"وأخيرا".. قصي خولي ونادين نجيم يواصلان تألقهما في دراما الجريمة

يحفل الموسم الدرامي العربي الحالي بالعديد من الأعمال التي تحقق نسب متابعة عالية، وواضح أن مسلسلات التشويق والإثارة تحظى بالنسبة الأكبر، وما يزيد من متابعة الجمهور لها قيام ممثلين يمتلكون حضورا جماهيريا قويا بتجسيد أدوار البطولة فيها. أحد هذه الأعمال هو مسلسل “وأخيرا”، وهو دراما سورية - لبنانية نالت إشادات واسعة.
ليس شائعا أن ينتج مسلسل سوري – لبناني في خمس عشرة حلقة فقط، وهو ما ينطبق على مسلسل “وأخيرا” الذي انتهى عرضه في منتصف الموسم الرمضاني الحالي، خاتما مسار أحداثه وحكاياته.
حقق المسلسل رغم قصره نسبيا معدلات متابعة عالية لدى الجمهور، وظهرت فيه مجددا ثنائية قصي خولي ونادين نسيب نجيم لتكون خطوة جديدة في وجود مسلسل ناجح جماهيريا. وأكد المخرج السوري الشاب أسامة عبيد الناصر، من خلال وجوده المختلف في دراما التشويق والجريمة، تكريسه لاسمه كأحد المخرجين المتمكنين من هذا النمط الفني.
وتشكل ثنائية قصي خولي ونادين نسيب نجيم الفنية حالة متميزة في الحضور الفني الدرامي العربي وسبق لهما النجاح معًا؛ إذ قدما سابقا أعمالا حققت متابعة جماهيرية واسعة؛ بدأت مع مسلسل “خمسة ونص” عام 2019، وهو من تأليف إيمان السعيد وإخراج فيليب أسمر. قدم المسلسل حينها حكاية الزعيم السياسي غمار غانم (قصي خولي) المليء بطاقة الانتقام حتى من والده وشقيقه الأصغر والذي يصطدم بطموحاته الشخصية والسياسية مع زوجته بيان نجم الدين (نادين نجيم) الطبيبة التي تمتلك بدورها طموحا كبيرا في تحقيق حياة برلمانية ناجحة وتفقد حبها لزوجها الزعيم السياسي والفاسد، وتخسر حضانة ابنهما لصالحه بعد ضغوط ومخاطر كبيرة تعرضت لها، فتنجرف إلى حب ينمو خفيا داخلها جمعها مع حارسها الشخصي (معتصم النهار) لتهرب معه، لكنها تواجه مصيرا مأساويا عندما تموت نتيجة حادث سيارة. وشكل المسلسل حضورا لافتا للثنائي وعاشت كلتا الشخصيتين في بال الناس طويلا، وحقق العمل معدلات مشاهدة مرتفعة.
التجربة التالية كان مسلسل “2020”، وهو من تأليف نادين جابر وبلال الشحادات وإخراج فيليب أسمر وقدم عام 2021، وأعاد المسلسل ثنائية خولي ونجيم إلى الواجهة. قدمت فيه حكاية عن عالم المافيا والمخدرات، وظهرت فيه نادين بشخصية “سما”، الضابط في قوى الأمن اللبناني، والتي تتخفى في شخصية “حياة” الفتاة البسيطة التي تعيش في بيئة اجتماعية فقيرة تتعاطف معها “سما” بشخصيتها الحقيقية.
في هذا المسلسل قدمت نجيم حضورا أهم في كونها لعبت شخصيتين هما “سما” و”حياة” المنتميتان إلى عالمين مختلفين. وأظهر المسلسل كيف تتعارض مسارات حياة النقيب “سما” مع شخصية “صافي الديب” (قصي خولي)، الذي هو زعيم عصابة تروج المخدرات في المنطقة، وهو شخصية مليئة بالتناقضات، فهو بار بوالدته من جهة لكنه لا يثق بالآخرين ويكون على خلاف دائم معهم من جهة أخرى.
المسلسل حقق شهرة واسعة بل وترجم إلى اللغة التركية وعرض على قنوات خارج الوطن العربي. هذا ما جعل ثنائية خولي ونجيم حالة فنية تضمن لدى صناع الدراما عامل النجاح الجماهيري وكذلك رصيدا جماهيريا طاغيا خلال العرض. وهذا ما ترجمه ظهورهما الثالث في مسلسل “وأخيرا”، وهو من تأليف وإخراج أسامة عبيد الناصر عن قصة لبلال الشحادات.
في مسلسل "وأخيرا" يذهب الناصر مع بطله قصي خولي، في دخولهما عوالم الأكشن والتشويق والجريمة، إلى مدى أبعد
يقدم مسلسل “وأخيرا” حكاية مشوقة ومثيرة تدور في مجتمع يقوم على أنشطة الجريمة والمخدرات والخطف، ويدخل في أجواء بعضها واقعي وبعضها الآخر افتراضي، في عوالم الحب والخوف والموت والجريمة لدى شخصيات اجتماعية مختلفة.
