقرار وصولاً إلى إجراء الاستحقاق الانتخابي”.

جزء كبير من الشارع الليبي يعتقد أن الإشكال الرئيسي يكمن في القوى السياسية التي لا تملك الإرادة الحقيقية لتحقيق المصالحة

ويرى مراقبون أن قطر، التي لعبت دورا سلبيا في ما سمي بالربيع العربي خاصة في ليبيا، تبحث اليوم عن أدوار جديدة على هذه الساحة، وترى في ملف المصالحة مدخلا.

ويقول المراقبون إن مشروع المصالحة الليبية هو البوابة الرئيسية لاحتواء الأزمة التي تعاني منها ليبيا، والتي تنذر بالخروج عن السيطرة، لكن يبقى الأمر رهين الإرادة الليبية، وهوي ما لا تبدو متوفرا حتى الآن.

وأكد المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، الأسبوع الماضي، دعم بلاده الكامل لإنجاح ملف المصالحة الوطنية من أجل إعادة الاستقرار والسلام الدائم لليبيا،

وأشاد نورلاند خلال لقائه الكوني واللافي بجهود المجلس الرئاسي، الرامية إلى جمع كل الفرقاء السياسيين، وتقريب وجهات النظر بين كل الأطراف.

وأكد عضوا المجلس الرئاسي خلال الاجتماع على أهمية تظافر الجهود المحلية، والدولية المعنية بالشأن الليبي، لإعداد مشروع سياسي فاعل يعالج حالة الانسداد السياسي، ويدفع باتجاه حل العملية السياسية، ويمهد الطريق لإنجاز الاستحقاقات الانتخابية، التي يتطلع إليها الشعب الليبي.

ويخشى متابعون للشأن الليبي، أن يتحول ملف المصالحة إلى مجرد شعار يتم رفعه في سياق المساومات السياسية التي تسيطر على المشهد العام في البلاد، سواء من قبل القوى الداخلية أو الخارجية، لاسيما وأنه لم يتم التوصل إلى رسم ملامح الوضع النهائي في بلد يعاني من حالة انقسام من الصعب تجاوزها خلال المدى المنظور.

وأبرز رئيس مجلس أعيان ليبيا للمصالحة محمد المبشر أن “الجماعات المتطرفة سياسيا ودينياً تعيق جهود المصالحة الوطنية”، وقال إن ”فشل المجالس الاجتماعية ومجالس الأعيان في ليبيا في تحقيق المصالحة الوطنية يعود إلى عدة عوامل مترابطة منها الانقسامات السياسية والعسكرية التي تلعب دورًا كبيرًا، حيث أن الأطراف المتصارعة متعددة ويتعمق الخلاف بينها مما يعقد الوصول إلى توافق”.

وقال المبشر إن “ضعف المؤسسات الحكومية، وغياب السلطة المركزية القوية يجعل من الصعب تنفيذ القرارات والمبادرات التي تتخذها هذه المجالس، كما أن التدخلات الخارجية تزيد من تعميق الخلافات، حيث تدعم بعض الدول أطرافًا معينة على حساب أخرى، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي”، مردفا “أن هناك نقصًا كبيرًا في الثقة بين الأطراف المختلفة نتيجة للتاريخ الطويل من النزاعات والاعتداءات المتبادلة، مما يجعل تحقيق المصالحة يتطلب ضمانات قوية”.

وبحسب المبشر، فإن “الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية، مثل الفقر والبطالة، تساهم في زيادة التعقيدات، حيث تظل الأولوية للبقاء الاقتصادي على حساب المصالحة”، كما أن “التركيبة القبلية للمجتمع الليبي تلعب دورًا في تعقيد المشهد، حيث يصعب تجاوز الولاءات القبلية لتحقيق توافق وطني شامل”، بالإضافة إلى أن “غياب العدالة الانتقالية والمساءلة عن الجرائم المرتكبة خلال النزاع يزيد من تعميق الانقسامات”.

وشدد على أن “وجود الجماعات المتطرفة سياسيا ودينيا، يعقد الوضع الأمني والسياسي، مما يعيق بشكل كبير جهود المصالحة الوطنية والاستقرار الدائم”.

4