بطلة العمل “خيال” (نادين نجيم) فتاة تعيش ظروفا شخصية غامضة وقاسية، تتقاذفها دروب الحياة لتضعها في تقاطع مصيري مع “ياقوت” (قصي خولي) الشاب الذي يعيش في أحد أحياء بيروت والذي له ماض في عالم الجريمة والسجن، لتنشأ بينهما قصة حب جارف، وسرعان ما تتعرض هذه العلاقة للمخاطر خاصة عندما تُختطف “خيال” مع عدد من بنات الحي من قبل عصابة إجرامية تستغلهن في عملياتها وتحتجزهن في كباريه محمي، يعشن فيه حياة صعبة بين فتك سادة الجريمة بمستقبلهن وإجبارهن على امتهان الجريمة وما يسببه لهن ذلك من مخاطر حالية ومستقبلية.
يذهب بنا المسلسل إلى عوالم متداخلة بين الحقيقي والمتخيّل، كما يربط أحداثه بواقع يومي مأزوم يعيشه المجتمع في لبنان من الناحية المالية والاقتصادية، ويظهر ذلك من خلال مشهد اقتحام “ياقوت” لمصرف ومطالبته بماله بعد حجز بعض الزبائن فيه، كما يدخل مجال الفساد الوظيفي من خلال شخصية محقق يتخلى عن أخلاقيات مهنته ليكون جزءا من العصابات.
لم يقدم المسلسل حكاية اجتماعية تقليدية تستند إلى قاعدة شائعة اجتماعيا وتتحدث عن أمور أكثر نزفا وجدانيا، كما يؤكد المسلسل الخط العاطفي الذي يستهوي الناس من خلال النهايات السعيدة التي وصل إليها، وذهب إلى تقديم نموذج درامي عربي يحاكي المسلسلات والأعمال العالمية خاصة الأميركية التي تركز على توظيف شغف الجمهور بالأكشن والصراع، وتؤمن له متابعة شيقة للمسلسل مع تمرير بعض ملامح المجتمع في خلفية الأحداث.
غياب مبكر
غالبا ما يتعلق الجمهور بالأعمال التي تخلق حالة من التشويق ويتابعها بشغف، والمؤكد أن مسلسل “وأخيرا” قد حقق حالة متابعة جيدة من قبل الجمهور، وطبيعي أن جزءا منه لن يتقبل فكرة أن يكتفي بخمس عشرة حلقة فقط.
هذا الجمهور كان سيرحب بوجود المسلسل على امتداد الشهر بكامله، لكن منتجي العمل لم يذهبوا إلى هذا الخيار، ربما من باب الحرص على تقديم عمل أكثر جودة. فشخصيات العمل لا تحمل -بالشكل الذي ظهرت عليه- كوامن درامية يمكن أن تقدم المزيد من الصراع، ومسارات الأحداث والنهايات باتت شبه معروفة، الأمر الذي سيعني حتمية اللجوء إلى الحشو في الأحداث والحوارات وبالتالي الدخول في التكرار وصولا إلى بطء الزمن السردي، وهذا ما سيلغي حالة التشويق وبالتالي الدخول في مخاطر تراجع العمل جماهيريا. ويمكن القول إن خروج العمل من مساحة العرض بخمس عشرة حلقة خيار ذكي من صنّاعه للحفاظ على المستوى الذي كان عليه.
طموحات كبيرة
مخرج المسلسل أسامة عبيد الناصر هو سينمائي سوري شاب، درس طب الأسنان ومارس المهنة في دمشق سنوات قبل أن يتوجه إلى دراسة السينما في دبلوم العلوم السينمائية وفنونها الذي تنظمه المؤسسة العامة للسينما في سوريا، ومن خلاله قدم كهاوٍ سينمائيٍ فيلما روائيا قصيرا حمل اسم “أفيون” ولفت الأنظار إليه، وقد أعقبه بفيلم أكثر نضجا حمل اسم “نخب ثاني” حقق فيه تقدما أكبر، ترجمه ذلك فوزه بجائزتي أفضل فيلم وسيناريو في مهرجان سينما الشباب والأفلام القصيرة، كما نال الجائزة الفضية في مهرجان شرم الشيخ بمصر في مسابقة الفيلم الروائي القصير.
أنجز المخرج فيلما احترافيا حمل اسم “كواليس”، قدم فيه مستوى متقدما عن كل ما سبق وشرَّح فيه المجتمع السوري في مفاصل منه. ونال عام 2011 جائزة في السيناريو من السفارة الفرنسية بدمشق عن نص “شادي وسما” ونال جائزة سينمائية في الإمارات.
محاولته الأولى في دراما التلفزيون كانت من خلال مسلسل “بارانويا” الذي قدمه نصا وإخراجا مع شركة الصباح وكان بطله في التمثيل قصي خولي، الذي قدم فيه شخصية شاب مصاب بانفصام الشخصية (وزير) وكيف كان قائد مجموعة موسيقية ليتحول بعدها إلى متهم بجريمة قتل مجموعة من الأشخاص، ويدخل المسلسل دوامة متتالية من التشويق بين عالم الجريمة والعدالة والأمراض النفسية المختلفة.
ويبدو أن الناصر في تجربته الثانية في مسلسل “وأخيرا” يذهب إلى مدى أبعد مع بطله قصي خولي في دخول عوالم الأكشن والتشويق والجريمة، فالمسلسل منسوج على مدى إقبال جمهور الدراما على مثل هذا النوع من المسلسلات، وهذا ما أدى إلى تحقيق المسلسل معدلات مشاهدة عالية حسب بعض منصات المتابعة على المستوى العربي عموما.